كتبت النهار
تستدعينا “لهفة الممانعة” مجددا على فرنسا ودورها ومهمة موفدها الرئاسي جان – إيف لودريان في الازمة الرئاسية المتحولة ازمة كيانية – وجودية لا حل لها ربما “على أيامنا”، الى الانخراط تكرارا في مقاربة هذا التحول “التاريخي” لدى فريق عريض قام على ركيزة أساسية لا تتبدل قوامها تخوين “الانعزال” اللبناني “المتغرّب” أو “المتصهين” منذ ما قبل السبعينات وحتى يوم القيامة. المسألة تبدو على جانب من طرافة في بعض زواياها من مثل انعطافة كبيرة ويتيمة واحدة سُجلت في تاريخ ادبيات التخوين ابان حقبة نشوء انتفاضة 14 آذار حين أحدث كتّاب وقادة وناشطون يساريون كبار الاختراق الأقوى والأشد أثراً في ثقافة خشبية عدائية على ضفتي الصراع الداخلي على قاعدة أولوية البُعد السيادي ولا يزال تأثيرهم مدوّياً حتى الساعة. أما ما يشهده النزاع السياسي منذ سنة عملياً حين بدأت المهلة الدستورية لانتخاب رئيسٍ للجمهورية وفُتح بعدها الباب لأزمة فراغ جديدة، فلا نغالي إن قلنا إن مأثرته الكبرى ستكون في انقلاب غير مسبوق في ادبيات الخطاب “الممانع” الإبن الوريث لمنظومة 8 آذار وبعض فلول ما تبقّى ممن كانوا يسمّون حلفاء النظام السوري وصاروا واقعيا الآن بمجملهم وراء قاطرة “حزب الله” والمحور الإيراني الأحادي والساحق النفوذ.
لن نوغل في التقديرات السلبية المرجّحة النتائج سلفاً حيال مآل مهمة الموفد الفرنسي لودريان بعدما كتبت رسائله الى النواب المصير الاستباقي السلبي لمهمته. ثمة وقت مفتوح بلا اي اعتبار لصراع العضّ على الأصابع في الازمة يجعل أي استعجال للحكم على الفشل أو النجاح بلا جدوى. ولكن يتراءى للناظر بعمق في خطاب اللهفة المضحك لدى القوى “الممانعة” على المبادرة الفرنسية وتعيير المعارضين لأي استعادة عقيمة للحوار المطروح وتحميل المعارضين تبعة تمادي الازمة أن الأشهر العشرة المنقضية من عمر الفراغ الرئاسي تختلف اختلافا كبيرا عن تجربة التعطيل السابقة التي سبقت انتخاب الرئيس ميشال عون. هذه اللهفة المثيرة للسخرية التي اطلقها الثنائي الشيعي وحلفاؤه عقب الرفض المعارض لمضمون اتجاهات رسالة لودريان بدت بمثابة خشبة انقاذ لعزلة الخطاب والسياسات الممانعة التعطيلية إياها التي جاءت الرسالة الفرنسية مرة أخرى لتدفعها الى الرهان على نحو غريب على امكان تحقيق الانتصار الساحق بإيصال مرشحها الى بعبدا. والحال ان الوقت قد حان منذ عشرة اشهر وليس الآن لفضح الازدواجية الفاقعة في التمظهر مظهر اللهفة على فرنسا من فريق يتباهى باستدراج فرنسا الى أسوأ معادلة ديبلوماسية وسياسية خاضتها خارجيا عبر لبنان بالذات. ولعلنا لا نحتاج الى تبصير واصطناع القدرات الخارقة لنعرف ان مضمون “الردود الإيجابية” التي ستبلغها كتل القوى الممانعة ونوابها الى لودريان ستتضمن واقعيا الجواب الأسوأ من رفض الإجابة ما دامت هذه القوى ستضع الموفد الفرنسي تكرارا أمام معادلة مجموعة مواصفات وأولويات لا تنطبق إلا على اسم مرشحها الممنوع من المساومة على اسمه ولو جفّ البحر!
اذن تمضي المعادلة العقيمة بلا أي تغيير وترتفع بقوة اكثر نغمة اللهفة الممانعة على فرنسا حتى تدرك فرنسا نفسها وجوب العودة الى معايير الدولة الكبرى التي لا تتيح لدولة إقليمية ترتبط بها مجموعة قوى في لبنان ان تحوّل تاريخها العريق فيه الى ورقة تين تتلطى وراء اصطناع مكشوف لتلك اللعبة المتهاوية. ولا مَن يجرؤ عندهم ليسأل اين لهفتكم على “برلمان” اسقطتموه بالضربات التعطيلية القاضية وحوّلتم رئيسه فريقا باعترافه الشخصي كل يوم وكأنه يفخر بهذه المأثرة؟