كتبت النهار
لم يخطر ببالهم قطعاً، النواب الأربعة لحاكم مصرف لبنان، يوم عُيّنوا في مناصبهم ان “مطهراً”، لئلا نكرر الابتذال في تعبير “جهنم”، سيُكتب لهم المرور به في نهاية مَن ينوبون عنه كالذي يتقلّبون فيه في هذه اللحظات. ولم يخطر ببال اللبنانيين عموما الذين صاروا الشعب او الشعوب او المجتمع او المجتمعات الأكثر خبرة ومراسا وتكيّفا واستسلاما لشتى أنواع و”طرازات” الازمات المالية والاقتصادية والاجتماعية، فضلاً عن خبراتهم “العريقة” في الحروب الداخلية والخارجية، ان يصبحوا ونواب الحاكم سواء بسواء أمام لحظة ذعر غير مسبوقة في تاريخ الانهيار المتدحرج في بلدهم منذ أربعة أعوام. هم جميعا الذين فُطروا على ذاك الشعار الأسطوري “لا داعي للذعر” تراهم الآن تحت وطأة العد العكسي المتهالك لأحد أسوأ كوابيس الانهيار المتسارع امام مزيج من مركّبات الازمة المخيفة المنذرة بفراغ كامل او واقع مختل في حاكمية مصرف لبنان.
حتى نواب الحاكم سقطوا ضحايا العبث السياسي القاتل الذي لا يزال يتحكم بأخطر الاستحقاقات اطلاقا والذي تتجاوز خطورته الفراغ الرئاسي، فيما بات يختلط بقوة عاصفة على الناس التمييز بين الحق والباطل في دفع نواب الحاكم الى فوهة البركان وهل كان عليهم اطلاق صدمتهم قبل الآن بكثير، ولماذا تركوا المراجع والقوى السياسية والدينية وسواها تتمادى في تجاذب الانتقال بالمصرف المركزي الى حدود تفجير واقع لا سابق في خطورته.
والحال انه على مشارف الساعات الأخيرة من فتح صندوق باندورا في لحظات النهاية للحاكم رياض سلامة وعدم اتضاح الخيار البديل في “خلافته”، ترانا بلا أي تورية او مكابرة او تخفيف او تضخيم أمام الذعر الشمولي من انفجار ماليّ لا يملك “ابن مرا” في الجمهورية اللبنانية ان يطمئن اللبنانيين الى انه غير حتمي. وهو ما يستوجب في الساعات المقبلة، ساعة بساعة، مواقف دراماتيكية من الطبيعة التي يمكنها وحدها إحداث صدمة قوية توقف المدّ الكارثي المتدحرج لهذا الحدث المنذر بكل الذعر. نعني تحديدا ان التوظيف الخبيث والافراط في التلاعب والتورية والاختباء وراء ظواهر المواقف التي يتقاذفها الرسميون في السلطة السياسية والمالية صارت تستدعي من القوى والمراجع المسيحية تحديدا، ما دامت القضية تطرح في المقام الأول من بابها الطائفي لا القانوني والدستوري كما ينبغي، المسارعة على الأقل الى اقفال أبواب التوظيف والعبث هذه حين تتخذ مواقف القوى المسيحية ذريعة لهما. وهذا يتطلب بكل وضوح إعادة النظر بسرعة فائقة في الموقف المانع لتعيين حاكم جديد لمصرف لبنان كان ولا يزال وسيغدو أكثر فأكثر الحل الطبيعي الحتمي لوقف تداعيات كارثية للفراغ في منصب الحاكمية. ولا يحتاج الامر الى إعادة تشريح الدوافع المنطقية المبررة لرفض او تحفّظ القوى والمراجع المسيحية عن تعيين حاكم جديد، في ظل التعطيل المنهجي المتتابع للمناصب العليا التي يتولاها المسيحيون الموارنة، فهذا أمر محسوم من الزاوية المنطقية والدستورية قبل الطائفية. لكن ما يجري راهناً يستدعي شيئا صادما مختلفا لان معالم الخبث تعتمل تحت الأنفاق المريبة لأزمة الحاكمية لتحميل “المسيحيين” تبعة عدم تعيين حاكم جديد وبذلك يجري “تبييض” مواقف (كما تبييض الأموال والذمم) المتسببين الحقيقيين بالكارثة تماما كما تُرمى على المسيحيين وحدهم تبعة الفراغ الرئاسي من أعتى المتسببين غير المسيحيين بالفراغ القاتل. لم يفت الوقت بعد