كتبت النهار
يحفل تاريخ الحروب في العالم بمجازر مروعة فتحت فيها تحقيقات منفصلة ومستقلة ذات طابع دولي لفرط ما اهتز لها المجتمع الدولي ولو ان هذا المجتمع كان عاجزا او متواطئا او لامباليا بمجريات تلك الحروب . ويمكن القول ان اكثر من ربع مليون قتيل سقطوا في الحرب اللبنانية بين عامي 1975 و 1990 ولا يمكن العثور على مجرد تحقيق قضائي محلي او دولي في مجزرتهم المتمادية لمجرد انها كانت حربا وكفى ! كل ذلك وقف بهوله قبل ثلاث سنوات عند انفجار العصر في مرفأ بيروت لترتسم البشاعة الأشد قتامة في “زمن السلم” اللبناني الحديث ليس بطبيعتها التفجيرية وحيثياتها الاجرامية التي تسببت بها مجموعة ضخمة من المتورطين بدرجات متفاوتة من التورط فحسب ، بل الأخطر بمقتلة العدالة المتعمدة والوقحة التي اجهزت على التحقيق اللبناني في الانفجار على نحو محو اثر ربع مليون لبناني في الحرب.
لم تعرف قضية لبنانية في الحرب او السلم تطورا مشابها لمجزرة المرفأ ومقتلة العدالة فيها خصوصا في هذا العصر الذي يستحيل فيه طمس الحقائق وفرض التوظيف السياسي للمجازر . ولم تعرف ازمة لبنانية متصلة بالداخل او بالخارج وايا تكن طبيعتها انكشافا عاما لبنانيا حيال “اغتيال” القضاء والعدالة في ملف مجزرة مرفأ بيروت كما عرفته وتعرفه هذه المجزرة منذ شل التحقيق القضائي العدلي في الانفجار و”اعتقال” المحقق من خلال ابعاده واقعاده عن اكمال مهمته الامر الذي أدى الى تصدير صورة لبنان المنزوع العدالة تماما الى العالم .
بعد ثلاث سنوات على انفجار مرفأ بيروت تبدو الصورة الكالحة للعدالة اللبنانية في حق الضحايا اشد قتامة من اليأس المعتمل منذ عقود في مصير الوف المختفين قسرا خلال الحرب علما ان شهداء المرفأ قيدت في مقتلتهم وقائع وحقائق كادت تبلغ مستويات متقدمة لكشف الحقيقة الاجرامية في مجزرتهم فكان الرد باغتيال التحقيق إياه . ولعلنا لا نغالي ان ربطنا كل معالم الإفلات من العقاب بمجمل الازمات والانهيارات والكوارث التي تضرب لبنان تباعا حتى لو الانهيار بدأ يتدحرج في لبنان قبل اقل من سنة من انفجار مرفأ بيروت .
الأخطر من الانهيار في نظرة اللبنانيين والعالم الخارجي الى بلدهم في الذكرى الثالثة لانفجار المرفأ هو الانطباع او الاقتناع ان لبنان بما صار عليه في واقعه وتركيبته السياسية غدا بلدا غير قابل لان يستولد دولة في الحدود الدنيا من معايير الدولة الطبيعية لا اكثر . هذا الذي جرى في مجريات اخطر واضخم ملف قضائي في تاريخ لبنان شكل حكم اعدام للعدالة ..اقله حتى اشعار آخر لا يملك احد ان يجزم بما اذا كان ممكنا تبديل المسار بعده . وحتى المناداة ورفع المطالبة الصاخبة بتحقيق دولي او لجنة تحقيق دولية وما اليها صارت اشبه بنشيد او شعار يرفع في مواجهة سياسية عقيمة لم تقدم ولم تؤخر شيئا في مسار الاجهاز “المتقدم “على العدالة ليس في ملف المرفأ وحده وحسب بل في كل ما يمت بصلة الى فتح باب الامل امام دولة العدالة في لبنان .
كل 4 آب من كل سنة صار ذكرى للشجن العام على مقتلة إنسانية ومقتلة وطنية ، ولكن الأشد مدعاة للخطورة ان مجمل المصير اللبناني التحق بملف المرفأ وصار عناوين فرعية لكارثة متدحرجة اكلت اخضر الامل ويابسه حين اغتيلت العدالة ولم يتحرك ساكن داخلا وخارجا.