كتبت النهار
أسبوع يبدأ بمغادرة رياض سلامة مصرف لبنان طاوياً عقوده الثلاثة حاكماً وينتهي بالذكرى الثالثة لانفجار العصر في مرفأ بيروت، كيف ترى يتفاعل اللبنانيون معه؟
لا نجافي الحقيقة القاسية إن رصدنا لبنانيين، بأكثرية ساحقة، لامبالين برمزيات ودلالات لأي حدث أو محطة يمران بهم منذ عصف الانهيار الشمولي ببلدهم، والذي يخطئ الباحثون بالتوقف فقط عند طبيعته المالية والاقتصادية العاصفة دون الطبيعة الأخلاقية والمبدئية الأعمق. هذا الانهيار سيتخذ هذا الأسبوع أقصى دلالاته المعبرة بطرفين يختصران مآل ما بلغه لبنان منذ ثلاثين عاماً بعد الطائف لجهة نهاية لاعب استثنائي عاصر الطبقات السياسية والاقتصادية والمصرفية والأحداث بكل وجوهها، بإذا بنا أمام شاهد ولاعب وحاكم وفاعل ومحقق إنجازات ومتّهم بالانهيار كما ملاحق بارتكابات مالية وكبش محرقة محتملة و… ما لم يجمعه أحد قبله ومثله. كما لجهة الدلالات الشديدة الوطأة لحدث لا يزال الأشدّ تحريكاً لجرح وطني غائر في عمق أعماق الناس ولم تقو ذاكرة الحرب ولا السلم بكل ما تختزنه من كوارث أن تخفف تردّداته الموجعة خصوصاً بعد “المقتلة القضائية” الأشد فداحة في طمس الجرائم التي حققت طبقة سياسية وسلطوية هي الأخطر في التاريخ على لبنان هدفها منها بشلّ وإنهاء التحقيق في انفجار المرفأ.
والحال أن أسبوع الحدثين هذا لو كان حاصلاً في بلد “طبيعي” بحدود دنيا لرأينا مشهداً لا نراه كل يوم. الأخطر والإشد إثارة للخشية من تداعيات أزمة انتقال الحاكمية من رياض سلامة الى خليفته أو الى الاضطراب أو الى الفراغ هو استسلام الناس للتكيّف مع كل ما سينصبه الساسة والسلطة المسيطرة اليوم على لبنان في غياب كل معايير المحاسبة والمراقبة والردع القانوني والدستوري والأخلاقي. والأخطر والأشد إثارة للخوف من مرور الذكرى الثالثة لانفجار المرفأ بعد أيام سيكون بما تختصره تظاهرة رمزية واحتفالات حزينة إحياءً لذكرى الشهداء فيما البلاد برمّتها تمضي “إجازة” يوم إضافي وسط فقاعة السياحة الزاهية بعشرات ألوف المغتربين المتنقلين في ربوع بلد الأرز.
محطة انتقالية ستكون اليوم بمثابة شهادة حيّة على نهاية كل الانتظام الدستوري والقانوني في لبنان بسبب الاعتياد على فراغ المؤسسات بدءاً برئاسة الجمهورية مهما يكن السيناريو لوراثة وخلافة رياض سلامة ومهما كانت وستكون وجهة الملاحقات القضائية للحاكم الأسطوري. الذين ينتصرون اليوم وأمس وغداً من تناسل الأعراف والقواعد القاتلة المتعاقبة لانتظام المؤسسات الدستورية والعامة هم الذين طوّعوا اللبنانيين لنهج “الرهينة” بعدما نجحوا في فرض فراغ أتى بالعهد السابق وهم سائرون اليوم لفرض عهدهم الآتي ولو بعد سنين من الفراغ.
والمحطة الثانية الجمعة يفترض هذه المرة أن ترفع صورة يتيمة تختصر كل الفجيعة الإنسانية كما الفجيعة الوطنية هي صورة قضاء مدلّى من حبل المشنقة، أعدموه بلا شفقة ورحمة وبلا استئناف! القضاء المعدم هو صورة طبق الأصل وحيّة ناطقة عن اللبنانيين الذين يكاد الاستسلام والتكيّف مع الإعصارات ينسيهم أنهم صنعوا في تاريخهم الحديث فقط ثورتين في أقل من عقدين فقدموا الآن الانتصار الساحق للطبقة والقوى والرموز الذين كان يفترض أن يكون القضاء أنجز حكم القانون والعدالة والمحاسبة والاقتصاص منهم جميعاً فإذا بنا أمام فجيعة الفجائع بمقتلة العدالة كلاً.
وما دام الشيء بالشيء يُذكر، سيمرّ عيد الجيش غداً بين طرفي الأسبوع الاستثنائي هذا، فهل ثمة من سيردع تمدّد الفراغ نحوه قريباً قبل الانتصار الناجز للمتآمرين؟