كتبت النهار
بعيداً من الأكاذيب الدعائية والمزاعم التي يراد لها أن “تبيّض” الصفحات الأشد قتامةً في كارثة إفقار اللبنانيين منذ بدء “التاريخ الرسمي” للانهيار في 17 تشرين الأول 2019، ونعني بذلك “السرقة” الأضخم في التاريخ للودائع المصرفية للبنانيين بمسمّيات مختلفة، بدأت منذ أيام فصول مخادعة جديدة ومكملة للمأساة قد تفضي الى تتويج دراماتيكي للمقتلة المالية والمصرفية وتالياً الاقتصادية التي سحقت لبنان. لم يكن مصادفة أبداً أن يشكل شهر تموز الحالي موعد “تقاطع” بين تبدلات في التعاميم التي أصدرها مصرف لبنان لجهة آلية سحب الودائع الجارية منذ سنتين واندفاع نواب الحاكم الأربعة في أفظع ما يمكن أن يقدم عليه مسؤولون في موقع بهذه المسؤولية الأشد خطورة وكأننا أمام نهاية النهايات الصادمة للكارثة الانهيارية المتدحرجة.
راح بعض أو كثير من الإعلام “يطنطن” لتعديل آلية سحب الودائع بوتيرة 400 دولار شهرياً ووقف إلزام المودع بسحب ما يوازيها بالليرة اللبنانية “الشهيدة” كأنه منة أو هدية من السلطة النقدية المصرفية للبنانيين تحت عنوان مخادع هو وقف الهيركات، وكل ذلك بعد خراب البصرة والإجهاز على الأكثرية الساحقة من حسابات المودعين لمصلحة المصارف حصراً. ثم إن النواب الأربعة للحاكم، الذين كاد اللبنانيون لا يتذكرون وجودهم طوال السنوات العجاف الآسرة التي أجهزت على مئات ألوف الحسابات المصرفية تحت وطأة السياسات القاهرة الجديدة المبتكرة التي اتبعت لمصلحة “مافيا” المصارف وشراكاتها مع مصرف لبنان والمنظومة السياسية الأشد مافيوية، بكل معايير الإجرام بحق اللبنانيين، هؤلاء النشامى انبروا في الوقت الأشد خطورة لاتباع سياسات بيلاطس البنطي وغسل أيديهم من دماء المودعين واللبنانيين وسائر المتضررين المفتقرين في لبنان وسائر أنحاء الانتشار والاغتراب من جراء السياسات المالية والكارثة المصرفية.
بإزاء هذا المشهد الطالع على ما بقي من تموز المتوهج والواعد بغموض مخيف أين منه غموض أزمة الفراغ الرئاسي التي ستغدو منسيّة وأكثر تهميشاً واستتباعاً لمشيئة القوى التعطيلية، ترانا لا نغالي إطلاقاً إن خشينا أن يكون زمن الاستحقاق “الفتنوي” اقترب من الجانب والشارع الاجتماعي وليس من أيّ جانب أو شارع آخر، إذ إن العبث والتلاعب الجاري ببقايا البقايا من قدرات اللبنانيين على مواجهة أشد المؤامرت دناءة على ودائعهم في المصارف أو ما يمتلكون أو ما بقي لهم في المنازل، بموازاة إلهائهم بأزمة فراغ في رأس حاكمية مصرف لبنان أين منها أزمة انفجار الانهيار في أولها، كل هذا يكشف توحشاً متعمداً لدى الممسكين جميعاً بالأزمة المتدحرجة، وليس قصوراً أو عجزاً، لم يشهده بلد في العالم لأن مجموع هؤلاء ما عادوا يخشون أي محاسبة أو مساءلة أو محاكمة من شأنها ردع هذا الفصل الأشد خطورة من أن يكمل نحو ما يراد له أن يكمله. هذا الجاري في تموز المصرف المركزي وحاكميته وسلوكيات نواب الحاكم، كما الجاري في مسخرة الملهاة بذرّ الرماد في عيون المودعين وعلى حسابهم لمصلحة المصارف التي تسحق بقايا حقوق الناس، كما الجاري في تواطؤ وسكوت القوى السياسية عن مزيد من إفقار الناس، كل هذا ليس سوى نذير موت “مضاف” لكل رهان باقٍ على تغيير جارف يأتي من اللبنانيين بأي طريقة كانت، ليس لأن التغيير السلمي سقط مع سقوط “الثورة” فقط بل لأن الإفراط مع التكيّف والاستسلام أسقط كل الخوف لدى منظومة التوحش. هنيئاً لنا بالآتي الأعظم…