كتبت النهار
لا تجد عند المسؤولين والقياديين المعنيين، سواء في التيار الوطني الحر أو عند “حزب الله”، جواباً عما إن كان إعلان رئيس التيار جبران باسيل استئناف الحوار الذي كان معطلاً منذ فترة، سعياً الى إحياء تفاهم مار مخايل المبرم بينهما، أم خطوةً أولى نحو تفاهم جديد على قواعد مختلفة خصوصاً حيال ما يتعلق بالملف الرئاسي المطروح منذ فترة بإلحاح شديد والذي كان كما هو معلوم أساس الخلاف بينهما طوال الأشهر التسعة الماضية، أم خطوةً أملتها ضرورات المرحلة.
ثمة أفكار تساور بعض الراصدين لمسار العلاقة بين هذين الإطارين السياسيين تقيم على اعتقاد فحواه أن الأهم بالنسبة للطرفين معاً في هذه المرحلة من الضبابية السياسية في لبنان، هو مجرد الكشف عن نيّتهما بإعادة وصل ما انقطع بينهما، وبعدها ثمة أمر آخر لا يبدو أن الطرفين مستعجلان للإفصاح عن أسس التفاهم المعلن عنه أخيراً ومدى صلاحيته للمرحلة المقبلة وإمكان صموده في وجه الآتي من الضغوط.
حسب معطيات توفرت فإن الحزب كان كثير الحفاوة بأن يكون باسيل شخصياً هو المبادر الى الإعلان بلسانه عن انتهاء عهد القطيعة بين الطرفين، إذ في التقدير الداخلي للحزب أن باسيل كان البادئ بإشهار التباينات الناشئة بين الفريقين حيال الاستحقاق الرئاسي واعتبار أنها محطة القطيعة، واستطراداً فإن باسيل هو من ضرب عرض الحائط بطلب شخصي من الأمين العام اللحزب السيد حسن نصرالله تمنّى فيه عليه ترك فرصة لجولات أخرى من الحوار حول الموضوع، مسارعاً الى تظهير الأمر وكأنه رفض لمشيئة تريد فرض أمر واقع عليه وهو لا يريده… وبناءً على ذلك بدا باسيل وهو المبادر الى إعلان طيّ صفحة وفتح أخرى بين الطرفين.
ومن البديهي أن في أوساط على صلة بالطرفين حديثاً عن أن إعلان باسيل لم يأت من فراغ بل سبقته مقدّمات تجلت في زيارة قيل إن المسؤول عن وحدة الارتباط والتنسيق في الحزب وفيق صفا قام بها لباسيل قبل أيام قليلة انتهت الى أمر أساسي وهو إعادة فتح قنوات الاتصال بين حارة حريك وميرنا الشالوحي من دون التزام الطرفين بأية شروط مسبقة.
وإن كان هذا الكلام دقيقاً فإن الراصدين لمسار العلاقة بين الطرفين يستنتجون الآتي:
– أن الحزب لم يتخلّ عن ترشيح فرنجية للرئاسة الأولى، في مقابل أن التيار ظلّ محتفظاً بمنسوب اعتراضه على هذا الترشيح وتعمّد باسيل نفسه الإشارة إليه بصراحة وجلاء تامّين. وهذا يعني أن المسألة الخلافية التي أشعلت فتيل السجال بينهما ما انفكت قائمة بعناد.
– أن المشهد المستجد يعني أيضاً من جملة ما يعنيه أن الطرفين اتفقا على العودة الى “ربط النزاع” أي العمل بما هو متفق عليه وليعذر كل طرف الطرف الآخر في ما هو مختلف حوله.
وثمة بطبيعة الحال دوافع أملت على الطرفين أن يتلاقيا عند هذا المربّع وأبرزها:
– أن الحزب سارع الى تهدئة خواطر العونيين وسلّفهم أمراً يحبونه عندما عارض بشدّة مبدأ “تعيين الضرورة” في حاكمية مصرف لبنان، ما بدّد توجّهاً لدى الرئيسين نبيه بري ونجيب ميقاتي.
– أن الحزب وجد نفسه في الآونة الأخيرة مضطراً الى ترطيب الأجواء مع المسيحيين انطلاقاً من نصائح أتته ومن أجواء ومناخات تشجيعية فاتيكانية على وجه الخصوص وردته في غير مناسبة وجوهرها أننا راغبون في الحيلولة دون احتدام الخلاف بين المسيحيين والشيعة عموماً وبين المسيحيين و”حزب الله” خصوصاً على نحو يضع حدّاً لما صوّره البعض أخيراً بأنه بداية صراع مسيحي شيعي.
وبناءً على كل ذلك كان الحزب مضطراً الى تجاوز مفاعيل هجمات مباشرة اتّصفت بالشراسة والضراوة أتته متواترة من جانب التيار البرتقالي خلال الأشهر التي تلت الشغور الرئاسي. وقد طاولت سهام بعض تلك الهجمات سيد الحزب نفسه خصوصاً عندما اتهمه باسيل مباشرة بعدم الوفاء والصدق ونسيان الجميل وهو ما عدّه الحزب تجرّؤاً غير مسبوق.
وأكثر من ذلك، بدا الحزب مضطراً الى الرد على التحيّة المسيحية بمثلها فسارع الى إيفاد مندوبيه الى لقاءات مع السفارة البابوية والى الاجتماع مع ناقلين لرسائل من الفاتيكان الى الحزب مباشرة، وسارع أيضاً الى إجراء لقاء وربما أكثر مع ممثلين عن بكركي فضلاً عن لقاءات مع مرجعيات روحية مسيحية مناطقية.
وفي الوقت عينه كان الحزب على دراية تامة بأن من أقصر الطرق لملاقاة الانفتاح المسيحي عليه هي العمل لإعادة الاعتبار بأي شكل من الأشكال مع التيار الوطني الحر كمدخل بقطع النظر عن درجة الرهان على النتائج المتوخاة خصوصاً على مستوى السباق الرئاسي، علماً بأن ثمة دوائر معنية في قيادة الحزب تظل تقيم على أمل أن تجبر قيادة التيار أو جزءاً منه على إعادة النظر في كل خياراته وحساباته الرئاسية.
ولكن في أي إطار يضع التيار كلام رئيسه الأخير عن استئناف الحوار مع الحزب؟
يجيب القيادي في التيار وعضو “تكتل لبنان القوي” غسان عطا الله رداً على سؤال لـ”النهار” بالقول: “إن كلام باسيل لا يعني إطلاقاً أن ثمة تفاهماً جديداً ينهض على أسس مختلفة بيننا وبين الحزب ولا ندرج هذا الكلام في خانة حدث يقود الى تغيير في المعادلات. إن ما حصل أن ثمة لقاءات جرت وحوارات دارت تنطلق من مبدأ محاولة الوصول الى أفكار ورؤى جديدة من شأنها أن تسهم في فتح الآفاق الموصدة حالياً”. ثم قال “الكل يعرف أن منشأ الخلاف الأساسي بيننا وبين الحزب هو على اسم الرئيس المقبل ونحن لا نرى أن ثمة شيئاً تغيّر على هذا المستوى”.
وخلص “إجمالاً، وبعد جلسة الانتخاب الأخيرة وبعد النتائج التي تمخضت عنها صار الكل أمام ضرورة إعادة النظر والتعاطي مع الأوضاع بمقاربات مختلفة بحثاً عن المخارج والحلول. هذا هو البعد الذي نراه لهذا التطور الجديد الذي طرأ بعد كلام باسيل”.