كتبت النهار
اكثر من معطى برز في الأيام القليلة الماضية عزز التوقعات بأن مهمة الموفد الرئاسي الفرنسي جان ايف لودريان لن يكتب لها النجاح، لا سيما بعد الرسالة الخطية التي وجههاالى النواب والكتل داعياً فيها الى الإجابة على سؤالين حول مواصفات الرئيس المقبل وبرنامج عمله، ما اعتبره فريق المعارضة مساً بالسيادة اللبنانية ومحاولة املاء فرنسية لفرض المرشح الذي تدعمه باريس، ولا يزال حتى الساعة مرشح فريق الممانعة سليمان فرنجية ، رغم ان لودريان نفسه كان ابلغ من التقاهم بأنه لا يسوق لاسم بل يبحث عن مواصفات .
ليست اعتراضات اركان المعارضة بمختلف تلاوينها المتقاطعة راهناً على ترشيح الوزيرالسابق جهاد ازعور، على الشكل فحسب، وانما ايضاً على المضمون، وعلى المسار الذي يسلكه لودريان في تعاطيه مع الاستحقاق الرئاسي، المكلف به من الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون.
أولى الاعتراضات تكمن في التوقيت الذي اختاره لودريان لاطلاق تحركه. هو زار لبنان في تموز الماضي، وطلب من الافرقاء المعنيين تحضير ورقة تتضمن رأيهم حيال مواصفات الرئيس ومشروعه خلال ولايته الرئاسية. وعلى رغم ادراك الموفد الفرنسي أهمية الوقت بالنسبة الى لبنان الغارق تحت وطأة أزمات متنامية سببها الشغور في موقع الرئاسةالأولى، وانعكس شللاً وتحللاً في عمل المؤسسات الدستورية والرسمي، فهو امهل النواب اللبنانيين اكثر من شهر لتحضير أفكارهم، وكأن لبنان يملك ترف الوقت لاضاعته على هكذامهمة.
ولكن هل السبب في تأخير المهمة الى منتصف أيلول وربما نهايته، يعود حقاً الى ان شهرآب هو شهر العطلة الصيفية في فرنسا ودول العالم لا سيما تلك المعنية بالملف اللبناني اوان التأخير يحمل في طياته ابعاداً تتصل في أساس مهمة لودريان، التي ولغاية اليوم لم تعلن دفن المبادرة السابقة القائمة على معادلة فرنجية – سلام، رغم كل التطمينات التي قدمتها باريس حيال تراجعها عن هذا الطرح.
لا تخفي أوساط المعارضة خشيتها من ان يكون وراء التأخير في انجاز المهمة الفرنسية،مماطلة فرنسية ترمي الى افساح الوقت امام “حزب الله” من اجل استئناف الحوار مع رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل، بهدف استمالته مجدداً لاستعادةتموضعه الى جانب الحزب من اجل تأمين الغطاء المسيحي لفرنجية. وبدا واضحاً هذاالمسار من خلال المقايضة التي اعلن عنها باسيل بين إعطاء الحزب الرئاسة مقابل اللامركزية الإدارية والمالية الموسعة والصندوق الائتماني وبناء الدولة، وهي عناوين كبيرة طنانة، تترك صداها في الأوساط الشعبية ولكنها تسقط على طاولة أي حوار لأنهاليست ملكا لفريق دون آخر، بل هي تحتاج توافقاً بين مختلف المكونات اللبنانية وليس بين الحزب والتيار حصراً. علماً ان ثمة اوساطا اكثر واقعية في مقاربة المهمة الفرنسية من ناحية ان الامر لا يأتي في سياق المماطلة وانما على العكس افساح المجال امام الفريق الداعم لفرنجية للنزول عن شجرة هذا الترشيح، واتاحة الفرصة امام طرح المرشح الثالثالذي يحظى بالتوافق الداخلي.
من النقاط الإشكالية الأخرى، عدم بلورة مآل المبادرة الفرنسية فيما لو وصلت الى مرحلةتسلم أوراق خطية بمواصفات الرئيس ومشروعه. ماذا سيفعل بعدها لودريان، وكيف يوفق بحثه عن القواسم المشتركة المطروحة في أوراق العمل، وهل سيحظى تقييمه للمواصفات والبرنامج مع آراء ومقاربات الكتل والنواب، وكيف سيسقط تلك المواصفات وذلك البرنامج على مرشح، طالما ان المهمة لا تذهب في اتجاه طرح أسماء.
وتصبح هذا الأسئلة أكثر تبريراً عندما يتبين ان لا تكليف من دول الخماسية للودريان،وهو ما قاله في شكل واضح وان بغير المباشر في رسالته الى النواب، عندما استهلهابالقول انه بناء لتكليف الرئيس الفرنسي، ولم يأت على ذكر أي تكليف دولي من دول الخماسية. وكما بات معلوماً، فإن الدول الأربع من ضمن المجموعة، أي الولايات المتحدةالأميركية والمملكة العربية السعودي ومصر وقطر لم تتبن مبادرة باريس الاولى، بل على العكس اجهضتها. وقد ذهب الاجتماع الثاني للمجموعة في الدوحة الى مزيد من التشددحيال مواصفات الرئيس، بعدما كان الاجتماع الأول في باريس اقل تشدداً او ممانعة حيال فرنجية !
هذا لا يعني ان عدم وجود تكليف لمهمة لودريان لا يعني في الوقت عينه ان هناك تنسيقًاودعماً من هذه الدول للمحاولة الفرنسية الاخيرة على الارجح.
وعليه، لا تتوقع أوساط المعارضة نجاحاً لمهمة لودريان التي فشلت في رأيها قبل ان تسلك طريق التنفيذ. والسبب هو فرنسي تماما كما هو لبناني لأنها انطلقت من منطلقات خاطئة وضعت باريس نفسها فيها طرفاً وليس وسيطاً نزيهاً، عندما تبنت وجهة نظر الحزب،واسقطت وجهة نظر المعارضة، التي قدمت تنازلاً بتراجعها عن مرشحها الأساسي ميشال معوض، وتبنيها مرشحاً يحظى باجماع تقاطعات المعارضة، مع انضمام باسيل اليها فيتبني ترشيح جهاد ازعور. الا ان الفريق الآخر لم يقدم أي تنازل في المقابل ولم يلاق المعارضة في منتصف الطريق، بل ظل متمسكا بمرشحه، ما يعني بالنسبة الى اركان المعارضة ان لا جدوى من وضع مواصفات ومشاريع او عقد لقاءات تشاورية طالما ان لا تلاق او توافق على أرضية صلبة واضحة ينطلق منها البحث عن رئيس.
وفي نظر المعارضة، يبقى الحل الأنسب هو تطبيق الدستور عبر فتح أبواب المجلس النيابي امام النواب ليمارسوا حقهم الدستوري في الانتخاب في ظل وجود مرشحين جديين يخوضان السباق، وليكن الفوز لمن يحظى بثقة واصوات أكثرية النواب!