كتبت النهار
في جعبة الشخصية اللبنانية التي استند “الموقف هذا النهار” الى معلوماتها يوم السبت الماضي، والتي تتابع من قرب وبعيداً من الإعلام أوضاع الداخل واستحقاقاته الكبرى، كما المشكلات والخلافات التي تندلع أحياناً داخل السلطة أو معها وتسعى الى حلّها، في جعبتها معلومات إضافية مهمة عن الوضع الداخلي المعقّد في البلاد جرّاء الفراغ الرئاسي منذ ثمانية أشهر والإنقسام الطائفي والمذهبي الحاد بين اللبنانيين. أول المعلومات أن لا انتخاب لرئيس جديد للجمهورية قبل شهر أيلول المقبل وربما بعده. يعني ذلك أن “حزب الله” أخرج مرشحَيْن رئاسيين لأخصامه ومعارضيه من السباق نحو الرئاسة هما نائب زغرتا ميشال معوض والمسؤول المهم في صندوق النقد الدولي جهاد أزعور. يعني أيضاً أنه قد يُخرج مرشحاً أو اثنين لأخصامه ومعارضيه أنفسهم من الآن وحتى أيلول المقبل أو ربما نهاية السنة الجارية. هذا إذا دعا رئيس مجلس النواب نبيه بري الى جلسة نيابية أو أكثر لانتخاب رئيس من دون توفير أسباب نجاحها في ملء الفراغ الرئاسي. وفي الفترة الفاصلة بين أيلول ونهاية العام يعود البحث الجدّي في حل مأزق الرئاسة إذا توافق أعضاء اللجنة الخماسية المؤلفة من فرنسا ومصر والسعودية وقطر وأميركا التي أخذت على عاتقها ملء الفراغ الرئاسي في لبنان وبشخصية مقبولة من “حزب الله” كما من معارضيه وأخصامه وأعدائه، علماً أن اتفاقاً كهذا تلزمه أيضاً مباركة إيرانية. في هذه الحال لن يبقى زعيم “تيار المردة” الزغرتاوي مرشحاً رئاسياً بقبول منه بعد محادثات جدّية يجريها معه “الثنائي الشيعي” حليفه الأول والأخير، أي “حزب الله” والرئيس نبيه بري الذي سيعطيه ما يطلبه من ضمانات سياسية ومن مواقع في “دولة” الرئيس الجديد الذي سيُنتخب وكل مؤسساتها. هذا أمرٌ صار مشروعاً في لبنان، وقد مارسه “التيار الوطني الحر” بقيادة جبران باسيل وباندفاع الى الآخِر، بحيث استولى على معظم حصة المسيحيين في “دولة عمّه” الرئيس ميشال عون. لكنه لم يشبع إذ لا يزال يحاول إبعاد فرنجية عن الرئاسة ولا يزال مستعداً لتأييد أي مرشح آخر غير فرنجية يعطيه “المغانم والأسلاب” كلها في الدولة بعد انتخابه.
ما رأي الفاتيكان اليوم في ما يجري داخل لبنان، وهل من موقف له أو نصيحة ولا سيما للمسيحيين ولموارنتهم خصوصاً وفي مقدمهم البطريرك بشارة الراعي؟ تجيب الشخصية اللبنانية نفسها: “ان رئيس وزراء الكرسي الرسولي تكلم مع رئيس فرنسا ماكرون قبل زيارة الراعي له كما أرسل توصية الى الأخير. وفي الكلام طلب من فرنسا توجيه دعوة ملحّة الى حوار بين اللبنانيين ومن سيّد بكركي، وبذل كل جهد ممكن لبدء حوار بين المسيحيين ممثلين بأحزابهم المعروفة و”حزب الله” وشريكه في “الثنائية الشيعية” نبيه بري. اعتبر الكرسي الرسولي في كلامه مع الراعي أن الطريقة التي واجه بها وجهات مسيحية أخرى استحقاق الإنتخابات الرئاسية في لبنان كانت غير صائبة. إلا أن السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو: أي شخصية مارونية رشّح البطريرك الراعي في أثناء اجتماعه الأخير مع رئيس فرنسا لرئاسة لبنان؟ الجواب الذي يؤكده أطراف المعركة الرئاسية في لبنان من المسيحيين يفيد أن البطريرك حمل إسم مرشح واحد الى باريس هو جهاد أزعور الذي اختارته غالبية مهمة من المسيحيين وطلبت منه إيصاله الى الإليزيه وإقناع سيدها به، والطلب منه سحب تأييد فرنسا السابق لسليمان فرنجية مرشحاً للرئاسة. لكن معلومات تسرّبت من باريس تفيد أنه طرح إسم شخصية مسيحية أخرى يعتبر مسيحيون كثيرون أنها جيدة ومؤهلة وصاحبة برنامج. وعندما سأل كاتب “الموقف هذا النهار” صديقاً له في “حزب الله” مرشِّح فرنجية المقبول فرنسياً عن الإسم الآخر أجاب: “حمل الراعي إسماً واحداً هو جهاد أزعور. وأي كلام غير ذلك غير صحيح”. طبعاً تمسّك مصدر ترشيح الإسم الآخر بموقفه. وكان ردّي عليه أن البطريرك ربما “زتّ” الإسم الثاني ولكن خارج إطار المهمة المكلّف بها من الفاتيكان ومسيحيي لبنان.
ماذا يمكن أن يحصل إذا استمر عجز شعوب لبنان بل قادتها عن ملء الفراغ الرئاسي في بلادهم بشخصية توحي الثقة لها وقادرة على العمل لإعادة الحياة الى دولة دخلت مع عون بعد رئاسته موتاً سريرياً ينجو منه القليلون بعودتهم الى الحياة؟ تجيب الشخصية اللبنانية نفسها: “إنتخاب رئيس الجمهورية ضروري إذا حصل، علماً أن حصوله لا يُغني عن قيادة الرئيس الجديد حواراً عميقاً وجدّياً بين اللبنانيين. وهو حوار واجب الحصول أيضاً إذا استمر الفراغ شرط أن يكون عميقاً وشاملاً كل موضوعات الخلافات بين شعوب لبنان أي السنّة والشيعة والمسيحيين والدروز والعلويين، وصريحاً ومعبّراً بصدق عن رغبة في التوصل الى تسوية تعيد لبنان الى الحياة، بل الى حياة أفضل من التي عاشها منذ تأسيسه، وبالتأكيد أفضل من جهنم التي أدخله إليها عدم إنجاز تطبيق الطائف ثم التخلي عن تطبيقه من أكثر من مكوّن. يعني ذلك أن الحوار يُفترض أن يأخذ من اتفاق الطائف المفيد منه وخصوصاً الذي لم يطبّق برفض المنظومة السياسية المكوّنة من الطوائف والمذاهب كلها له لاقتناعها بأنه سيؤدّي مع الوقت الى “تشقّفها” وإضعافها وربما الى زوالها لاحقاً بالإفساح في المجال أمام انخراط الشباب اللبنانيين أبناء العصر والعلم والمعرفة في حياة سياسية لا تعصّب ديني فيها ولا مذهبي بل إيمان ولا استيلاء على موارد الدولة وثروات المواطنين بالقوة وباسم الدين ومتفرعاته.
ما هي الأمور التي لم تطبّق من اتفاق الطائف، وهل من ضرورة لإدخال إضافات عليه وما هي؟