ميسم رزق – الأخبار
لم يكن لقاء المجموعة الخماسية في الدوحة، الإثنين الماضي، لـ«مناقشة آليات مساعدة لبنان في تجاوز حالة الشلل السياسي وما يسبّبه من تعقيدات»، وفق البيان الختامي التصعيدي الذي أعلن نهاية المبادرة الفرنسية وسحب التفويض المعطى لباريس للبحث عن حل لأزمة الشغور الرئاسي في لبنان. وفق مصادر مطّلعة، انعقد «اللقاء للتداول في أمر واحد: الانتقال إلى خيار المرشح الثالث قائد الجيش العماد جوزف عون»، وسبل «إقناع» الثنائي الشيعي، وتحديداً حزب الله، بهذا الترشيح، ودرس لائحة من الضغوطات التي يُمكن أن تمارس في المرحلة المقبلة لتحقيق الهدف، وهي لائحة تضمّنت «أفكاراً» كثيرة، من بينها منع السياح من زيارة لبنان لضرب الموسم السياحي!
ولا تزال أطراف سياسية عدة تحاول فك شيفرة الموقف التصعيدي للدول الخمس (الولايات المتحدة وفرنسا والسعودية ومصر وقطر)، ولماذا قرّرت الرياض تحييد لبنان عن سياستها الانفتاحية في المنطقة، وما الذي «زركَ» باريس ودفعها إلى وضع مبادرتها جانباً، ومن أقنعَ القاهرة والدوحة أن في الإمكان تجاوز رأي لاعب أساسي في لبنان هو حزب الله، وهل قررت واشنطن إعادة رسم خريطة المواجهة انطلاقاً من الوقائع التي فرضتها التطورات بعد جلسة 14 حزيران الماضي؟
وينقل مطّلعون على ما دار في لقاء الدوحة أن البحث تطرّق إلى «الضغط المطلوب لدفع حزب الله ليس إلى التراجع عن دعم ترشيح سليمان فرنجية وحسب، بل إلى ما هو أبعد بكثير من رئاسة الجمهورية. ولذلك، ستحفل الأيام المقبلة بضغوطات سياسية واقتصادية ومالية، وحتى أمنية». ولذلك، تؤكد المصادر أن المعركة في المرحلة المقبلة «ستكون مختلفة، وأوضح، بلا وسطاء أو قفازات». ويمكن في هذا الإطار، سرد الخلاصات الآتية:
– حمل البيان الذي صدر عن لقاء الدوحة لهجة البيانات التصعيدية التي تعود إلى ما قبل الاتفاق السعودي – الإيراني، في رسالة واضحة بأن لبنان خارج سياق التسوية وأن موقف السعودية من الملف اللبناني لم يتغير. وبحسب أكثر من مصدر مطّلع فقد كانت الرياض ممثّلة بالمستشار في الأمانة العامة لمجلس الوزراء نزار بن سليمان العلولا الأكثر تشدداً وحدّة، رداً على مطالعة المبعوث الفرنسي جان إيف لودريان، إذ كانت أول من رفض فكرة الحوار، وأول من تحدّث عن عقوبات، وأيّدتها في ذلك الولايات المتحدة. أما الفرنسيون الذين بدوا بلا حول ولا قوة، فتركّزت أسئلتهم عن البديل من مبادرتهم، وكيف يُمكن إقناع الثنائي حزب الله وحركة أمل به؟
– الدعوة إلى التعجيل في إجراء انتخابات رئاسية تعني الذهاب إلى عقد جلسات انتخاب مفتوحة وإغلاق باب النقاش حول الحوار الذي طرحته باريس.
من بين ما طُرح في لقاء الدوحة حظر السفر إلى لبنان لضرب الموسم السياحي
– انتهت مرحلة إلهاء القوى السياسية بالمبادرات الفرنسية ورحلات مبعوثيها ذهاباً وإياباً. وثمة ما هو أكبر من فرنسا الآن، ومن قدرتها وحدودها وهامشها. وحصر البيان مواصفات الرئيس المقبل بأن «يجسد النزاهة ويوحّد الأمة ويضع مصالح البلاد في المقام الأول» يعني عملياً الرد على المواصفات التي يضعها الطرف الآخر وتأكيد دفن المبادرة الفرنسية إيذاناً بمرحلة جديدة.
وتقول المصادر إن ما لم يتطرق إليه البيان يُمكن تلخيصه بالآتي:
– الاتفاق على الفشل في إيصال أيّ من المرشحين، سليمان فرنجية وجهاد أزعور، إلى الرئاسة.
– تدشين مرحلة جديدة لتسويق المرشح الثالث، قائد الجيش، الذي تدعمه واشنطن والدوحة، ولا تعارض الرياض ترشيحه وتعتبره باريس والقاهرة خياراً جيداً.
– تعبيد كل الطرقات المؤدية إلى بعبدا أمام جوزف عون، سياسياً ودستورياً عبر مجلس النواب، وممارسة كل الضغوطات الممكنة لدفع القوى السياسية إلى تبني ترشيحه بغالبية مطلقة على غرار ما حصل مع الرئيس السابق ميشال سليمان عام 2008.
– لأن لكل ورشة أدواتها، فقد حان دور قطر بدلاً من فرنسا. ومن المعروف أن الدوحة كانت أول من سوَّق لقائد الجيش وحاولت إقناع رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل به. وبالتالي، يُتوقع أن يبدأ القطريون جولة جديدة على القوى السياسية استكمالاً لحراكهم السابق الذي اتّخذ شكل «المساعدة في تقريب وجهات النظر»، ولكن هذه المرة تحت عنوان واضح: تسويق جوزف عون.
وتؤكد المصادر أن الجولة الجديدة انطلقت بالفعل، وأن «تواصلاً بدأ مع مختلف القوى السياسية لإقناعها بخيار جوزف عون»، إضافة إلى «عمليات ترغيب لا تنحصر بالسياسة، إذ رُصدت موازنات كبيرة بحسب حجم الكتل وحيثيّتها وتأثيرها داخل مجلس النواب»، مؤكدة أن «النقاش مع الكتل وصل إلى هذه النقطة».
رغم ذلك، تدعو مصادر إلى عدم استسهال تنفيذ ما رُسم في الدوحة وكأنه «قدر مقدّر»، إذ يدرك كل أطراف اللقاء الخماسي، بالتجربة، أن ثمن أي مغامرة من هذا النوع سيكون كبيراً، لأنها تنطوي على استهداف طرف كبير في البلد وعزله. وإذا كان قرار إشهار ورقة جوزف عون قد أُشهر، فإن ذلك لا يعني أن ورقة فرنجية قد طويت. بل ثمّة مرحلة طويلة وصعبة قد تلامس حدود المواجهة غير المتوقّعة، خصوصاً أن الطرف الآخر (تحديداً حزب الله) سيواجه هذا التصعيد بالتمسك أكثر بمرشحه، فضلاً عن أن هذا الإشهار يعيد خلط كل الأوراق، ويطوي في ما يطويه، صفحة «التقاطع» بين التيار الوطني الحر وما يُسمى «المعارضة» ويعيد التيار إلى الخندق نفسه مع حزب الله، إن لم يكن خلف مرشح الثنائي، فعلى الأقل في مواجهة مرشح «الخماسية».