كتبت النهار
مع اقتراب مرور عام على الفراغ الرئاسي، تشكل عودة رئيس مجلس النواب نبيه بري الى مربّعه الأول، أي الى الدعوة في خطابه بذكرى تغييب الإمام موسى الصدر إلى حوار كشرط لفتح مجلس النواب في جلسات متتالية لانتخاب رئيس جديد، نوعاً من المناورة ما لم تقترن بموقف جدّي بالاستعداد للتخلي عن مرشح “الثنائي الشيعي”. فحتى الآن لم نلحظ هذا الاستعداد، كما لم نعرف تفاصيل الدعوة، ولا جدول أعمال الحوار، ولا الغرض النهائي منه، وكيفية تقييم نجاحه من عدمه. أكثر من ذلك، لم نعرف ما الذي يعنيه بري بالدعوة الى جلسات متتالية لانتخاب رئيس. هل هي جلسات مشفوعة بتهريب النصاب متى شعر الثنائي الشيعي بأنه عاجز عن إيصال مرشحه، ويستشعر خطر انتخاب مرشح الفريق المقابل؟ أم هو يعلن باسمه وباسم حلفائه في “حزب الله” الالتزام بتأمين النصاب مهما كانت الظروف؟ هذه أسئلة مشروعة تحتاج الى أجوبة قبل الموافقة من عدمها. علماً بأن الدعوة التي أطلقها الرئيس بري تكشف نمطاً غير مستحب في مقاربة رئيس مجلس النواب في التعامل مع المؤسسة التي يرأسها، ويتصرّف وكأنها ملك خاص به وبحلفائه في “حزب الله”. هذا النمط تعكسه هذه الدعوة التي تخفي في طيّاتها نوعاً من الابتزاز لنصف مجلس النواب على الأقل، بمعنى أنه يعلن استعداداً (غير واضح بعد) لإطلاق سراح العملية الانتخابية، والسماح بتطبيق الدستور، في مقابل أن تحضر الكتل النيابية الى طاولة الحوار التي يدعو إليها. كل هذا في وقت كان فيه الموفد الرئاسي الفرنسي الوزير جان إيف لودريان يتحدث لشركائه في “الخماسية” عن أنه يحضر لجولات حوارية في بيروت قد لا تكون شاملة مرة واحدة، لكن يمكن أن تأخذ شكل مجموعة حوارات ثنائية، أو ثلاثية، أو رباعية، يُطرح فيها موضوع المواصفات الرئاسية، وشروط الذهاب الى تسوية رئاسية جديدة تخرج رئيساً في أقرب وقت. ومن هنا تساؤل الكثيرين في بيروت عن أهداف الرئيس بري من دعوته، وعن مدى التنسيق مع الفرنسيين في الأمر. فهل استشعر الثنائي أن حوارات لودريان كانت ستؤدّي الى إضعاف موقع مرشحهما، وبالتالي الى انقلاب باريس النهائي على تعهداتها السابقة لـ”الثنائي” بدعم حملة سليمان فرنجية الرئاسية؟ هذه نقاط لا تزال غامضة. لكن عودة لودريان المقررة حتى الآن الى بيروت في مطلع الأسبوع المقبل، قد تصبح غير ذات فائدة مع دخول بري حلبة المنافسة “الحوارية” مع الموفد الفرنسي! هذا علماً بأن الرئيس إيمانويل ماكرون كان قد أسرّ قبل عشرة أيام على هامش مؤتمر السفراء الفرنسيين في الخارج في قصر الإليزيه الى بعض الصحافيين المقربين منه ما مفاده أنه بالرغم من العقبات التي تعترض مبادرته في لبنان، فإنه “متفائل” بأن الوضع سيتحسّن قريباً!
في مطلق الأحوال، فإن من المنطقي التذكير بأن مفتاح الحل في ما يتعلق بالاستحقاق الرئاسي، هو أن ينزل “الثنائي الشيعي” عن “شجرة” ترشيح شخصية موالية لهما بالكامل ولخطهما المحلي والإقليمي. وهنا يمكننا أن نجازف بالقول بأن إيصال مرشح “الثنائي الشيعي” بتسوية مع “التيار الوطني الحر” أو من دونها، لن يقترن بدعم عربي، بل على العكس من ذلك ستتكرر تجربة الرئيس السابق ميشال عون بشكل أقسى.