كتبت النهار
ما حدث على “كوع الكحالة” الشهير قد يكون خفّف الاهتمام بالاشتباكات المسلحة بين الفصائل الفلسطينية في مخيم عين الحلوة رغم خطورتها وعدم وضوح الأهداف الفعلية للجهة أو الجهات التي افتعلتها سواء كانت فلسطينية “وطنية” أو فلسطينية “إسلامية” أو جهات غير فلسطينية لبعضها اهتمام كبير بـ”القضية القومية” ولبعضها الآخر اهتمامات أخرى داخلية وإقليمية في آن واحد. لكن القوى اللبنانية الحزبية المتنوّعة لا تزال رغم ذلك تركّز اهتمامها على المخيّم المذكور وفي مقدمها “حزب الله” الذي يعرف تماماً أن موقعه في قلب الجنوب يجعل أي تطوّر عنفي يحصل داخله يؤثّر على المنطقة كلها وربما يفتح الأبواب وهي كثيرة أمام تدخل جهات عدة داخلية وخارجية متناقضة الأهداف وتالياً أمام إعادة الجنوب سنوات عدة الى الوراء رغم التطورات الإيجابية التي حصلت فيه، وأبرزها إزالة الاحتلال الإسرائيلي وإشاعة مناخ سياسي “مقاوم” واحد داخله لعدو الفلسطينيين واللبنانيين بل والعرب كلهم في آن واحد.
ما هو تقويم “حزب الله” لما جرى أخيراً في مخيم عين الحلوة؟ يؤكد المتابعون اللبنانيون من قرب حركة “الحزب” داخلاً وخارجاً أن لا علاقة له بالاشتباكات التي جرت فيه بين فصائل إسلامية متشدّدة وحركة “فتح” التي أطلقت العمل الفدائي الأول ضد إسرائيل بعد إقامة دولتها على أرض فلسطين بالقوة العسكرية وبدعم خارجي ملحوظ جداً. ويؤكدون في الوقت نفسه أن لا علاقة لطرف خارجي بها خلافاً لاجتهادات وتحليلات إعلامية أشار بعضها الى أنها ترجمة عملية وعملانية عسكرية للخلاف المستحكم بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية وأعدائها في لبنان والمنطقة والعالم، وقد يكون الهدف منها استغلال انحلال وتحلّل دولة لبنان من أجل تثبيت كل من هؤلاء في موقعه وتثبيت صحة نظرته للأوضاع واستراتيجيته في المنطقة. وينفي هؤلاء صحة ما ورد في وسائل إعلام عدّة بعضها مؤيّد لـ”الحزب” و”منتمٍ” الى القضية الفلسطينية من زمان، وهو أن زيارة المسؤول الأمني في السلطة الوطنية الفلسطينية وهو من عائلة رجب لبنان أسهمت إرادياً أو عفوياً سواء في بدء الاشتباكات أو في رفع حدّتها وتحوّلها حرباً قاسية استمرّت أياماً عدّة وطاولت محيطها وسقط فيها بين 12 و18 قتيلاً وعشرات الجرحى. هذا فضلاً عن الدمار الذي أحدثته في المخيم وخارجه في ممتلكات ساكنيه من فلسطينيين ولبنانيين وخصوصاً في حي التعمير الذي تقطنه غالبية لبنانية، علماً بأنه لم يكن رسمياً جزءاً من المخيم، لكنه صار كذلك بحكم التطورات على مدى العقود الماضية والأمر الواقع الفلسطيني في الجنوب ثم في البلاد والأمر الواقع اللبناني المقاوم فيه أيضاً. والأمران الواقعان هذان كانا يعكسان في حينه “وحدة المسار والمصير” بين الفلسطينيين واللبنانيين أو بالأحرى بينهم وبين بعض مكوّنات لبنان وليس كلها. وبذلك ينفي “حزب الله” استناداً الى متابعي حركته داخلاً وخارجاً من قرب أن يكون هدف المسؤول الفلسطيني الأمني رجب تنفيذ قرار للسلطة الوطنية الفلسطينية بتفجير مخيم عين الحلوة. فالأخيرة في رأيه ليست في هذا الوارد. أما الفلسطينيون الإسلاميون المتنوعة تنظيماتهم في ولاءاتها وفي تشدّدها فلم يكونوا يحاولون في “الحرب” الأخيرة السيطرة على المخيم. كما أن حركة “فتح” التي أمسكت به وبغيره من مخيمات لبنان في عقود سابقة ليست في الوارد نفسه أيضاً رغم شعورها بالألم لتراجع نفوذها فيه على استمراره، ولـ”استيطاء حيطها” كما يُقال من منافستها الأولى في الساحة الفلسطينية حركة “حماس” كما لتوسيع نفوذ قد تسعى إليه الأخيرة.
أما سبب اشتباكات “عين الحلوة” في اختصار فكان اغتيال شخص فلسطيني وذهاب آخر لتسلّم القاتل ثم اغتيال القيادي الغمروشي. في المخيم وبحسب “الحزب” إسلاميون: “النصرة والجهاد الإسلامي ودواعش” أي متشدّدون من كل الاتجاهات و”الجبهة الديموقراطية والجبهة الشعبية والقيادة العامة”. لا أحد من هؤلاء كلهم يريد حرباً في المخيم كما أن الهدف لم يكن النيل من الرئيس اللبناني للجنة اللبنانية – الفلسطينية المشتركة الدكتور باسل الحسن بعد خلافه مع “فتح” وسفير السلطة الفلسطينية وتلقّيه انتقادات لاذعة منهما. الأدلة على أن اشتباكات عين الحلوة الأخيرة كانت بنت ساعتها ونتيجة أحقاد أكثر مما كانت بدء تنفيذ خطة ذات أهداف شاملة وخطيرة كثيرة. منها عدم استهداف الجيش والقوى الأمنية المحيطة بالمخيم بإطلاق النار. ومنها أيضاً عدم قطع طريق صيدا الشريان الحيوي بين العاصمة والجنوب. ومنها ثالثاً عدم انتقال الاشتباكات الى المخيمات الفلسطينية الأخرى على تضاؤل أهمّيتها وعدد القاطنين فيها بالمقارنة مع عين الحلوة. وحتى إذا عاد الاشتباك لاحقاً الى المخيم من أجل السيطرة عليه فإن ذلك لا يعني أن هناك خطة وأن تنفيذها سيستمر، إذ لا “فتح” ولا الإسلاميون “الصغار والكبار” قادرون على إنجاز السيطرة المذكورة، علماً بأن همّ “حماس” المنافسة الإسلامية الأكبر اليوم لـ”فتح” كان العمل للتهدئة.
هل من آراء مخالفة للمذكور أعلاه؟ نعم وتعبّر عنها قيادات شيعية مهمة. فالهدف من الاشتباكات هو السيطرة على المخيم. فهل كان لـ”حماس” دور تشجيعي لذلك؟ أم أن جهات معادية لـ”فتح” والإسلاميين كانت تخطّط لإقفال طريق الجنوب وعاصمته صيدا ولوضع لبنان على طريق أزمة كبيرة تُضاف الى أزماته الداخلية المستعصية على الحلّ، فضلاً عن أن الجهات نفسها ترى أن للتناقض بين السلطة الوطنية الفلسطينية والثوار الجُدد داخل فلسطين على إسرائيل من إسلاميين وغير إسلاميين دوراً في ما شهده عين الحلوة من تطوّرات حصلت وأخرى قد تحصل مستقبلاً داخل لبنان وفلسطين معاً. فالتظاهر السلمي الذي يرفع لواءه الرئيس محمود عباس بديلاً من الكفاح المسلح لا يُجدي مع إسرائيل بل يخدمها. وما يُجدي وحده تطوّر “الثورة” أو الانتفاضة التي تنتشر حالياً في الضفة الغربية والقدس.