كتبت النهار
كشف ابتعاد الرئيس سعد الحريري عن العمل السياسي اكان ذلك بارادته او تبعا لاعتبارات اخرى ازمة متعددة الوجوه تبدأ اولا بالعجز لدى الطائفة السنية في ان تشغل الموقع ” التوحيدي” الجامع بقوة للطائفة على رغم جهود بعض النواب وحتى بعض الشخصيات التي بقيت عاجزة عن ان تعمل على توافق سني يفرض نفسه كبديل من الحريري او في وجه التكتلات الاخرى ليس بمعنى المواجهة بل بمعنى اثبات الوجود . وتستكمل ثانيا بازمة الطوائف الاخرى على رغم مكابرتها على هذا الصعيد بان الخلل في التوازن من خلال فقدان الطائفة السنية مرجعيتها السنية اصابها في الصميم ولا تستطيع ان تقلع ايجابا في غياب المكون السني على رغم مخاصمتها للحريري او مساهمات بعضها في الحملات عليه لاقصائه او لتحجيمه لا بل ان ابتعاد الحريري بهذا المعنى لم يعد يوفر لها ان يكون واقي الصدمات فيتلقاها هو وحده فيما يختبىء افرقاء كثر وراءه . وينبغي الاقرار حتى بالنسبة لمن اعتبروا انه تم التخلص نهائيا من الحريري وانه ارتكب اخطاء سياسية بالغة ان الثغرة الاساسية راهنا ان في الدعوة الى الحوار الذي يلح عليها الثنائي الشيعي على قاعدة ان يكون الية عمل الموفد الفرنسي جان ايف لودريان من اجل اخراج الاستحقاق الرئاسي من ازمته تفتقر الى الحضور السني غير المبعثر عبر نواب لكل رأيه واتجاهاته وولاءاته كذلك على غير الثنائي الذي يشكل كتلة واحدة متراصة تفرض الفيتو عبر 27 نائبا وعلى غير القوى المسيحية ولو متعددة او الطائفة الدرزية مثلا المنضوية غالبيتها تقريبا تحت مظلة الحزب التقدمي الاشتراكي. فلا يمكن لاي ركيزة مستقبلية ان تنشأ في غياب الطائفة السنية او على حسابها . كما ان حوار احياء تفاهم مار مخايل بين التيار العوني و” حزب الله” والذي يراد اعطاؤه بعدا تأسيسيًا للمرحلة المقبلة سواء عبر وضع اليد على اصول الدولة او اقرار اللامركزية الموسعة يتخطى اطار الانتخابات الرئاسية وبغض النظر عن قدرته على فرض اجنداته على الاخرين من عدمها ، فانما يوجه رسالة عن ثنائية مسيحية ولو جزئيا مع الطائفة الشيعية من اجل رسم معالم المستقبل في لبنان وتوزيع الحصص في الدولة . والوجه الاخر لابتعاد الحريري ان الدول العربية الثلاث الموجودة على طاولة اللجنة الخماسية اي المملكة العربية السعودية ومصر وقطر تفتقد الى الالية التي يمكن ان تؤثر في الواقع السياسي من خلال الفراغ القائم سياسيا على الساحة السنية بالاضافة الى انها لا يمكن ان تكون هي بالذات شريكا للقوى السياسية الداخلية او راعية لتفاهم هذه القوى فيما هي عاجزة او غير راغبة حتى الان في بذل المساعي لحل اشكالية الفراغ السياسي لدى الطائفة السنية فيما ان لبنان تراجعت اهميته ولا تزال تتراجع في سلم اولويات الدول الخليجية والعربية في شكل عام . وبعض الدول العربية المعنية باتت في ظل الاستعصاء الداخلي ترى بوضوح امرين : اولا عدم جواز الانخراط الخليجي على نحو مباشر في الداخل اللبناني في وقت تلاحظ بقوة ان ابتعاد الحريري ادى الى فراغ لم ينجح احد في تعبئته او ان يحل محله وثانيا انه لا بد من معالجة هذه الثغرة بالبحث عن الوسيلة لاقناع الحريري بالعودة او دفعه من اجل القيام بذلك، ولو من ضمن الشروط التي تراها الدول الخليجية المعبر لعودة انخراطها السياسي في لبنان لئلا تكون هي في الواجهة ، ومن اجل اكساب الموقع السني القوة والحيثية اللتين ينبغي عليه القيام بهما بدفع من الدول الخليجية او العربية المعنية بالذات في اللجنة الخماسية . وتفيد بعض المعلومات ان بعض الدول لا ترى المقاربة السعودية نفسها للوضع في لبنان ولكن حساباتها الخاصة او اعتبارات مختلفة تمنعها من تظهير عدم اقتناعها بهذه المقاربة او العمل ضدها .
هذه الثغرة في الواقع السياسي تهملها القوى السياسية بحيث ينبغي عليها الدفع في هذا الاطار ولا سيما القوى المعارضة على رغم خوفها من ان الحريري قد يؤيد رئيس تيار المردة سليمان فرنجيه الذي تبنى ترشيحه في 2016 قبل ان يضطر الى العودة عنه تحت وطأة تفاهم معراب الذي ادى الى تأمين الدعم لميشال عون ولرفض فرنجيه من ” حزب الله” . في حين يرى كثيرون ان هذا الخوف غير مبرر لا سيما اذا كان سقف اللجنة الخماسية ومواصفاتها مختلفين. كما ان الطائفة السنية ولاسباب مصلحية تتعلق بعدد من النواب الذين يعتقدون ان الفرصة لا تزال امامهم للزعامة السنية ، يتعين عليها ان تدفع في هذا الاطار لدى الدول العربية والخليجية المعنية بعيدا من المصالح الشخصية بالاضافة الى الخلل المتزايد مع المزيد من دعم ايران ” حزب الله” سياسيا وبالسلاح كما كشفت شاحنة الكحالة قبل اسابيع قليلة فيما تتراجع او تقنن الدول الخليجية اهتمامها بلبنان الى الحد الادنى او الى درجة الانعدام الكلي. وتثق مصادر سياسية وديبلوماسية مراقبة بان النجاح الذي حققته قوِى سياسية في عدم انجاح المعادلة التي طرحتها باريس لانتخابات الرئاسة والحكومة كما الردود القاسية احيانا على الاسئلة التي وجهها لودريان الى عدد من النواب تظهر امكان تأثير الرأي العام السياسي والاعلامي في توجيه مسار الامور فيما لا توجه الرسائل المناسبة الى الدول الخليجية والعربية بالحماسة نفسها في هذا الاطار في ما يتعلق باعادة ترميم وضع الطائفة السنية والذي لن تنجح اعادة ترميم الواقع السياسي في لبنان من دون ترميم وضعها. ارتكب الحريري اخطاء ولكنه خرج وحده من الساحة السياسية فيما بقي كل الاخرين يمعنون في ارتكابات من دون محاسبة ولا مسؤولية فيما يستعدون لاقتناص ما بقي من مقدرات البلد ويرغبون في انخراط خليجي عبر اللجنة الخماسية لتغطية الواقع المختل سياسيا واقتصاديا وعلى كل المستويات .
*المقالات والآراء التي تنشر تعبّر عن رأي كاتبها*