كتبت النهار
يسود في الأوساط السياسية والإعلامية في لبنان أن الزعيم الدرزي الأبرز وليد جنبلاط قرّر ترشيح الموظف الكبير في صندوق النقد الدولي جهاد أزعور لرئاسة الجمهورية لسببين مهمّين. الأول أن نجله تيمور، رئيس “اللقاء الديموقراطي النيابي”، لم يكن مؤيداً لترشيح زعيم “تيار المردة” الزغرتاوي سليمان فرنجية للرئاسة الأولى في البلاد. وقد تناولتْ هذا الموقف وسائلُ إعلام لبنانية من دون أن يقوم أحد من الفريق الجنبلاطي الحزبي أو النيابي بتبنّي هذا الموقف. أما السبب الثاني فكان أن جنبلاط نفسه كان أول مَن رشّح أزعور للرئاسة الأولى مع مرشّحيْن آخرين أحدهما النائب السابق صلاح حنين. دافعه الى ذلك كان اقتناعه بأن أزعور سيصبح مع الوقت مرشّح تحدٍّ فيلاقي مصيراً مشابهاً للمصير الذي لاقاه مَن سبقه الى تمثيل “الإجماع المسيحي” في الترشّح الى الرئاسة نائب زغرتا ميشال معوض، وهو الإنسحاب من السباق الرئاسي. من شأن ذلك أن يوفّر له، أي لجنبلاط الأب، الفرصة للتحلّل من تأييد أزعور، وبذلك يؤكّد للفريق المسيحي الموحّد موقّتاً ولداعميه من قوى عربية ودولية أنه معهم في المعركة الرئاسية. لكن أزعور لم يعد قادراً على الإستمرار بعد تحوّله مرشّح تحدّ. ويؤكّد في الوقت نفسه لحليفه وصديقه الدائم منذ عقود، أي الرئيس نبيه بري، أنه لم يتركه في معركته الرئاسية المؤيّدة لفرنجية وحده. لا يعني ذلك طبعاً أنه سيصوّت للأخير إذا توافر نصاب جلسة نيابية إنتخابية، بل يعني أنه قد يضع أو بالأحرى قد يوصي نوّاب “اللقاء الديموقراطي” الذي يترأسه ابنه تيمور بوضع أوراق بيضاء. بذلك يُثبت موقفه الإيجابي من الفريقين العربي – الدولي المعنيين برئاسة لبنان والمتدخّلين فيها كما الفريق اللبناني الشيعي المدعوم من إيران الإسلامية، علماً أن التناقض بين الإثنين كبير جداً.
هل التحليل المعلوماتي المفصّل أعلاه دقيق في رأي شخصية تتابع من قرب حركة الحزب التقدمي الإشتراكي ورئيسه السابق وليد جنبلاط، وحركة “اللقاء الديموقراطي” النيابي الذي يترأسه نجله تيمور، كما تتابع الحركة السياسية المتنوّعة والمتناقضة في لبنان كله؟ “الحقيقة غير ذلك” تجيب الشخصية المذكورة، وتضيف: “رشّح وليد بيك ثلاث شخصيات للرئاسة على ما هو معروف كانت أولاها جهاد أزعور. وفي لقاء له مع وفد قيادي رفيع المستوى من “حزب الله”، وكان ذلك في آخر شهر آب الماضي، أي قبل انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون، قال جنبلاط له “يجب أن لا يكون مرشحكم للرئاسة مرشح تحدٍّ”. بعد أشهر ثلاثة أو أربعة من انتهاء ولاية عون زار وفد آخر من “حزب الله” وليد بيك فكرّر له موقفه كما موقف الحزب الإشتراكي ونوّابه: “لا لمرشّح تحدّ. أنا أرشّح ثلاث شخصيات لهذا الموقع الرفيع هي جهاد أزعور وفلان وفلان”. استمر جنبلاط على موقفه هذا. لكن أزعور صار مرشح تحدٍ. السؤال الآن هو: هل يستمر في الترشّح للرئاسة أم يعتذر ويعود الى عمله في صندوق النقد الدولي في واشنطن؟ أم يتمسّك بالسعي الى كرسي بعبدا، علماً أن “حزب الله” كان صار في هذا الوقت أكثر تمسّكاً بمرشّحه فرنجية وأكثر رفضاً للتخلّي عنه ولو صارت المياه “عموداً”.
ماذا عن مواقف الأطراف المسيحيين في لبنان من المعركة الرئاسية؟ تجيب الشخصية نفسها المتابعة من قرب حركة الإشتراكي ورئيسيه السابق والحالي ونوّابه: “هو يعتقد استناداً الى متابعته الدائمة للأوضاع واستناداً الى كلام سمعه مباشرة من ديبلوماسيين عاملين في لبنان أن الأطراف المسيحيين قد يكونون سائرين في اتجاه يُرجّح أن يتسبب بمشكلات دامية جداً أو بأكثر من مشكلات، كما لا بد أن يضع البلاد على طريق الإنشطار أو التقسيم أو ما يشبهه، وأن لا “تعايش” بين المسلمين والمسيحيين في لبنان. والوصول الى هذه المرحلة يمكن أن يتم على البارد لكن لا يمكن استبعاد أن يتم على الحامي. فقد سمع الديبلوماسيون المشار إليهم أعلاه أو بعضهم على الأقل وصفاً للبنان من قيادات مسيحية أساسية أو من بعضها أن لبنان انقسم جزءين واحد يمكن تسميته “قندهار” وآخر يمكن تسميته “مونتي كارلو”. أما الميثاقية التي صارت شعاراً مرفوعاً ومطلباً جرّاء التحالف الذي قام منذ 17 سنة بين “حزب الله” و”الجنرال” ميشال عون فقد أصبحت تُهدّد البلاد بخطر شديد، علماً أن الثاني هو من بدأ يروّج لها في محاولة للإفادة من حلفه مع الأول لحكم المسيحيين مدة طويلة عبر “التيار الوطني الحر” الذي أسّسه ثم سلّمه الى النائب جبران باسيل، وعلماً أيضاً أن الميثاقية تعطّل البلاد عند اختلاف القوتين الحليفتين، كما تقضي نهائياً على استقرارها في حال استمرار تحالفهما أو تزعزعه. ربما يكون المسيحيون أول الخاسرين”.
ماذا قالت أيضاً الشخصية نفسها المتابعة من قرب الحال الدرزية عموماً والزعامة الجنبلاطية وسياساتها خصوصاً؟ قالت إن موقع حاكم مصرف لبنان سيشغر آخر الشهر الجاري، وأن قيادة الجيش ستشغر في شهر كانون الثاني المقبل، وأن مواقع مسيحية “أولى” أخرى ستشغر هي أيضاً كما ستشغر مواقع مسلمة أيضاً. ومن شأن ذلك أن يصيب الدولة بعطل بل بجمود نهائي لا قيامة منه. في هذه الحال ماذا سيفعل المسيحيون واللبنانيون الآخرون؟ أما في موضوع وليد بيك وتيمور بيك فلا أحد “يعتل هَم” إذ إن علاقتهما جيدة. فالأول زعيم الدروز ومنذ عقود وسيبقى، في حين أن زعامات الطوائف الأخرى على عراقة بعضها قد تضعف أو تزول وتحلّ محلها زعامات أخرى.
هل تأثرت علاقة الرئيس نبيه بري بوليد جنبلاط جرّاء التطورات الرئاسية؟