كتبت النهار
ليس هناك من كلام أبلغ مما قاله البطريرك الماروني بشارة الراعي في عظته يوم الأحد. قال: “… وفي هذه الأيام تسمعونهم يتكلمون عن سؤال وجواب، والتقاء وحوار. فالحوار الحقيقي والفاعل هو التصويت في جلسة انتخابية دستورية ديموقراطية والمرشحون موجودون ومعروفون”. وهذا الموقف المختصر والقوي في آن واحد ربما رد استباقي على موقف نقله الزميل رضوان عقيل عن رئيس مجلس النواب نبيه بري في “النهار” يوم أمس حيث قال بري: “هؤلاء (المعارضة) يهوون المعارك الخاسرة”، وحسبما ورد في ما بعد في مقال الزميل رضوان عقيل “انتقد الرافضين للحوار وعدم التجاوب مع المساعي التي تبذلها باريس في هذا الصدد، وأنها غير قادرة على جمع النواب الى طاولة حوار نتيجة التضييق على الفرنسيين…”!
إذن القضية واضحة. ثمة من يدعو الى إعادة فتح مجلس النواب، وإطلاق سراح المؤسسات لكي تعمل بشكل طبيعي بعيداً عن التعطيل. وثمة من يريد الإبقاء على منطق الابتزاز السياسي من أجل فرض مرشح على معظم بيئته الطائفية، ومعها أغلبية لبنانية واضحة لا تميل الى هذا الأسلوب في فرض خيارات غير مقبولة، لا بل إنها ترفض ذلك وتقاوم بما أوتيت من قدرات سياسية شعبية سلمية.
في مطلق الأحوال، لم تثر “استمارة” الموفد الرئاسي الفرنسي الوزير جان إيف لودريان إعجاب الكثيرين في البلد. وتقديرنا أنه لما أطلع نظراءه أعضاء “الخماسية” لم تثر مقاربته عظيم إعجاب. والسبب أن الأجوبة عن الأسئلة معروفة سلفاً. ثم إن التقدير الذي تحظى به فرنسا بين غالبية اللبنانيين الصادقين في صون العلاقة اللبنانية – الفرنسية، لا يلغي حقيقة أن موقفهم بات واضحاً وفي مقدمهم البطريرك الراعي الذي يدعو بلا كلل للعودة الى المؤسسات، والى اللعبة الديموقراطية، والإقلاع عن محاولة فرض رئيس ولاؤه الأول لـ”حزب الله” ومحور إقليمي تقوده إيران. هذا دون أن نتحدّث عن مواصفات أخرى تتناقض مع ما ورد في سياق بيانات “الخماسية” ودول “مجموعة أصدقاء لبنان”.
لم يعد مهمّاً أن يعود الموفد الرئاسي الفرنسي. الأهم أن يعود بأفكار مختلفة، وبمقاربة جديدة لا تكون مجرد عملية التفاف لإحياء مقترحات “الثنائي الشيعي” بطريقة أخرى. فالمشكلة الأساسية تتعلق برفض الثنائي المذكور الخضوع لمنطوق الدستور، وللعملية الديموقراطية في مجلس النواب. عدا ذلك نكون مثلما يحصل منذ عشرة أشهر، وعلى ما كان يقول الرئيس فؤاد السنيورة، كمن “يعلك الماء”. إن سلاح الموقف أساس وسلاح الحقيقة التي تتكشف مهم أيضاً كما يتبيّن يوماً بعد يوم مع إدراك الناس أن السلوك القائم على الاستقواء بالسلاح وغلبة العنف الداخلي يؤديان حكماً الى انتفاضة على الغبن والظلم والفرص والسجن الكبير الذي يراد حشر اللبنانيين فيه.
إن الحل المؤقت الأمثل الذي يحتاج إليه لبنان هو إقامة تسوية رئاسية وحكومية معقولة ومقبولة بين “نفيين”، والذهاب الى انتخاب رئيس يجمع ولا يفرّق، ويكون على مستوى الموقع والمسؤولية والمرحلة. لاحقاً يجب التفكير بمستقبل العيش المشترك ما دام “حزب الله” يرفض التخلي عن سلاحه لصالح الحياة المشتركة. هذا الأمر سيحصل عاجلاً أو آجلاً، والمهم أن يتم على البارد لا على السخن كما يُقال ويُخشى!