صحيفة الأخبار
منذ «نفي» الرئيس سعد الحريري وإخراجه من الحياة السياسية، فُتحت معارك بالجملة لوراثته في كل المواقع السنية، السياسية والمالية والاقتصادية، ومن بينها وزارة الداخلية التي كانت معقلاً حريرياً منذ عام 2005، مع الأجهزة الأمنية التابعة لها. ومع وجود رئيس للحكومة يطمح إلى استقطاب «رجال» الحريري، ووزير داخلية يطمح إلى رئاسة الحكومة، ويعمل في سبيل ذلك على زرع «مفاتيح» له في الوزارة وغيرها، يبدو طبيعياً أن تُفتح معارك لتطويع الرموز الحريرية، وأبرزها اليوم اثنان: المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان، ورئيس شعبة المعلومات العميد خالد حمود اللذان يفتقدان اليوم مرجعيتهما السياسية، ولا يستبعد أنهما يدفعان بقرار سعودي ربما ثمن عملهما، بين من عملوا على استعادة الحريري من خاطفيه في الرياض عام 2017. على هذه الخلفية، يمكن فهم الكباش الحالي بين بسام مولوي وعماد عثمان
قبل أسابيع، زار قائد الجيش العماد جوزيف عون عين التينة لمتابعة ملف تعيين أعضاء المجلس العسكري مع الرئيس نبيه بري. شجّع ذلك وزير الداخلية بسام المولوي ليطلب من اللواء عماد عثمان إعداد لوائح بأسماء الضباط المرشّحين لقيادة الوحدات، على أن يُصار إلى تثبيت الوكيل ليُصبح أصيلاً في مركزه في حال كان من الطائفة التي تُمنح عادة رئاسة هذه الوحدة (وحدات قوى الأمن موزّعة طائفياً: شرطة بيروت والمعهد للسنة، أمن السفارات والإدارة المركزية للشيعة، الشرطة القضائية للدروز، قيادة الدرك والقوى السيّارة للموارنة، رئاسة الأركان والخدمات الاجتماعية للروم الارثوذوكس، والمفتشية العامة للكاثوليك).
العقدة برزت في رئاسة الأركان، التي يتولاها بالوكالة، رئيس شعبة المعلومات العميد خالد حمود، منذ أكثر من عام. فبعد إحالة قائدها السابق على التقاعد، بات حمود الأعلى رتبة في «الأركان»، كون شعبة المعلومات تتبع إدارياً لرئيس الأركان.
رواية وزير الداخلية تفيد بأنه طلب من عثمان إعداد لائحة بأسماء الضباط الذين يحقّ لهم تولي رئاسة الأركان للاختيار بينهم. غير أنّ المدير العام بدل إرسال لائحة الأسماء، أرسل مشاريع مراسيم، من ضمنها مشروع مرسوم تعيين مدير مكتبه العميد جهاد أبو مراد في منصب رئيس الأركان (روم)، ما اعتبره وزير الداخلية محاولة من المدير العام لوضعه تحت الأمر الواقع. علماً أن الأخير يؤكد أنه حصل على موافقة مولوي، بوجود الرئيس نجيب ميقاتي، على تعيين أبو مراد في رئاسة الأركان والعميد بلال حجار في قيادة المعهد. وبما أن أبو مراد أدنى رتبة من العميد حمود، ولتفادي إحراج رئيس شعبة المعلومات بأن يصبح رئيسه أدنى منه رتبة، قرّر عثمان وضع شعبة المعلومات بتصرفه لتجاوز موضوع التراتبية.
رداً على خطوة عثمان، أرسل الوزير بطلب العميد ربيع مجاعص (يتردّد أن نائب رئيس مجلس الوزراء يقف خلف تزكيته) إلى مكتبه ليقترح عليه تولي رئاسة الأركان، ما أثار غضب المدير الذي وجّه تأنيباً إلى مجاعص بسبب زيارته الوزير من دون إخطار المدير العام. وتقول مصادر عثمان إنه فوجئ بـ«انقلاب» مولوي على اتفاقهما بسبب تدخلات سياسية. لذلك، أصدر عشية العطلة الطويلة لعيد الأضحى أمراً فصل فيه ضابطين أعلى رتبة من العميد أبو مراد من الأركان، هما علي سكيني وإيلي عبود إلى خارجها، ووضع شعبة المعلومات في تصرّفه بصورة استثنائية إفساحاً في المجال لتولي أبو مراد رئاسة الأركان، ما أثار غضب مولوي الذي اعتبر أنّ مذكّرة وضع شعبة المعلومات في تصرّف المدير العام غير قانونية، طالباً منه إلغاءها. وفي روايته، يؤكد مولوي أن اللقاء مع عثمان في منزل رئيس الحكومة بحث فقط في تسمية مدير لمعهد قوى الأمن الداخلي ولم يَجر التطرّق خلاله إلى رئاسة الأركان أو شعبة المعلومات. وعندما أخفقت وساطة المدير العام للأمن العام بالإنابة اللواء الياس البيسري في حل الخلاف، تدخّل ميقاتي لجمع مولوي وعثمان.
في هذه الأثناء، سُرّب في قناة «الحدث» السعودية خبر مفاده أنّ «حزب الله ينقلب على شعبة المعلومات بالتواطؤ مع اللواء عماد عثمان». وأوحى مضمون الخبر بأنّ قرار عثمان فصل 23 ضابطاً وربط شعبة المعلومات به يقف خلفه حزب الله، ما عدّه عثمان محاولة للنيل منه، فردّ ببيان صادر عن قوى الأمن على ما وصفه بـ«المصدر الكاذب والحاقد» غامزاً من قناة المولوي.
سرّبت قناة «الحدث» السعودية أنّ حزب الله ينقلب على شعبة المعلومات بالتواطؤ مع اللواء عثمان
في الاحتفال باليوم الوطني الفرنسي في قصر الصنوبر، في 14 الجاري، والذي دُعي إليه المولوي وعثمان، تفاقم التوتر بعدما تجاهل المدير العام وزير الداخلية، ما أدى إلى احتدام الخلاف. فأرسل المولوي طلباً خطياً إلى عثمان طالباً منه التراجع عن مذكّرة وضع «المعلومات» في تصرفه، إلا أن الأخير لم يمتثل. عندها أصدر الوزير قراراً بإلغائها، فأذعن عثمان بإلغاء المذكّرة نزولاً عند قرار الوزير. إلا أنه عمد، عبر مقالات نُشرت في مواقع إلكترونية صديقة، إلى تصوير الأمر على أنه استهداف لمرجعيته السياسية المعروفة (الرئيس سعد الحريري)، مع تلميحات إلى وقوف رئيس شعبة المعلومات وراء خطوة مولوي، علماً أن وضع الشعبة لا يتأثر بوضعها بتصرف عثمان كون هيئة الأركان بكاملها تابعة للمدير العام.
وتشير مصادر متابعة إلى أن هدف عثمان هو فتح معركة خليفته مبكّراً، علماً أنّ إبقاء رئيس شعبة المعلومات في منصب رئيس الأركان بالوكالة من عدمه لا يؤثر في حظوظه لتولي منصب المدير العام لقوى الأمن الداخلي لسببين، الأول هو أنّ الأركان من حصة الروم، والثاني أنه عند إحالة عثمان إلى التقاعد في أيار 2024 فإن الضابط الأعلى رتبة الذي يليه هو رئيس شعبة المعلومات العميد خالد حمود الذي يصادف بأنه من الطائفة السنية. أما ما يتم تداوله من قبل المقرّبين من عثمان عن وجود تعليمات داخلية تمنع وصول حمود إلى هذا المنصب، فترى مصادر أمنية أنّه «لا يعدو كونه ترهات على اعتبار أن التعليمات لا يمكن أن تلغي القوانين واحترام مبدأ الأقدمية والتراتبية».