كتبت النهار
لا تفوّت القوى السياسية فرصة إلا تتناول فيها موضوع الحوار الذي يعمل عليه الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان، ليس بهدف إنضاج ظروف نجاحه، كما يبدو من المواقف المتباينة حياله، بقدر ما تأتي إثارته لملء الفراغ في المشهد السياسي في ظل استمرار تعطل كل المحركات الداخلية أو الخارجية.
آخر المواقف المتصلة بهذا الموضوع وردت على لسان رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي نبه الى ان الحوار يشكل آخر فرصة للوصول الى اتفاق من شأنه أن ينهي أزمة انتخاب رئيس للجمهورية، غامزاً من قناة المعطلين، وما رتبه التعطيل من انعكاسات سلبية أدت الى تفاقم انهيار الوضع في البلاد. في المقابل، ترد أوساط “القوات اللبنانية” المستهدفة، بأن رفضها للحوار ليس مطلقاً وإنما بالصيغة المطروحة، ذلك أن الحوار من أجل التوافق على رئيس يعكس إصراراً على فرض عرف جديد، يقوم على انتخاب رئيس على طاولة حوار لا في الموقع الدستوري السليم لهذه العملية، أي المجلس النيابي، علماً بأن القوات اللبنانية، ودائماً بحسب أوساطها، قد وضعت مفتاح الحل في يد رئيس المجلس الذي يعود له أن يبادر الى فتح أبواب المجلس أمام إنجاز الاستحقاق الرئاسي.
أمام هذه الصورة، لا تبدو مهمة لودريان سهلة، خصوصاً أن العد العكسي لانعقاد طاولة الحوار قد بدأ. فالموفد الفرنسي كشف خلال لقاءاته الأخيرة في بيروت عزمه على جمع القادة وممثلي الأحزاب اللبنانية على طاولة يستضيفها قصر الصنوبر في أيلول المقبل. وبحسب المعلومات المتوافرة لـ”النهار” من مصادر لبنانية، إن الموعد قد يكون في الأسبوع الأول من أيلول وسيكون برعاية لودريان الذي كان طلب الى القيادات اللبنانية، واستغلالاً للوقت حتى حلول أيلول، إعداد ورقة بتصوّرها لمواصفات الرئيس، من دون الدخول في الترشيحات أو الأسماء المقترحة.
في أوساط بري، تفاؤل بأن الحراك الجاري جدّي، مع الأمل بأن يؤدي الى التوصل الى قواسم مشتركة. لكن هذا التفاؤل تحبطه انطباعات أكثر واقعية لدى أوساط سياسية في المعارضة، منطلقة من تساؤل واستغراب لأسباب التفاؤل في ظل استمرار الفريق الذي ينتمي إليه بري في تمسكه بمرشحه، ما يعني عملياً عدم وجود أي استعداد للبحث في أي مواصفات يقترحها لودريان، وهو الذي حدد جدول أعمال الحوار ببند وحيد هو وضع مواصفات الرئيس تمهيداً للنزول الى المجلس النيابي لانتخاب المرشح الذي تنطبق عليه المواصفات المتوافق عليها. وفي رأي الأوساط، بالرغم من الكلام الكثير عن المواصفات، لا يبدي فريق الممانعة أي استعداد للتراجع عن مرشحه، وبالتالي لا فرصة متاحة لإيجاد أرضية مشتركة حول الرئيس المقبل.
بالنسبة الى المعارضة، لا يجد هذا الفريق حاجة الى وضع ورقة بالمواصفات المطلوبة للرئيس. وكانت القوات اللبنانية قد أبلغت لودريان أن بيان الاجتماع الخماسي معطوفاً على بيان البرلمان الأوروبي يعكس المواصفات التي تتبناها، وهي في هذا السياق، تعمل الى جانب قوى المعارضة الأخرى على تبنّي موقف موحد منها. وفي هذا الإطار، يكون الإخراج المناسب لمشاركة هذه القوى في دعوة لودريان أن يكون الهدف منها انطلاق حوار جدي وبنّاء انطلاقاً من المواصفات المشار إليها، أما اذا سُجّل أي تعارض أو تباين أو اختلاف بين قوى المعارضة، أو انسحاب لقوى معيّنة من هذا التقاطع، فسيبنى على الشيء مقتضاه، كما تختم الأوساط بالقول.
على المقلب السنّي الغائب كلياً عن المشهد السياسي، تعوّل مصادر سياسية على الحراك الذي يقوم به السفير السعودي وليد بخاري تجاه النواب والفاعليات السنية، لجهة لمّ الشمل السنّي من خلال دار الفتوى، والسعي الى تبنّي مضمون بيان الخماسية بعد اجتماع الدوحة، على نحو يتيح تعزيز موقع المعارضة وتوفير الميثاقية التي تتيح لهذا الفريق الدفع نحو مرشح يلاقي تطلعاته في وجه الفريق الممانع الذي يلعب على وتر الانقسام والتشرذم ولا سيما على مستوى الشارع السني.
في الخلاصة، لا معطيات متفائلة حتى الآن بإمكان أن يخرق حوار أيلول المشهد المأزوم، علماً بأن بعض المتشائمين يذهب أبعد في السؤال عما إن كانت طاولة الحوار ستنعقد فعلاً في أيلول. وهذا التشاؤم نابع من انطباع أن كل المؤشرات السياسية المحلية والإقليمية والدولية قد عادت الى المربع الأول، والترقب اليوم لما سيرتبه انفراط التفاهم السعودي الإيراني على المنطقة ومن ضمنها لبنان.