بعد أيامٍ عديدةٍ من الإشتباكات الضارية والتي قد تتجدّد في أي لحظة، توقفت فوهات البنادق داخل مُخيّم عين الحلوة يوم أمس عن إطلاق الرصاص. هناك، سيطر الهدوءُ بشكلٍ لافت، فلا قذائف تنفجر ولا رشقات ناريّة تُرعب السكان… حقاً، كان وضعُ خطوط التماس تحت سيطرة الهدنة، إلا أن المسلحين على مختلف المحاور أبقوا أنفسهم على إستنفارٍ تام في مختلف الأحياء، وهذا الأمرُ انسحب على صعيد عناصر حركة “فتح” من جهة وعناصر جماعة “جُند الشام” من جهةٍ أخرى.
“لبنان24” دخلَ مخيّم عين الحلوة، أمس الخميس، وكانت لهُ جولة في مختلف مناطقه وعلى خطوطِ التّماس والمحاور. حقاً، المشاهدُ من الميدان هناك تروي حكاياتٍ مختلفة تماماً عن تلك التي يجري رصدها من بعيد، فالإقتتال الذي شهدهُ المخيم جرى ضمن “مسافة صفر”، أي أن مقاتل “حركة فتح” كان يواجه عنصر “جُند الشام” من مسافة لا تتجاوز الأمتار القليلة. حتماً هذا ما حصل، والمعطيات الميدانيَّة توثقُ هذا الأمر، والمفاجأة هي إنَّ الفاصل بين مقاتلي الحركة و “جند الشام” في مختلف أماكن القتال كان “حائطاً” فقط، ما يعني أنّ الإشتباكات في أغلب الأحيان حصلَت بين أبناء الحي الواحد.
خلال الجولة داخل المخيم وتحديداً في المنطقة الخاضعة لسيطرة “فتح”، كنا أمام مشهدين: الأول وهو إنتشارٌ عددٍ كبير من عناصرها في مختلف الأحياء بهدف الحفاظ على أمنها، فيما المشهد الثاني يتصلُ بتعاون مختلف الأهالي مع المسلحين على توزيع الطعام والحاجيات في ما بينهم تحت إشراف المسؤولين الذين جلسوا ضمن الأزقّة يتسامرون ويتبادلون أطراف الحديث. حقاً، في تلك المنطقة، كان هناك أمنٌ وأمان، والدليل على ذلك هو أنّ مختلف العائلات كانت تجلس أمام عتبات منازلها، فلا خوفَ أبداً، و “الله هو الحامي” كما يقولُ أحد السّكان هناك لـ”لبنان24″.
اللافت بشكل أكبر هو أنَّ قائد الأمن الوطني الفلسطيني اللواء أبو إياد الشعلان كان جالساً أيضاً أمام مكتبه بكل أمان، فلا تحصينات حوله ولا “دُشَم” ولا “أكياس رملية”.. هناك، تمرّ مختلف العناصر أمام الشعلان فتؤدي التحية له، فالجميعُ يأتمرُ بما يقوله “القائد” بصفتهِ المسؤول عن الأمن بعدما جرى تعيينه خلفاً لأبو أشرف العرموشي الذي اغتالته جماعة “جُند الشام” يوم الأحد الماضي، في حادثةٍ أشعلت فتيل الإشتباكات التي استمرّت لغاية يوم الأربعاء في مخيم عين الحلوة.
في حديثٍ عبر “لبنان24″، يؤكد الشعلان إنَّه لا صحة للصورة التي تشيرُ إلى أنَّ الإقتتال داخل عين الحلوة هو فلسطيني – فلسطيني، معتبراً أنّ “فتح” تقاتل جماعات إرهابية لديها مخططات لتدمير المخيم وتهجير أهله، وقال: “تلك الجماعات نفذت في السابق جرائم بحق كوادر في حركة فتح وقوات الأمن الوطني كما أنها تسعى للعبث بالأمن، لكننا موجودون هنا للتصدّي لأي تحركاتٍ تهدد حياة شعبنا وأمنه وسلامه”.
ولفت الشعلان إلى أنَّ تلك المجموعات نفذت أعمالاً إرهابية خارج المخيم، معتبراً أنّ تنفيذ الإرهابيين لعملية إغتيال العرموشي كان بمثابة جريمة كبرى لا يمكن السكوت عليها، وقال: “ما جرى كان عملية إعدام في الوقت الذي كان يسعى العرموشي فيه إلى تثبيت الهدنة في المخيم بعد حادثة حصلت يوم السبت الماضي بين بعض الأشخاص.. حينها، وكما هو معروف، كان العرموشي يعمل لتسليم المطلوب في تلك الحادثة، ولكن ما حصل قد حصل، ووقعت الجريمة التي تكشفُ عن إجرامٍ كبير”.
كذلك، أكّد الشعلان أن “فتح” متمسكة بوقف إطلاق النار بالتنسيق مع مختلف الأطراف الفلسطينية واللبنانية، مؤكداً أنَّ الحرص كبيرٌ على أمان مخيم عين الحلوة، وقال: “لا نرعب في أن يكون شعبنا مشرّدا خصوصاً في ظل الظروف الإقتصادية التي يعيشها لبنان أو اللاجئ الفلسطيني. نحنُ ضدّ الإقتتال مع أي جهة، لكننا سنتصدى لأي طرف لديه مشروع لتخريب المخيم وجعله أسير مُخططات إرهابية. كذلك، فإننا سنبقى على تعاون وتواصل دائم مع الدولة اللبنانية التي نركن إليها دائماً لأننا نعيشُ في كنفها وعلى أرضها”. مُفاجأة عن حي الطوارئ
في سياق حديثه، يقول الشعلان لـ”لبنان24″ إنَّ إرهابيي “جند الشام” يتمركزون في حي الطوارئ بشكلٍ أساسي، كاشفاً أنّ نطاق هذا الحي يقعُ خارج مخيم عين الحلوة، ما يعني أنَّ عناصر المطلوبين يعيشون ويتحركون بسلاحهم وعتادهم ضمن حيّ لبناني صرف وليس داخل المخيّم. وعليه، فإنّ ما يتبيّن، وبشكل بسيط، هو أن هناك جماعات إرهابية “تسرح وتمرح” ضمن نقطةٍ يُمكن للدولة اللبنانية أن تدخل إليها وتنفيذ مداهمات فيها لتوقيف أي متورّط هناك متى ما شاءت ذلك، إلا أن هذا الأمر لم يحصُل حتى الآن.
“لبنان24” إنتقلَ إلى ذاك الشارع لمعاينته عن قُرب رغم الخطر الكبير، ولحظة الوصول إلى هناك، قُتِل شخصٌ يدعى “علي مصطفى” والمعروف بـ”أبو محمد عم الشيخ طه شريدي”، وذلك جرّاء رصاصة من “قناصة” أصابته في صدره أثناء تنقله في المنطقة وتحديداً في حي الطوارئ. قبل وفاته، حاول عددٌ من الأشخاص نقل الشخص المذكور إلى مستشفى داخل المخيم، إلا أنه لم يجرِ إستقباله هناك. وخوفاً من رصاص القنص، جرى نقل “أبو محمد” بحذرٍ ضمن الحي فيما الدماءُ تسيلُ منه على الأرض. وعلى الفور، جرى إدخاله إلى أحد المنازل، وهناك تمّت محاولة السيطرة على النزيف الذي أصابه، إلا أنه لفظ أنفاسه الأخيرة في النهاية.
بحسب المعلومات، فإن “أبو محمد” هو من ضمن فصيل “جند الشام”، وكان ينتمي سابقاً إلى تنظيم “فتح الإسلام” الإرهابي الذي خاض معاركَ ضدّ الجيش في مخيم نهر البارد عام 2007. كذلك، تقولُ المصادر إنَّ “أبو محمد” كان من المطلوبين وتعذر على عائلته نقله إلى مستشفى ضمن صيدا بعد إصابته باعتبار أنّه كان من الممكن أن يقع تحت قبضة الجيش.
مع كل ذلك، تبقى أوضاع القاطنين في تلك المنطقة مأسوية، فالخرابُ يسيطر عليها كما أن الحركة معدومة، في حين أنَّ المواد الغذائية شبه مقطوعة ولا يمكن إدخالها إلى هناك عبر حواجز الجيش، بحسب ما قال عددٌ من السكان هناك لـ”لبنان24″. في تلك المنطقة التي يسكنها لبنانيّون وفلسطينيون، كان النداءُ صاخباً باتجاه فعاليات مدينة صيدا بالتحرّك لأجلهم وإغاثتهم، والمطالبة كانت موجهة بشكلٍ خاص إلى النائب أسامة سعد بوجوب التحرك لأن الأوضاع تشهدُ معاناة إنسانية صعبة للغاية.
ختاماً، لا يُمكن بتاتاً فهم ما يدور في منطقة عين الحلوة إلا من خلال معاينة المنطقة ميدانياً لأنّ التداخل في أحيائها وشوارعها كبيرٌ جداً، في حين أنَّ الإشكالية القائمة حالياً تحتاجُ إلى معالجة جذريّة لسبب واحد وهو أنّ الإقتتال يجري بين أشخاصٍ يعرفون بعضهم البعض ويعيشون في منطقة واحدة.. فهل سيكونُ هذا الأمر سهل الحل؟ الأيام المقبلة كفيلةٌ بكشف ذلك…