كتبت النهار
لا يحتاج الاهتراء المالي والاقتصادي والاجتماعي الذي يسابق المخاوف من انفراط سياسي أوسع واحتدام أشد خطورة من كل ما سبق هذه الأزمة المتحولة الى أزمة وجودية بكل المعايير الى كثير عناء لدق أجراس الإنذارات ما دامت هذه “النغمات” لم تعد تلقى سامعين فكيف بالمعالجين. فالشحّ المالي في خزينة مصرف لبنان وبقايا الاحتياط الآخذ بالذوبان الذي يرفض حاكم المصرف بالإنابة عن حق دفع دولار واحد أو ليرة واحدة منه للدولة، ليس مأمون الصمود لأكثر من فترة لا ندري كم سيكون ممكناً التمادي بها أمام الضغوط الهائلة التي ستتصاعد تباعاً وهي بدأت واقعياً وستتّخذ منحى متدحرجاً كلما طالت الأزمة السياسية وتفرّعت الى فراغات إضافية. والشح البالغ حدود الإفلاس في الدولة كلاً لا يدفع إلا الى توقع تركيبات هجينة ستلجأ إليها الحكومة والسلطة في محاولاتهما المضيّ في ملء فراغ الدولة ورئاستها بما يلزم من نماذج إقفال وفتح وتعليق قطاعات تدرّ عادة أموالاً على خزينة خاوية ومع ذلك تسجّل راهناً أسوأ إدارة على الإطلاق لهذه القطاعات من مثل ما يجري حيال دائرة “الميكانيك” وكل ما يماثلها من مؤسسات وقطاعات يمكنها أن تملأ الخزينة بالرسوم والضرائب وحقوق الدولة في مقابل دولة تقدّم العطاءات والخدمات البديهية لدافع الضرائب والرسوم.
نطل على مشهد شديد القتامة بدءاً بإنذارات وزارة الطاقة في صراعها مع رئاسة الحكومة ومع لجنة وزارية غدت هي وسواها من اللجان الوزارية أشبه بمجالس وزراء مصغرة تتعارك فيها مكوّنات الحكومة بمن حضر، وموضوع الصراع “ليس حبّتين” بل بواخر الطاقة وما أدراك ما البواخر وما وراءها وما أمامها على غرار الإطاحة قبل أيام ببواخر فيول راسية استعداداً لإفراغ الحمولات الثمينة من الذهب الأسود. طارت البواخر وحضرت الإنذارات الجديدة بالعتمة الشاملة وكأننا قبل وبعد كنا في جنّة مشعشعة بكهرباء الدولة ولم نكن وما زلنا وسنبقى حتى إشعار آخر لعقود تحت رحمة مافيات أصحاب المولدات الذين سيكونون يوماً أصحاب كراسي التمثيل النيابي بالعشرات! ومن قال إن حرب الفيول والطاقة في زمن الأمل المفتوح على التنقيب الجاري في بحر البلوك الرقم 9 ستتوقف إذا بشرونا بعد أقل من شهرين بالعثور على الحلم المكتنز بكميات وافرة؟ هذا شيء وهذا شيء آخر ولا يغني وعد بتحويل لبنان الى بلد منتج للغاز والنفط عن “طبيعة أصلية” في تركيبة الطبقة السياسية لا تتنفس إلا بالصفقات ومعارك الصفقات. ولو كان الأمر غير هذا لكان لبنان شارل مالك وشرعة حقوق الإنسان أقرب الى البلدان الاسكندينافية ولما عرف كوارث وحروباً وأزمات لا تنتهي.
سيعلو الضغط تباعاً حين تتّسع خطورة فقدان الأدوية ولا سيما منها أدوية الأمراض المزمنة والأمراض السرطانية كما حين تقتحم يوميات الناس كل أنواع الافتقار الى ضمانات الاستشفاء والطبابة التي تشهد في يوميات اللبنانيين ما تقشعر له الأبدان. ولن نبحر أبعد في ملف هو الأخطر إطلاقاً، مع التوثيق اليومي الذي يسجله الجيش حول مكافحته للتهريب عبر الحدود الشرقية تحديداً وخصوصاً لجهة تسلل ألوف السوريين الى لبنان. تتصاعد أعداد الموقوفين بما يعني أن أضعاف أضعافهم ينجحون في التسلل.
كل ذلك والأنغام تدور حول رتابة قاتلة من ملفات سياسية غير قابلة للحل ولا حلول مرئيّة تترصدها. فكيف تراهم سيقنعون اللبنانيين بأن لفحات أيلول وتشرين ستحمل ما يعاكس هذه الأنواء؟