رلى إبراهيم – الأخبار
قبل أيام، وجّهت قاضية التحقيق الفرنسية أود بوروزي إلى ماريان الحويك، المساعِدة التنفيذية لحاكم مصرف لبنان رياض سلامة، تهمتَيْ تشكيل عصابة أشرار إجرامية وتبييض أموال في إطار عصابة منظّمة. ووضعت بوروزي الحويك تحت مراقبة قضائية ومنعتها من التواصل مع مصرف لبنان أو العمل فيه، وألزمتها بدفع ضمان مالي بقيمة 1.5 مليون يورو، قبل أن تعمد أمس إلى تثبيت الحجز على أموالها وأملاكها في فرنسا. هذه الاتهامات هي حصيلة تحقيقات قامت بها القاضية الفرنسية في نيسان الماضي، ومبنية بشكل رئيسي على شهادة الحويك التي تضمّنت تناقضاً وعدم قدرتها على إثبات مصدر أموالها.
«الأخبار» حصلت على محضر الجلسة التي استمعت فيها قاضية التحقيق الفرنسية إلى «المديرة التنفيذية السابقة لمكتب حاكم مصرف لبنان»، في 27/4/2023، وفق تعريف الحويك لـ«مشوارها المهني». وتكشف إفادة الحويك، بما لا لبس فيه، أن سلامة كان يتعاطى مع وظيفته في البنك المركزي بعقلية من وقع على منجم ذهب وينوي استنفاده بأي طريقة، سواء عبر توزيع الامتيازات والرشى والقروض الميسرة على رؤوس السلطة السياسية لقاء حمايته، أو عبر التعاميم والبرامج التي ابتدعها في سياق خلق دكاكين جانبية لتبرير صرف الأموال، وأيضاً عبر تسخير آخرين، من بينهم الحويك، واجهة لاختلاس أموال المصرف وإجراء تحويلات وامتلاك شركات مقابل «فتات» بملايين الدولارات لمن ارتضوا أن يكونوا «فترين» الحاكم للتغطية على أعماله.
في جلسة الاستماع، تحدثت «المديرة التنفيذية السابقة لمكتب حاكم مصرف لبنان»، في 27/4/2023، وفق تعريف الحويك لـ«مشوارها المهني»، عن «تفوّقها» في الدراسات المصرفية في جامعة LAU، ما فتح أبواب مصرف لبنان أمامها رغم عدم تمرّسها في أي عمل قبل ذلك. وخلال فترة التدريب، أُعجب حاكم المصرف المركزي رياض سلامة بـ«ديناميكية» المتدربة الجديدة، كما تقول، فسمح لها بالتنقل بين مختلف المديريات لدرس أوضاعها وإمكان إعادة تنظيمها. هكذا، وُظفت الحويك في المصرف وبدأت رحلة 13 عاماً من «العمل الشاق» والترقيات السريعة، إدارياً ومالياً، إلى أن قرّرت عام 2018 وضع نفسها في فترة استيداع (إجازة غير مدفوعة)، لتعود عام 2020 مستشارة للحاكم بلا راتب، رغبة منها في إيجاد حل للأزمة المالية وهو أشبه بـ«عمل تطوعي»، إذ إنها تعيش «من مواردها الخاصة المؤلّفة من ادّخاراتها الشخصية إضافة إلى أموال عائلتها».
من هنا تبدأ القاضية بوروزي فكفكة مسار الأموال الموجودة في حسابات الحويك في سويسرا ولوكسمبورغ وموناكو، ليتبين خلال الجلسة أن مصدر هذه الأموال البالغة 5 ملايين دولار ليس والدها حميد كما تدّعي، بل مصرف لبنان، أو بالأحرى حاكمه. فماريان لم تكن سوى واجهة استخدمها الحاكم لاختلاس أموال عامة وخاصة وتبييضها في الخارج باسم شركات عدة في مصارف أوروبية. وبالطبع، لم تتطوّع ماريان لهذه المهمة، بل تقاضت مقابلها شققاً وأموالاً ونفوذاً في مصرف لبنان لا يحلم بها أي طالب تخرّج حديثاً بالشهادة نفسها وفي الكلية نفسها. وقد دفعت مزاعم الحويك حول ثروة والدها القاضية الفرنسية إلى سؤالها عن سبب دراستها في لبنان وليس في الخارج، فأجابت بأنها كانت تنوي ذلك، لكنها عندما شعرت بأن مسيرتها العملية ناجحة في بيروت غيّرت قرارها. وتُرجم هذا «النجاح» بتملك شقة في باريس بقيمة مليون و600 ألف يورو، وشقة في بيروت بقيمة 700 ألف دولار، وشقة في الرابية بقيمة مليون دولار. كما أكدت أن في حوزتها 5 ملايين و700 ألف يورو في حسابها وهو «كل ما تملك» بفضل «وظيفة شغلتها كمديرة تنفيذية لمكتب الحاكم براتب بدأ بما يراوح بين ثلاثة وأربعة ملايين ليرة ووصل إلى 18 مليوناً بين عامي 2007 و2018». لذلك، لم تفهم الحويك «الكثير من الظلم الذي تعرّضت له، بينما أنا لست رياض سلامة ولا بمركزه أو بمسؤوليته، ولا أعرف ما الذي دفع الإعلام إلى تصويري كرياض سلامة»، معربة عن اعتقادها بأن «نجاحها وراء تسليط الضوء عليها وخصوصاً تكريمها محلياً وعالمياً وتنويه البنك الدولي بها في أحد تقاريره، وهو تنويه لم يحظَ الحاكم بمثله».
رغم «شطارة» مساعدة حاكم مصرف لبنان و«تفوقها» الذي فتح أبواب المصرف أمامها، إلا أنها لم تكن ضليعة بألف باء تبييض الأموال وكيفية إقفال الصفقات من دون إثارة الشبهات. لذلك كلّف الحاكم رياض سلامة صديق طفولته نبيل عون تسهيل معاملات ماريان وإرشادها إلى «الطريق الصحيح». في ردها على أسئلة القاضية بوروزي حول عدد من الأسماء، من بينها عون، أجابت الحويك بأنها «لا تعرفه شخصياً ولا تعرف طبيعة عمله»، وهي تعرّفت إليه من دون أن تلتقيه عن طريق الحاكم عام 2010، عندما قرّر والدها توزيع ثروته على أولاده (لها شقيقة وشقيقان)، وبسبب «جهلي بالأعمال المصرفية آنذاك، طلبت من الحاكم مساعدتي فأرشدني إلى نبيل عون». والحديث عن «الجهل» بالأعمال المصرفية، هنا، صادر عن متفوّقة في دراساتها المصرفية وذات قدرات استثنائية دفعت الحاكم إلى تكليفها إعادة هيكلة مديريات مصرف لبنان. وما يزيد الرواية غرابة تأكيد الحويك أنها ووالدها تعاملا مع عون وأوكلاه كل أمورهما المصرفية في لبنان والخارج من دون أن يلتقياه ولو لمرة واحدة. رغم ذلك، وثق الوالد وابنته بعون ثقة عمياء، ووقّعا له على كل الأوراق التي تخوّله التصرف بأموالهما وحساباتهما ومنها «الأوراق اللازمة لفتح حسابين مصرفيين (باسم ماريان) في سويسرا ولوكسمبورغ». وفي عام 2010، حوّل والدها، بواسطة عون، حصتها البالغة 5 ملايين دولار من «ثروته» إلى هذين الحسابين، وهي حصة موازية لحصص أشقائها الثلاثة كما تقول. وبناء على نصيحة صديق سلامة الذي يعمل في الدائرة المصرفية الخاصة في المصرف السويسري، بسام سلامة، حيث أودعت الحويك جزءاً من أموالها، أنشأت شركة Rise Invest في بنما بتاريخ 18/11/2011 (هي المستفيدة الاقتصادية الوحيدة منها)، «لأن الإيداع باسم شركة يكون أفضل خصوصاً إذا كانت من دون نشاط تجاري». إلا أن الغرض الفعلي من عمل مماثل غالباً ما يكون إخفاء اسم المالك الحقيقي بالتلطي وراء شركة وهمية. ويُعتقد بحسب الوثائق التي سُرّبت في ملف «أوراق بنما» أن الشركة تعود لرياض سلامة نفسه. إذ تؤكد الوثائق أن الحويك هي المساهم الوحيد في الشركة التي صُمِّمت لتكون «سرية»، وأصدرت الشركة أسهماً لحامليها، وهي نوع من ضمانات الأسهم الخاصة التي تسمح للمالك بالبقاء مجهول الهوية. وتظهر الوثائق الإبلاغ عن «فقدان أو تدمير» أسهم «رايز إنفست» لحاملها عام 2015، وإصدار شهادات أسهم جديدة باسم الحويك. وتقول الأخيرة إنها استخدمت هذه الشركة لتحويل أموال إلى مصرف BGL BNP Paribas في لوكسمبورع «لشراء شقة في باريس حيث ثمة فرع للمصرف نفسه هناك». وهنا، أيضاً، لم تكن المستشارة على علم بأي تفصيل؛ بل كان سلامة هو من يخطط ويُعدّ وينفذ كل الإجراءات اللازمة. وبحسب ما صرحت أمام بوروزي، «كان للحاكم ومعارفه التأثير الأكبر في هذا القرار، إذ وصلها بشخص يدعى روجيه حاج توكّل إدارة حسابها في لوكسمبورغ، والتقته لاحقاً عدة مرات «عبر سلامة وحين كان يزور زبائنه في لبنان لأخذ تواقيعهم على الأوراق».
رياض سلامة هو من خطط وأعدّ ونفذ كل الإجراءات لتحويل أموال الحويك إلى الخارج
حسابا «رايز إنفست» في سويسرا ولوكسمبورغ ليسا الوحيدَين، فثمة حساب ثالث لشركة في سويسرا أيضاً، تحديداً في مصرف JULIUS BAER، يحتوي على 800 ألف يورو. وعندما استوضحت القاضية الحويك عن إيداع مبلغ 484 ألف يورو في مصرف BGL من حساب شركة قبرصية، بررت الأمر بأنه نتيجة «نشاطها التجاري عبر حضانة شركات تجارية، وقد قام المستثمرون معها بإيداع هذا المبلغ في BGL ومبلغ مماثل في مصرف JULIUS BAER في سويسرا». ولم تجد ماريان أي غرابة في فتحها كل هذه الحسابات وتحويل الأموال في ما بينها، فكل ذلك لأجل ضمان «مستقبلها»، بما فيها أربعة تحويلات مالية إلى حساب شركتها في «جوليوس باير»، وبررتها بأنها «لجمع رأس مال من أجل تأسيس شركة خاصة»، من ضمنها تحويل من شركة «ويستلايك» التي نفت معرفتها بأصحابها، ما يعني أنها تتصل بأشخاص وتتفق معهم على تمويل الشركة الحاضنة من دون أن تعلم من أين يحولون الأموال أو تدقق بها. لكن، تشاء المصادفة أن «ويستلايك»، ومقرها بنما، تملك حساباً في «جوليوس باير» في زوريخ، وسبق للنيابة العامة الفدرالية السويسرية أن كشفت أنّ صاحبها هو رياض سلامة في إطار التحقيقات في أموال شقيقه رجا سلامة. لذلك، سألت القاضية إذا كان رياض سلامة من ضمن الأشخاص الممولين فأجابت ماريان: «نعم وحصته من التمويل 200 ألف دولار وقد أكد لي الحاكم أنها من أمواله الخاصة». لكن، لماذا صرّحتِ أمام القاضي جان طنوس بأن الحاكم دفع لكِ مكافأة سنوية عن عملك بهذه القيمة، فردت أن هذا المبلغ اعتبره سلامة مكافأة على جهودها، فيما هي اعتبرته مساهمة في الاستثمار. علماً أن سلامة كان قد أكد في إفادته أمام القاضي طنوس أن الحويك «أقدمت على تنفيذ عدد من المشاريع تتعلق بالاقتصاد الرقمي» وأنه «رغب في تسديد قيمة هذه المشاريع من جيبه الخاص، فطلب من شقيقه رجا تسديد مبالغ مالية للحويك على أربع أو خمس دفعات بقيمة 500 ألف أو 600 ألف دولار لكل دفعة»!
عرضت القاضية الفرنسية على ماريان الحويك مجموعة وثائق ودلائل تفضح ادّعاءاتها، من بينها تحويل يثير الشبهات بقيمة 1.8 مليون يورو من حساب شركة «رايز انفست» في سويسرا إلى حساب BGL، فأجابت بأن مصدر هذا التحويل هو والدها. عندها واجهتها بوروزي بأن المبلغ المحوّل تمّ عبر شركة Liban Management and consulting التي يملكها نبيل عون إلى حساب شركتها وليس من حساب والدها، فنفت أن تكون على علم بذلك. وعندما واجهتها بوروزي بما يثبت أن تحويلاً وصل إلى شركة عون بقيمة مليون و999 ألفاً و900 يورو قبيل يوم واحد من تحويل مليون و800 ألف يورو إلى حسابها وسألتها عن صاحب هذه الأموال ومصدرها، نفت أن تكون على معرفة بذلك. وحول عدم تحويل والدها الأموال إلى حساباتها المصرفية الخاصة بل عبر شركة نبيل عون، قالت ماريان إنه «أمر تجهله»، وإنها لم تكن تعلم من هو مالك شركة «ليبان مانجمنت» ولا سبب تحويل هذا المبلغ إليها في هذا الوقت. عند ذلك الحدّ طلبت بوروزي توضيحاً من «المساعدة التنفيذية» حول الوثائق التي حُجزت في مصرف BGL. فقد تبيّن أن رياض سلامة هو من أرسل بريداً إلكترونياً إلى البنك بخصوص مبلغ مليون و800 ألف يورو الخاص بشركتها. مجدداً، ماريان التي لا تعلم شيئاً، إذ نفت علمها بالبريد الإلكتروني، لكنها تعلم أن «سلامة كان حريصاً على مساعدتها في إنجاز هذا التحويل». فسألتها القاضية عمّا دفع الحاكم إلى مخاطبة المصرف بنفسه، علماً أن القوانين تمنع ذلك، وعما إذا كانت قد منحت موافقتها «صراحة أو ضمنياً على مناقشة حسابات شركتها المصرفية مع سلامة»، فردّت إيجاباً، ما يؤكد أن سلامة شريك في حساب ماريان.
وعرضت القاضية وثيقة على الحويك هي عبارة عن رسالة word أعدّها مدير مصرف BGL ليوقّعها عون، تتعلق بمستلزمات التدقيق المالي لتبرير إدخال مبلغ مليون و800 ألف يورو إلى الحساب، فنفت علمها بذلك وقالت إنه ليس لديها تفسير للوثيقة لأن ما يقوم به نبيل عون في المصرف «لا علاقة لي به وكل ما أعرفه أنه تم التحقق من مصادر الأموال من قبل المصرف من دون اعتراض وجرت عملية الإيداع بسلاسة». ومن خلال الوثيقة يتبين أن عون صرّح لمصرف BGL بأنه يتصرف بالنيابة عن حميد الحويك، وأن هذا التحويل يتم بصفة شخصية وليس من نشاط تجاري، وهو ما يتعارض مع التبرير الذي قدّمه عون نفسه ضمن رسالة موجهة إلى المصرف السويسري، وصرّح فيه أن هدف التحويل المنجز عبر شركة «ليبان مانجمنت» هو الاستثمار. فنفت ماريان أن يكون المبلغ مُعدّاً للاستثمار التجاري، ولم تملك إجابة على سؤال عن السبب الذي دفع برياض سلامة إلى إعادة النسخة الموثّقة إلى المصرف المختص لقبول المبلغ وليس نبيل عون ما دام هو مكلفاً من والدها. وثمة سؤال أساسي وجّهته القاضية الفرنسية يختصر كل المشهد وهو أن عون أكّد أنه كان يتصرف نيابة عن رياض سلامة ليقدّم له خدمة، فهل كانت هذه المبالغ هدية من رياض؟ «بالتأكيد لا» قالت ماريان.
النقطة التي قلبت كل مسار التحقيق وأوضحت المخطّط الاحتيالي الذي أعدّه ونفّذه حاكم مصرف لبنان رياض سلامة عبر مساعدته حيناً وزوجته حيناً آخر وشقيقه وغيرهم هو التمكن من إثبات أن مصدر الـ 5 ملايين دولار التي تسلّمتها شركة «رايز انفست» هو مصرف لبنان. فقد تسلّمت الشركة 3 دفعات: 1.350 مليون دولار و1.800 مليون دولار و1.800 مليون دولار في تواريخ مختلفة 4/2012، 9/1/2013 و31/1/2013 ومبلغ 1.979 مليون دولار تحت عنوان «أتعاب استشارات». ويتبين من أقوال نبيل عون خلال استجوابه في فرنسا أن مصرف لبنان حوّل إليه 5 ملايين و500 ألف دولار وُزعت ما بين تحويلات إلى «رايز انفست» ومبلغ 460 ألف دولار إلى حساب ندي سلامة نجل رياض سلامة. وخلال جلسة الاستجواب سألت بوروزي الحويك عما إذا كانت تعلم أن مصدر الأموال المودعة في حساب شركتها هو مصرف لبنان، فأجابت بالنفي مكرّرة «الكذبة» نفسها بأن هذه التحويلات تعود إلى والدها، ولا علاقة لها بمصرف لبنان. لكنها ابتكرت نظرية استثنائية مفادها أن كل مصرف تجاري في لبنان له الحق بفتح حساب في مصرف لبنان، وتجري المقاصّة بين الأموال الدائنة والمدينة للمصرف عند المركزي، وربما، بحسب الحويك، هذا هو سبب صدور التحويل من مصرف لبنان! من دون أن تشرح ما علاقة حسابات المصارف في مصرف لبنان بحساب والدها الشخصي، إذا كان ثمة حساب أصلاً كما ادّعت وجوده في بنك الموارد الذي يملكه مروان خير الدين الذي وُضع رهن التحقيق في فرنسا في نيسان الماضي.
حولت أموالي إلى مصرف للصحناوي في موناكو بناءً على نصيحة سلامة
فقد تبين أن التحويلات لا تظهر اسم والدها ولا اسم بنك الموارد، بل من مصرف لبنان حصراً، وتتضمن إلى جانب الأموال كتاباً بخط يد رياض سلامة عرضته بوروزي أمام المستمع إليها، لتبرير إيداع هذا المبلغ من المال في حساب شركة نبيل عون. وهو ما يناقض الادّعاء بأن هذا المال يأتي من حساب والدها. فما كان من ماريان إلا أن شكّكت في أن يكون الكتاب بخط يد سلامة نفسه ولا الدافع وراء كتابته لرسالة مماثلة. لكنها، للمفارقة، عقّبت بأنه في حال صدور التحويلات من مصرف لبنان فإن الحاكم «لا يستطيع أن يوقّعها منفرداً، خصوصاً إذا تجاوزت قيمة التحويل 20 ألف دولار بل يجب اقتران توقيعه بموافقة المجلس المركزي؛ ولا يمكن تحويل مثل هذا الرقم خلسة». إذاً بحسب ماريان، المجلس المركزي كان شريك سلامة في عمليات الاختلاس من أموال مصرف لبنان، أو أقله على علم بها ويتستر عليها. أما ما تبقّى من ثروتها فلا يزال في المصارف التي أودعته فيها، وأشارت إلى تحويلها غالبية أموالها إلى مصرف Richelieu في موناكو الذي يرئِس مجلس إدارته أنطون صحناوي، بناءً على نصيحة من سلامة الذي نقل أيضاً كل أمواله إلى هذا المصرف.
إلى جانب عون وأصدقاء سلامة في المصارف الأوروبية الذين سهلوا إيداع هذه المبالغ له ضمن حسابات مساعدته مما يجعلهم شركاء في عمليات التبييض، يبرز دور رئيس مجلس إدارة بنك الموارد مروان خير الدين. فخلال استجواب نبيل عون في فرنسا، أدلى أمام القاضية بوروزي بأنه «طلب من رياض سلامة مستنداً يثبت أن مصدر الأموال المحوّلة إلى حسابه ليس مصرف لبنان فزوده بوثيقة صادرة عن بنك الموارد». هذا الأمر كان موضوع سؤال بوروزي لماريان بعد عرض الوثيقة عليها. فقالت الأخيرة إن «المبالغ الواردة إلى حساب عون تتعلق به، أما أنا فأوضحت ما هي المبالغ التي وردت إلى حساباتي، وأنا على علم بالوثيقة التي عرضتموها عليّ لأنني طلبت نسخة عنها من الحاكم، خصوصاً بعد أن تم إقفال الحساب (أقفل حسابا رايز إنفست في سويسرا ولوكسمبورغ في عام 2016 من قبل المصرفين بالتزامن مع إقفال حسابات شركة فوري بعد انكشاف أوراق بنما). وأشارت الحويك إلى أنها طلبت النسخة كي تؤكد أن مصدر هذه الأموال «ليس مصرف لبنان بل حساب والدي في بنك الموارد» نافية أن يكون سبب التحويل هو «الاستثمار»، كما هو مدوّن في الوثيقة. مرة أخرى، كذّبت القاضية الفرنسية الحويك بالوثائق، وأطلعتها على رسالة واتساب بين سلامة وخير الدين يملي فيها الحاكم على رئيس مجلس إدارة بنك الموارد حرفياً ما يجب أن يكتبه في الرسالة الصادرة عن مصرفه، ما يبين أن خير الدين كان يعمد إلى تزوير شهادات من مصرفه لصالح الحاكم للتغطية على استخدام أموال مصرف لبنان في عمليات تحويل الأموال. كما تسألها عن محادثة واتساب بينها وخير الدين أرسل فيها الأخير شهادة صادرة عن سلامة، وتطلب هي تعديل المعلومات الواردة فيها والأسماء.
صاحب المارد زوّر شهادات للتغطية على استخدام أموال مصرف لبنان في التحويلات
وبررت الحويك أنها طلبت تعديل اسمها «كي يتطابق مع اسمها كما هو وارد على جواز السفر، وتعديل التاريخ على الإفادات السابقة لتلبية طلبات المصارف الأجنبية». ومن الواضح أن الوثائق والمستندات الخاصة بواتساب خير الدين قد تم سحبها من هاتفه الخاص واللابتوب عند توقيفه في مطار باريس. إذ في إطار «الخدمات» المقدمة من خير الدين إلى سلامة، شهادة منه بتحويل 3 ملايين و350 ألف دولار من حساب والد الحويك إلى حسابها في مصرف EFG وقد أكدت ماريان ذلك. عندها سألتها القاضية كيف يشهد خير الدين أنه تم تحويل هذا المبلغ من مصرفه إلى EFG في حين أن المبلغ محوّل إلى شركة نبيل عون، فأجابت: «لا أعرف». ونفت أنها كانت موجودة عندما أملى سلامة هذه الرسالة على خير الدين، لكنها اكتفت بالإشارة إلى حصولها على الإفادة وإلى تحويل الأموال من بنك الموارد إلى حسابها.
شركات في الخليج
اللافت في جلسة الاستماع ظهور أسماء شركات مملوكة من الحويك للمرة الأولى في الخليج، من بينها شركة «سوينغ مانجمنت» التي «اكتشفت» القاضية وجودها في محادثة واتساب بين خير الدين والحويك، فأوضحت الأخيرة أن الشركة أنشئت في دبي، لكنها لم تقم بأي نشاط تجاري. كما سئلت عن شركة FOO التي تُعنى بتطوير البرامج المعلوماتية ويملكها غدي الريّس، فأجابت أنها «تعاملت معها خلال فترة إنشاء شركتها CLOUDX لأنها كانت بحاجة إليها لإنشاء العملات الإلكترونية». أما مديرة العمليات المصرفية الخاصة في بنك الموارد ريم سلامة «فقد تعاملت معها خلال فترة إنشائي لشركة CLOUDX، وليست مستشارتي المصرفية الخاصة بل هي الشخص الذي أتواصل معها في علاقتي مع بنك الموارد». وعندما سألتها بوروزي: لماذا لم تطلبي الشهادة منها بل من خير الدين؟ أجابت الحويك: «جرى ذلك بناءً لرأي الحاكم الذي اتصل بمروان خير الدين وأفهمه الطلب». وعما إذا كانت فتحت حساباً لشركتها في دبي؟ أجابت: «كلا».
كذلك تطرّقت القاضية إلى محادثة بين الحويك وخير الدين حول شيك مصرفي بقيمة 56 ألف دولار من مصرف لبنان إلى بنك الموارد، وفيها تسأله كيف يريدها أن تتصرف بالمبلغ، فادّعت الحويك أولاً أمام بوروزي بأنها لا تتذكر شيئاً عن هذا الشيك، قبل أن تستدرك بأنه إيجار مقر شركتها. وعندما عرضت القاضية عليها صورة الشيك مجدداً، أجابت بأنه صادر عن بنك عوده ويمكن أن يكون من أحد معارفها، إلا أنها لم تتعرف إلى التوقيع. وعندما سألتها القاضية عن سبب استفسار خير الدين عن الأمر، وردّها عليه مع تفاصيل عن بنك قطري، أجابت بأن الأمر قد يكون «خدمة لأحدهم، وهذا يحدث أحياناً»!
لا أعرف رجا سلامة
في بداية جلسة الاستماع سألت القاضية بوروزي ماريان الحويك عن عدد من الأسماء، وكان لافتاً أن الحويك نفت معرفتها بشقيق حاكم مصرف لبنان رجا سلامة، وأكدت أنها لا تتذكر حتى ملامح وجهه، ولم تشاهده في مصرف لبنان سوى مرة واحدة أثناء خروجه من مكتب الحاكم، عندما أبلغتها السكرتيرة بأنه شقيق رياض سلامة. أما ندي سلامة، ابن الحاكم، فقد قابلته مرة واحدة في مؤتمر مالي لمصرف لبنان في لندن عام 2015 ولم ترَه منذ ذلك الحين أبداً، وليس لديها رقم هاتفه أو عنوان بريده الإلكتروني.
أما صديقة الحاكم وشريكته آنا كوزاكوفا، فقد أكّدت الحويك أنها لا تعرف عنها سوى ما قرأته في الإعلام، كما أنها لا تعلم شيئاً عن أليزابيت سلامة، ابنة الحاكم من كوزاكوفا. وقالت الحويك التي عملت في مصرف لبنان لنحو 15 عاماً إنها «تعتقد» بأن ابن شقيقة سلامة، مروان عيسى الخوري، يعمل في دائرته القانونية، كما نفت نفياً قاطعاً أن تكون قد سمعت بشركة «فوري» أو شركتَي Amanior و SI 2 SA المملوكتين من الحاكم.