كتبت النهار
استمع وزراء ونواب وعاملون في مراكز دراسات في المانيا الى حقيقة الازمات اللبنانية المتشعبة من وفد نيابي عمل على تشريح كل المعضلات السياسية والاقتصادية والمالية في “مختبرات” برلين التي عرفت النهوض من هذا النوع من الازمات بعد الحرب العالمية الثانية بوجود إرادة مسؤولين عملوا بصدق وشفافية ولم يُعثرعلى معدنهم في لبنان بعد. وحمل الوفد النيابي الذي ضم: فؤاد مخزومي، غسان حاصباني، بلال الحشيمي، راجي السعد، وضاح الصادق، أديب عبد المسيح، والياس حنكش الى المانيا الملفات اللبنانية التي لا تفارق يوميات اللبنانيين وهم يتفرجون على انهيار المؤسسات الواحدة تلو الاخرى. وأبلغ مثال على ذلك التخبط الحاصل في التعاطي مع مؤسسة في حجم مصرف لبنان تشكل حجر الرحى في هيكل اي دولة.
في الملف الرئاسي، كان هناك استعجال عند النواب الزوار لانجاز هذا الاستحقاق لأن الشغور يستنزف ما تبقى من قدرات البلد، ولم يخفوا شكوى لبنانية من الفرنسيين جيران الالمان جراء تعاطيهم مع المبادرة التي انطلقوا منها والتي صبّت على دعم المرشح للرئاسة الوزير السابق سليمان فرنجية. وكان هناك طلب لبناني ولو بطريقة ديبلوماسية لمحاولة لفت برلين نظر باريس الى استبدال المقاربة الرئاسية في لبنان والتي ستتظهر معالمها الجديدة عند حضور الموفد جان – إيف لودريان في جولته الثانية. وبرز من طرف الوفد اعتراض واضح على معادلة فرنجية للرئاسة والسفير السابق نواف سلام لرئاسة الحكومة. وجرى الطلب بالفعل من برلين ضرورة التدخل لدى الاليزيه “لاعادة النظر في المقاربة الفرنسية” لان الاستمرار بها لن يؤدي الى انتخاب رئيس للجمهورية. وكان جواب الالمان هنا على مستوى اكثر من نائب ووزير انهم لم يبدوا أي حماسة للانضمام الى المجموعة الخماسية، مع اشارتهم الى ان ملف الرئاسة وتعاطيهم مع هذا الموضوع لا يخرج عن اطار البوابة الفرنسية التي لا يخفون تقديم ملاحظات عليها ولو بخفر، ولم يظهروا انهم يؤيدون مرشحاً على حساب آخر. كذلك لم يغب موضوع “حزب الله” في اكثر من جلسة، واذا كان الالمان يمنعون نشاطه على أرضهم، إلا أنهم كرروا الدعوة الى حوارات بين الافرقاء. وكان الرد من الوفد بضرورة الحفاظ على الشراكة بين اللبنانيين وتطبيق الدستور. ولم تخلُ اشارات المسؤولين الالمان من تصاعد موجات الفساد في لبنان وادارته وفي اكثر من قطاع. ومع ذلك لم يقولوا بأنهم لن يساعدوه عند انتخاب رئيس للجمهورية واطلاق عجلة حكومة حقيقية يقوم برنامجها على تطبيق سلسلة من الاصلاحات التي اشار اليها صندوق النقد الدولي. وعند توافر هذه الامور لن تبخل برلين في دعم لبنان والدفع بمؤسساته. وهي لم تخفِ في الوقت نفسه انها مشغولة بمتابعة حرب اوكرانيا وقد لا يحصل لبنان على المساعدات المالية التي يتلقاها اليوم في المستقبل اذا لم يتم تحقيق اصلاحات ملموسة. وتقدم برلين 450 مليون يورو للبنان كل سنة للنازحين وملفات اخرى، مع طرح أسئلة عن التباطؤ في تحقيقات تفجير مرفأ بيروت. وسمع الوفد من نائب الماني انه “في ظل هذه الاوضاع التي تهدد شعبكم، أين التحقيق وأين الثورة ولماذا توقفت، ولماذا لم تُستكمل ولم يحصل تبديل كبير في انتخاباتكم النيابية الاخيرة؟”.
ويقول الحشيمي لـ”النهار” إن زيارة برلين جاءت استكمالاً لزيارة عواصم اخرى بهدف عدم تفويت اي فرصة تساعد لبنان على الخروج من هذا النفق، “وقدمنا نحن والزميل مخزومي واعضاء الوفد جملة من الافكار والاقتراحات التي تساعد لبنان، لكن في النهاية لا يمكن للعالم كله ان يقف الى جانبنا اذا لم نتلاق ونساعد انفسنا”. ويروي انه جرى التطرق الى الاستحقاق الرئاسي وكيف ان اكثر من كتلة عملت وتعاونت وما زالت من اجل اجراء الانتخابات “وكيف عملت هذه المجموعة في البداية على تبني ترشيح النائب ميشال معوض ثم الوزير جهاد أزعور”. ويعتبر الصادق “ان نتائج الزيارة جيدة، لكن من دون تطبيقنا الاصلاحات المطلوبة لن تساعدنا المانيا ولا المجتمع الدولي”.
من جهة اخرى، أخذ ملف النازحين السوريين مساحة لا بأس بها مع المسؤولين الالمان الذين لم يبدوا انهم في طور وضع خطة حقيقية مع الدوال الغربية الاخرى لاعادة هؤلاء الى بلدهم حيث لا يزالون يصرون على العودة الآمنة غير المتوافرة حتى الان في رأي هذه المجتمعات نتيجة اعتراضها على اداء الرئيس السوري بشار الاسد. وأبدوا عدم ارتياحهم لاسلوب الاسد وان نتيجة استعادة مقعد بلاده في الجامعة العربية “كانت صفراً حتى الان”. وشرح الوفد اللبناني مضاعفات هذا الكمّ من موجات النزوح السوري وانعكاسه السلبي على اللبنانيين. وينقل عن برلين انه نتيجة ما يسمعونه اخذوا يتفهمون اكثر ضغوط هذا الملف وارتداداته على لبنان. ولم يخفوا تركيزهم على الجانب الانساني في كيفية التعاطي مع النازحين. وكان هناك اجماع عند اعضاء الوفد على ضرورة مساهمة المانيا والمجتمع الدولي في العمل على عودتهم الى بلدهم. وسمع الالمان من النواب “ان من سوء حظ التلميذ اللبناني انه لم يعد يقدر على التوجه الى المدرسة الرسمية على عكس نظيره السوري الذي يتلقى التعليم والطبابة مجاناً، الامر الذي قد يخلّف جملة من المشكلات في اكثر النواحي الاجتماعية المشتركة بين صاحب الارض والنازح”. وجرى التطرق باسهاب الى تدهور القطاعات الصحية والتربوية في لبنان وفي مقدمها الجامعة اللبنانية. ولم يخف الالمان حذرهم ولو بطريقة غير مباشرة من تدفق النازحين عن طريق البحر من لبنان الى اوروبا.
في الختام لم يقل الالمان انهم لن يساعدوا لبنان رغم عدم ثقتهم بـ”المنظومة” على لسان احد نوابهم الذي ردد في الوقت نفسه أنه سيحضر لاسبوع مع ابنته الى بيروت للتطوع في مركز يعتني بذوي الحاجات الخاصة. هذا هو لسان حال اكثر المسؤولين والنواب في برلين الذين يسألون اللبنانيين: “ماذا فعلتم بلؤلؤة الشرق؟”.