كتبت النهار
لولا الخصوصية اللعينة التي باتت عليها صورة لبنان الانهيار منذ أربعة أعوام في نظرة الدول اليه لكان ممكنا للبنانيين السخرية من ظواهر “تخلي” الدول عن دعم جهات او مراجع او اشخاص حين تسقط او تختل وتتبدل ظروف تربعهم على جنات السلطة . في تاريخ الأنظمة والدول خصوصا في ما يسمى جمهوريات الموز او في “العالم الثالث” عشرات وعشرات من النماذج والامثلة التي سقطت فيها أنظمة ورؤساء بعدما سحبت دول كبرى مثل الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وروسيا اغطية الدعم عنها وحولت هذه الدول مشاعات وساحات للفوضى الدموية ولا حاجة الى التطلع قليلا الى الوراء في العراق وليبيا وتونس وقبلها في اميركا اللاتينية . كان معظم زعماء لبنان في حقبة الجمهورية الأولى يختلفون على الكثير من المفاهيم والمعايير السياسية والتعامل مع الدول لكنهم غالبا ما كانوا “يتقاطعون” رغم الخصومات على شعارات تعكس في تبسيطها عمق المعرفة بالسياسات الدولية من مثل قول شهير ان “اميركا توصلنا الى نص البير وتقطع الحبل فينا ” .
لا تشكل كل تجارب عهود الاستقلال الأول بمجملها نماذج صالحة قطعا لتثقيف معظم زعامات الجهل الحاكمة او المقيمة اليوم على رؤوس اللبنانين لان ما أصاب لبنان في اتفاق القاهرة مثلا الذي فتح أبواب جهنم عليه لا ينسى . مع ذلك لم يبلغ مستوى عمى الألوان حيال الوقائع الدولية أي درجة من درجات الخفة او التجاهل التي بلغها في زمن لبنان الانهيار السياسي هذا ، ونقول السياسي لانه “راس الشموط” و”فتحة البئر” .
تخوض ما يسمى السلطة اللبنانية اليوم الكثير من الاختبارات التي تعكس تعامل الدول مع لبنان بانه اضحى دولة مارقة ومع ذلك لا ترانا امام أي امكان لنجاح نسبي او معقول في تعلم الدروس وتجنب المزيد من الكوارث . في مسارين منفصلين ترانا امام صراع متجدد يخوضه لبنان الرسمي مع الدول في مجلس الامن لتجنب التجديد الاتي لليونيفيل بصيغة غير قابلة للتراجع تتشدد في مسألة استقلالية تحركات القوات الدولية بما يعكس انهيار الثقة الدولية انهيارا تاما بكل سلطة لبنانية سياسية ام عسكرية ام امنية واقعة تحت هيمنة “حزب الله” . وفي تزامن المفارقات وعلى رغم عدم وجود أي رابط بين التطورين ، ترانا امام ما اثار ذهول الكثيرين حين انبرت وزارة الخزانة الأميركية الى تصنيف المرجع المالي والمصرفي الأكثر استنادا الى أطول واقوى دعم أميركي حصل عليه سحابة ثلاثة عقود من احتلاله موقع حاكم مصرف لبنان فاذا برياض سلامة يهوي بعد عشرة أيام فقط من نهايته الفضائحية داخليا واوروبيا الى قعر المحكومين بالعقوبات الأميركية إياها .
مفاد التجربتين لا يحتاج الى كثير شرح واسهاب تدقيق ولا الى خبراء في السياسات والعلاقات الدولية بل فقط الى التحلي قليلا بما يندر العثور عليه الان من الاعتراف الصادق بالحقائق الدولية الصادمة لدى النسبة الساحقة من الساسة اللبنانيين ومعهم النسبة الأكثر “انسحاقا” من اللبنانيين الذين يؤخذون باكاذيب الترويج الدعائية للجهات السياسية والطائفية التي توظف الجوانب المتصلة بتبعيتها للخارج في تعميم ثقافة الاستقواء بهذه الدولة او تلك . لم يعد لبنان في نظر الدول ، أيا تكن درجات اهتمامها او عدمه بازماته ، سوى “لادولة مارقة” ، ولن تكون امام السلطة المتهاوية فيه رمزيا وعمليا وواقعيا أي فرصة من فرص تجنب الانهيار في بقايا العلاقات والصداقات الدولية . .. ويمكنكم ان تشتموا الدول ما شئتم !