كتبت النهار
حين تفضي الأزمة الرئاسية المديدة والمفتوحة على دوامة إسقاط الزمن والالتزامات والمواعيد الدستورية الى نهاية، مهما تكن بانتخاب رئيس أو بحصول غامض أخطر من الفراغ، سيسجّل لرئيس كتلة نواب “حزب الله” محمد رعد أنه كان المسؤول المنتدب أو المتطوّع من الحزب الأكثر انخراطاً في يوميات الصراع والأكثر إثارة لاستفزاز خصومه. يترجم النائب رعد “بصدق” خالص أكثر التوجهات والمعايير الغريبة التي عرفتها معركة سياسية أو رئاسية في لبنان حتى الآن الناهدة الى إفهام الخصم بالعربي الفصيح الواضح، وبلا أي لبس، أن لا مسلك لانتخاب رئيس للجمهورية مع كل ما يرتبه الفراغ الى أمد مفتوح من أخطار بنيوية على لبنان سوى الاستسلام سواء كان استسلاماً ناعماً مهذباً أو خشناً فظاً لإرادة “الحزب” الحديدي بلا زيادة أو نقصان. تتقلب مفردات التعبير عن ظروف خوض “حزب الله” هذه المكاسرة الخشنة بتقلب الظروف المحلية، ولكنها لم تحد مرة منذ ما قبل نهاية آخر العهود الرئاسية مع حليف الحزب الرئيس السابق ميشال عون حتى الساعة عما يبدو أنه قرار القاتل أو المقتول في انتخاب سليمان فرنجية وإلا فـ”من بعدنا الخراب”.
آخر تعبير عن صلابة لا مردّ لها في قرار الحزب الاستراتيجي بتطويع خصومه والمستقلين وما بينهم، إذا صحّ أن الصراع المشارف بعد حين على أن يطوي السنة الأولى من الفراغ الرئاسي لا يزال يضمّ مستقلين، أن يقال علناً إن من لا ينتخب مرشح الحزب هو المتسبّب بالفراغ الذي لا قعر له. كاد رئيس كتلة الحزب ينطقها صراحة هذه المرة بأن مرشحنا وقرارنا وسلطتنا ودولتنا وعقيدتنا من أمامكم والبحر من ورائكم فأين المفرّ؟ لا نخال أن محترفاً بهذا المواصفات والموقع في “حزب الله” يكتفي بهواية التفزيع أو التهويل بأشكال مختلفة إن لم تكن ثمة معطيات طارئة تدفع بحزبه الى رفع وتيرة استفزاز الخصوم الى ذروتها ومن خلالهم إرسال ما يتعيّن من رسائل الى ساحة “الميادين المتصلة ” بعضها ببعض تبعاً لاستراتيجية محور الممانعة الإيراني التي يتبعها منذ مدة.
هذا التعبير لا يتعيّن النظر إليه بخفة ردود الفعل الانفعالية حتى لو شكل ذروة التحدي المباشر للخصوم لأنه يسقط رسمياً وعلناً كل ما عاد من أجله جان إيف لودريان الى بيروت “مجللاً” بتكليف من المجموعة الخماسية وتالياً ينهي استباقياً بلا جدل أيّ تعب أو عناء لتنظيم أي شكل من أشكال الحوار العبثي الشكلي المدعوّة إليه كل الكتل النيابية في أيلول. ولعلنا لا نغالي في الاستخلاص أن “أفضل” ما تشكله هذه المقاربة الصادقة الشفافة لمعادلة الاستسلام لنا أو الفراغ الأبدي للجميع هو أن تفهم كل الذين لا يزالون موهومين بإمكان عزل المعركة الرئاسية عن الأهداف الاستراتيجية لمحور الممانعة بأن وهمهم مرضي سقيم.
تتطور مؤشرات إعدام لبننة المعركة المفتوحة حول الرئاسة اللبنانية أسوة بكل ملفّ مصيري مع تطور مؤشرات العودة السريعة لـ”الحرب الباردة” الإقليمية ولا سيما بين الخليج قاطبة وإيران، وليس أدل على ذلك من صورة التعزيرات العسكرية الأميركية في المياه الشرق أوسطية. لا نحتاج الى إثباتات إضافية أيضاً بعد التحذيرات الخليجية للرعايا في لبنان ولا عقب ارتفاع نبرة “حزب الله” الى السقف الذي يفصح عن إرادة حاسمة بإسقاط المبادرة الخماسية بعدما فشلت المبادرة الفرنسية الأم. شدّوا الأحزمة ولا تنتظروا أيلول!