محمد وهبة – الأخبار
بحسب مشروع موازنة 2023، ستبلغ قيمة النفقات نحو 181,923 مليار ليرة وإيراداتها 147,739 مليار ليرة. وسيبلغ عجزها 34,184 مليار ليرة، أي ما يوازي 2.6% من الناتج المحلي الإجمالي المقدّر من صندوق النقد الدولي بـ 16.2 مليار دولار. لا يخلو بند في جانب الإيرادات من الزيادات الهائلة، حتى إنه ورد في المادة 43 مضاعفة الرسوم «على اختلاف أنواعها» 30 مرّة. ويبدو أن المقيمين في لبنان، سيترحّمون على أيام فؤاد السنيورة، لأن هذه الموازنة تصيب كل الأنشطة الحياتية، وصولاً إلى فرض رسم على كل ليتر من المشروبات الغازية بـ5000 ليرة، وعن كل قدح من العرق، فضلاً عن زيادة كل أنواع الضرائب المترتّبة على «الرخص»، وعلى المبالغ التي تُقتطع من ورثة المُتوفى لدى المصرف (3%)… أما أسوأ ما في هذه الموازنة، فهو ما ورد في ختامها، أي المادة 80 وبموجبها ترفض الدولة الاعتراف بأن ما منحته من زيادات على الأجور لموظفيها هو «غلاء معيشة»، أي أن هذه الزيادات لن تحتسب في أساس الراتب ولا تدخل في حساب التعويض والمعاش التقاعدي. السلطة بكل وقاحة تقترح أن تسرق عمّالها بموازنة توقيتها غير دستوري وتجمع الأسوأ بين ما ترغب فيه قوى السلطة، ومعايير صندوق النقد الدولي، والجريمة الكبرى أنها تعترف بالدين الذي رتّبه حاكم مصرف لبنان رياض سلامة على الخزينة بقيمة 16 مليار دولار، لا بل ستدفع له فوائد.
يأتي مشروع موازنة 2023، بعد تسعة أشهر على مضي الموعد الدستوري.، إذ حدّدت المادة 83 من الدستور «بدء عقد تشرين» موعداً نهائياً لتقوم فيه الحكومة بتقديم الموازنة إلى مجلس النواب. وبحسب المادة 32 من الدستور، فإن هذا العقد يبدأ في الثلاثاء الذي يلي يوم 15 شهر تشرين الأول وتُخصّص جلساته بالبحث في الموازنة والتصويت عليها قبل كل عمل آخر، وتدوم مدته إلى آخر السنة. لكنّ الحكومات المتعاقبة اعتادت أن تخالف الدستور، ولا سيما لجهة إعداد ومناقشة وإقرار الموازنات العامة، إنما هذه المرّة تكتسب المخالفات أبعاداً أكثر انسجاماً مع عجز السلطة عن مقاربة الأزمة ومفاعيلها. ففي هذه الموازنة «محاولة لتوحيد سعر الصرف على سعر صيرفة بالحدّ الأدنى» كما يقول وزير المال يوسف الخليل في جلساته المغلقة. إلا أنه يتغافل عن الفشل المسبق المحتم على هذه المحاولة طالما أن الحاكم رياض سلامة يدير تعدّدية في سعر الصرف، وأن «صيرفة» كما رأتها بعثة صندوق النقد الدولي ليست «منصّة مفتوحة للتداول» بل «باباً للتسجيل»، وفق مصادر مطّلعة. وتشير إلى أن الهجوم الذي شنّه سلامة على البنك الدولي في آخر مقابلة متلفزة له، سببه أن نشرة المرصد الأخيرة التي أصدرها الصندوق تضمّنت حساباً لخسائر مصرف لبنان من العمليات على «صيرفة» بقيمة 2.5 مليار دولار.
لكنّ مشكلة الموازنة التي يقدّمها الخليل نيابة عن رئيسه المباشر نجيب ميقاتي، ورئيسه السابق رياض سلامة، لا تكمن في محاولة يمكن اعتبارها «نبيلة» لتوحيد سعر الصرف، إنما في غياب أي رؤية اقتصادية. فالخليل، بحسب المطّلعين، تلقّى الكثير من الضغوط التي بلورت لديه موقفاً ضمنياً من موقعه في وزارة المالية لم يدفعه نحو الاستقالة بعد، رغم أنه يقول أمام زواره إن «الأمور صعبة في لبنان إلى درجة كبيرة، إذ هناك حدود لكل الملفات لا يمكن تخطّيها». أيضاً يُنقل عن الخليل قوله إن: «قوى السلطة أبدت رغبة واضحة في رفض التعامل مع صندوق النقد الدولي في الفترة الماضية» لكنه يتساءل حول وجود «مؤشرات مغايرة في الشهر الأخير قد تدفعها إلى الانخراط في العلاقة التي كانت ترفضها مع الصندوق».
المهم، أن مشروع موازنة 2023، هو مشروع تعديل الضرائب والرسوم، وتمهيد الطريق نحو ما يسمّيه صندوق النقد الدولي «إصلاح القطاع العام»، أو «إعادة هيكلته». كل ما يمكن أن يخطر على البال من ضرائب ورسوم وغرامات يُدفع قبل الاستهلاك أو أثناءه أو بعده، جرت زيادته بشكل كبير. رسوم إضافية على الكحول المنتجة محلياً وعلى استهلاك القدح، ورسوم على رخص صيد السلاح، ورسوم على الترشّح للانتخابات النيابية والبلدية، والتأخير في تنفيذ وثيقة الوفاة، وكل أنواع الرخص التي تصدرها الدولة والبلديات ومنها رخص استثمار الأملاك العمومية ورخص استخراج المياه لغايات صناعية، ورخص المقالع والكسارات، ورخص البناء، ورخص صيادي الأسماك، ورخص الباعة المتجوّلين، ورخص الحمّالين «العتالين»، وكل شهادات البراءة والاختراع وما يتعلق بالملكية الفكرية، ورسوم السفر، وحتى الرسوم على مولّد الكهرباء ورسوم «النافعة»…
اللائحة طويلة جداً، وفيها إعفاءات تستهدف فئة المصارف تحديداً، ولا سيما من ضريبة التحسين العقارية. فقد أعفيت المصارف من تسديد ضريبة التحسين على إعادة تخمين موجوداتها العقارية في حال «استُخدمت لتغطية خسائر… أو أبقيت في حساب مستقلّ في الميزانية». عملياً المصارف ستستخدمها لغاية إطفاء الخسائر، وهذا هو الهدف من تلزيم شركة متخصّصة لتخمين قيمة موجودات المصارف العقارية بمبلغ 11 مليون دولار. التخمين سيكون على حساب المال العام، وأصحاب المصارف مُعْفَوْنَ!
أعفيت المصارف من ضريبة التحسين على إعادة تخمين موجوداتها العقارية إذا استُخدمت لتغطية الخسائر
لم يتضمن هذا المشروع أي زيادات على رواتب العاملين في القطاع العام ومخصّصاتهم، إنما فاجأهم الخليل وميقاتي وسلامة في المادة 80 بعنوان: «عدم احتساب أي زيادة على الرواتب ضمن أساس الراتب»، وتلتها المادة 81 بعنوان: «اعتماد زيادة غلاء المعيشة بصورة مقطوعة».
المفاجأة الثانية التي فجّرتها هذه الموازنة أنها ستدفع فوائد لمصرف لبنان والمصارف بقيمة 12880 مليار ليرة، أي ما يوازي 140 مليون دولار (بسعر السوق). لكن باستثناء ذلك، تتعامل الموازنة مع باقي الدين المترتّب على الحكومة كأنه لم يكن. هذا الدين يوازي 282% من الناتج المحلي في عام 2022 وفق حسابات صندوق النقد الدولي.
رغم ذلك، يرى الوزير الخليل أن زيادة الإيرادات الجمركية وفّرت للخزينة القدرة على تسديد كل الرواتب والأجور على مدى الأشهر الأربعة الماضية «إلى درجة أننا أوقفنا الاستدانة من مصرف لبنان». وتشير أوساطه إلى أن الخزينة سجّلت فائضاً أولياً هذه الفترة، وهذا المسار سيُستكمل في الفترة المقبلة. لكن ما يغفله الخليل، أن كل ما يُدفع من مصرف لبنان على منصّة «صيرفة» لدعم رواتب القطاع العام، يُسجّل حالياً على الخزينة في صندوق فروقات القطع الذي استحدثه «المركزي» أخيراً. هذا الدعم الخَفي للرواتب، يضاف إليه مجموع عمليات دعم الليرة، كلّ ذلك كلّف الخزينة 7 مليارات دولار حتى الآن.
12018 مليار ليرة
هي قيمة الرسوم الجمركية كما حُددت في مشروع موازنة 2023 مقارنة مع 1594 مليار ليرة محصّلة في السنة السابقة
6197 مليار ليرة
هي قيمة حاصلات الضريبة على الرواتب والأجور مقارنة مع 1128 مليار ليرة في الموازنة السابقة، أي إنها زادت خمسة أضعاف، علماً أن الزيادات على رواتب القطاع العام كانت 4 أضعاف، فيما لم يزد الراتب الوسطي في القطاع الخاص أكثر من سبعة أضعاف
5958 مليار ليرة
هي قيمة الضريبة المتوقّع تحصيلها من الأرباح التجارية والتي كانت تبلغ في الموازنة السابقة 4265 مليار ليرة. كانت حاصلات ضريبة الأرباح تفوق تلك المحصّلة من الرواتب، لكن في هذه الموازنة، انعكست الآية لتعود ضريبة الأرباح التجارية أدنى من حاصلات ضريبة الرواتب
58133 مليار ليرة
هي قيمة الرسوم الداخلية المقدّرة على استهلاك السلع. الرسوم الداخلية تشمل المشروبات الروحية والمواد الملتهبة والإسمنت والمازوت والكسارات والسبيرتو والملاهي وورق اللعب وسواها. وقد ازداد هذا البند سبعة أضعاف، إذ كان 8198 مليار ليرة في موازنة 2022