كتبت النهار
في أي موعد يعود الموفد الفرنسي “فوق العادة” جان – إيف لودريان الى بيروت سيجد في استقباله تراكم الشكوك الاستباقية في جدوى مهمته على نحو لم يعرفه سابقا أي موفد “اجنبي” غرقت بلاده في جمر الازمات المتناسلة في لبنان. ولا نبتكر جديدا، ولا نزعم اختراع معطيات أو مضامين غير معروفة، كما لا نمسّ بهيبة فرنسا التي كانت ولا تزال الدولة الأقرب والأكثر “حميمية” الى علاقات اللبنانيين بكل طوائفهم معها، اذا قلنا ان الشعوب تنظر كالدول أيضا الى تطور أوضاع “الوسطاء” تبعاً لأوضاعهم الداخلية والخارجية. فرنسا التي تتبدل صورتها على نحو دراماتيكي لم تعترف مرة بعد بانها ارتكبت خطأ الانحياز الى فريق داخلي – إقليمي في الازمة الرئاسية والسياسية اللبنانية، ومع ذلك لا يزال الهامش متاحا امام موفدها لتصحيح الخلل، فهل تراها فاعلة؟
لأن الواقع المأزوم في لبنان سيتدحرج في الأسابيع الطالعة نحو متاهات شديدة الخطورة لن يكون منطقيا ان يترقب الفريق “الممانع” بقيادة الثنائي الشيعي من الموفد الفرنسي طرحاً حوارياً يلائمه من دون ثمن استباقي يقدمه هذا الفريق، لسبب بديهي هو انه من غير المنطقي توقع عودة لودريان اذا ظلت باريس متعنتة في موقفها السابق الذي تهاوى تماما وسقط. تبعاً لذلك فان الجوهر الجدي الحقيقي في عودة لودريان وما يمكن ان ينسج من أهمية مجددا على أساس “وساطته” لن يكون اطلاقا في معزوفة الحوار بل في ابلاغ الجميع رسميا وعلنا ان فرنسا اسقطت انحيازها الى فريق وهي باتت جاهزة الآن لدور الوسيط المتجرد وجسر تدوير الزوايا بين جميع الافرقاء اللبنانيين بلا زيادة أو نقصان. واذا صحّت مؤشرات إعادة القراءة وإعادة النظر وإعادة التصويب في الخلل الفرنسي السابق فان ذلك سيرتب على الفريق “الممانع” التسليم، قسراً أو طوعاً، بحقيقة موجعة له هي ان كتل المعارضة المسيحية والمستقلة زائد “التيار الوطني الحر” حققت الاختراق الثاني الكبير بعد “تقاطعها” على ترشيح جهاد أزعور في مواجهة سليمان فرنجية ونيل الأول أكثرية راجحة وموصوفة في آخر الدورات الانتخابية مهما تفنّن الممانعون في طمر رؤوسهم في رمال الانكار.
اما الأهم في الآتي من الحقائق والوقائع فسيتمثل في ان إعادة نظر باريس في مسار دورها لن يكون لمعظم قوى المعارضة سوى وسيلة اثبات لصحة تحفّظها ورفضها للحوار اذا طرحه الموفد الفرنسي بالطريقة التي يتوخاها الفريق الممانع. فمن غير المستبعد ابدا ان يقرن الموفد الفرنسي تأكيدات تخلّي بلاده عن المقاربة السابقة التي دعمت ترشيح سليمان فرنجية بطرح ترتيب طاولة حوارية سواء في قصر الصنوبر على النحو الذي يستنسخ طاولة الرئيس ايمانويل ماكرون لدى زيارتيه لبيروت، أو في مجلس النواب على النحو الذي يضغط الرئيس نبيه بري في اتجاهه، مع انه بات يعترف بشفافية بانه سيتمثل فيه كرئيس لحركة “امل” لكونه فقد الدور المتجرد المحايد. ولأن الفريق الممانع هو خير من يفهم بلغة ميزان القوى سيكون عليه من الساعة التحسّب لتشدد معظم المعارضين في رفض أي حوار يهدف منه الممانعون الى ان يعيدوا من النافذة ما تعذّر عليهم تمريره من الباب.
ولعل ما ينبغي ان يُسأل عنه “الممانعون” في هذه العجالة هو أي مواصفات للحوار حين يراد له ان يسقط جوهر النظام فيما هم يسعون الى فرض مشيئتهم بقوة التعطيل والانهيار عبر حوار هو أشبه بمصافحة “المشالحة” في العزاء؟!