في أيار 2021 بدأ العمل بمنصة “صيرفة” بموجب تعميم من مصرف لبنان حمل الرقم 157، وذلك لضخ الدولار بالسوق على سعر أقل من السوق الموازية واعتماده قاعدة لتحديد كيفية احتساب الرسوم الجمركية ولسحب رواتب الموظفين في القطاع العام من المصارف.
وبعد انتهاء ولاية حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة، وعد الحاكم بالإنابة وسيم منصوري ونوابه منذ ما قبل تسلمهم مهامهم، بتعليق العمل بمنصة “صيرفة” واستبدالها بمنصة جديدة أكثر شفافية تتمتع بمواصفات عملية، على أن تشكّل خطوة جدية في سبيل توحيد أسعار الصرف في المرحلة المقبلة وإيقاف النزف الحاصل باحتياطات مصرف لبنان.
وفي هذا الإطار، كشف منصوري في حديث صحافي أمس الإثنين ان “المصرف المركزي ينوي توفير منصة تداول جديدة من خلال بلومبرغ”، موضحا ان “هذه المنصة ستسهّل التداول وقلب الليرات إلى دولار، ما يعني أنّه يصبح بإمكان الدولة دفع كلّ التزاماتها بالليرة ولجوء من يريد قبضها إلى هذه المنصة”.
من جهته، اقترح الأمين العام لجمعية مصارف لبنان الدكتور فادي خلف ان “تكون بورصة بيروت هي الحل لتأمين التداول الطبيعي بالدولار عبر طرق شفافة وسهلة وفي فترة قصيرة جداً.”
وأشار خلف إلى ان “خصوصيات سوق الدولار في لبنان تتطلب تعديلات كبيرة على المنصات العالمية قد تأخذ وقتاً كما تتطلب فترة تجربة وتدريب قد تطول، في حين ان بورصة بيروت مربوطة بعدد لا بأس به من المصارف التي تدرّب موظفوها على مدى عقود من الزمن على استعمال تقنياتها من دون أي شوائب ولا حاجة لإضاعة الوقت بفترات من التدريب والاختبار.”
إذا يبدو ان استبدال منصة “صيرفة” بمنصة إلكترونية جديدة بات قريباً، فهل سيكون هذا الأمر سهل التنفيذ؟
خبير المخاطر المصرفية الدكتور محمد فحيلي اعتبر في حديث لـ” لبنان 24″ ان “القطاع المصرفي يعيش حالة إنكار وهذا أمر مؤسف”، مشيرا إلى ان “ثقة المواطن والمودع اللبناني مفقودة بكل المنظومة المالية، وبالتالي فالممر الالزامي لعودة الحياة عما كانت عليه سابقا تكون من خلال إطلاق عجلة إعادة ترميم الثقة بين هذين الطرفين”.
وشدد على ان “الثقة بالقطاع المصرفي سواء أكانت بمصارف تجارية أو بمصرف لبنان مفقودة نهائيا حتى بعد استلام نائب الحاكم الدكتور وسيم منصوري الحاكمية بالإنابة حيث لم يحصل أي تغيير وهو يقوم بإطلالاته الإعلامية بتوصيف المشكلة الاقتصادية والمالية والنقدية التي نعيشها والتي بات كل مواطن لبناني يعي تماما طبيعتها”.
وعن إمكان ان تكون بورصة بيروت بديلا عن منصة “صيرفة” ، لفت فحيلي إلى “ان بورصة بيروت في السابق كانت تواجه مشاكل تقنية عديدة إضافة إلى وجود مشروع لتجديد الإطار التقني لها ولكنه باء بالفشل”، مضيفا: “هيئة مراقبة الأسواق المالية كان لها أيضا محاولات عدة لتأمين الإطار القانوني لتوسيع رقعة التداول في بورصة بيروت ولكنها فشلت أيضا، كما ان مصرف لبنان لم يهتم كثيرا بهيئة مراقبة الأسواق المالية”.
وأوضح فحيلي ان “التداول عبر بورصة بيروت ضعيف لأن الإطار القانوني مفقود وبالتالي أصبح التداول فيها فقط لأسهم “سوليدير” ولعدة مصارف”، مؤكدا ان “التداول في بورصة بيروت خجول جدا حتى في فترة ما قبل الأزمة المالية”.
وتابع: “كل التداول الذي كان يتم عبر أسهم سوليدير كان مركبا أكثر مما هو نتيجة تبادل حر ، قائم على العرض والطلب للاسهم”، مشددا على ان “الطريقة الوحيدة المقبول التسديد بها لأي نشاط اقتصادي هو عبر الأوراق النقدية”.
وأكد فحيلي انه “حان وقت إطلاق عجلة ترميم الثقة ومعرفة من هي المصارف التي لم تمتثل لأحكام التعميم الأساسي لمصرف لبنان رقم 154 الذي هو الممر الالزامي لأي قانون لاعادة هيكلة القطاع المصرفي”، لافتا إلى ان “المصارف هي أكبر المستفيدين من غياب الشفافية على منصة “صيرفة”.
وجدد التأكيد على ان “الأرضية التقنية والقانونية غير متوفرة ببورصة بيروت للتداول بالعملات الأجنبية، كما ان وسائل الدفع والتسوية غير متوفرة اليوم في بورصة بيروت للتداول بالعملات الأجنبية، لأن المواطن اللبناني كمؤسسة او كفرد متداول يريد ان يدفع نقدا وان يقبض نقدا.”.
ولفت إلى ان “قسما كبيرا من التجار الذين يطلبون الدولار ومن الصرافين الذين يتداولون بالدولار يقومون بكل ما في وسعهم لتفادي التصريح عن حجم او طبيعة عملياتهم للسلطات الرقابية، علما ان الصرافين من فئة “أ” و”ب” هم مضطرون للتصريح للجنة الرقابة على المصارف كل أسبوع أو أسبوعين ولكن لا أحد يلتزم بذلك أو يصرّح بشفافية وأكبر دليل على ذلك ان مصرف لبنان بدأ منذ عدة أشهر باستدعاء البعض منهم ولكن لا إلتزام بالتصريح وحتى المصارف التجارية لا تُصرح عن حجم عملياتها ولاسيما ما يتعلق بالأوراق النقدية سواء بالليرة اللبنانية او الدولار لهذا السبب نشهد اليوم طلبا إضافيا على الأوراق النقدية والتداول بها لأنها الوسيلة الأنسب والأسهل بسبب غياب الرقابة لتفادي التصريح ودفع الضرائب التي قد تكون متوجبة على حجم العمليات .”
وشرح فحيلي ان “الجزء الأكبر من النشاط الاقتصادي اليوم في لبنان هو نشاط غير رسمي أي غير مصرّح عنه وهذه هي المشكلة، وتابع: “إذا اعتمدنا منصة بلومبرغ كما صرّح منصوري بالأمس تصبح الجهات الرقابية سواء مصرف لبنان او لجنة الرقابة او وزارة المالية على علم بمداولات التجار والمصارف، كما ان العديد من المصارف استغلوا منصة “صيرفة” وشكلوا مخزونا مهما بالدولار الأميركي على سعر دولار مدعوم.”
وأكد فحيلي انه “قبل اتخاذ أي خطوة مُماثلة يجب الذهاب باتجاه إعادة الهيكلة وتوفير أجواء لممارسة الحوكمة الرشيدة لإدارة المؤسسات التجارية وإعادة هيكلة المصارف التجارية ومصرف لبنان ضمنا وتنظيم العلاقة بين المودع والمصارف التجارية وإعادة الانتظام للعمل المصرفي في لبنان”، وقال: “إذا لم تتوافر هذه العوامل كل منصات العالم للتداول بالدولار لن تُجدي نفعا ولن تثني عن التداول بالأوراق النقدية لأن هذا هو الملاذ الآمن لكل التجار لأن معظمهم من المُحتكرين والمُضاربين ولن يتخلوا عن هذه القوة الإضافية التي منحهم إياها فقدان الثقة بالقطاع المالي والمصرفي في لبنان، كما يجب الالتزام بقانون مهنة الصيرفة وتفعيل وتمكين الجهات الرقابية للقيام بعملها”.
إذاً استبدال منصة “صيرفة” بمنصة جديدة، تشكّل لا شك خطوة جدية في سبيل توحيد أسعار الصرف في المرحلة المقبلة ووقف النزف الحاصل باحتياطيات مصرف لبنان التي لا تزيد عن 9 مليارات دولار، بحسب التقارير الرسمية، ووضع حد للخسائر المتراكمة في ميزانيته، الا انها محفوفة بالمصاعب فهل ستنجح هذه الخطوة في حال تحققت؟