صحيفة الأخبار*
في جلسة الاستماع إلى مدير التنظيم والتخطيط في مصرف لبنان رجا أبو عسلي، بصفة شاهد أمام المحققين الأوروبيين في 3/5/2023، أدلى الأخير بإفادة مناقضة تماماً للخلاصات التي تجمّعت لدى القضاء اللبناني خلال التحقيقات التي أجراها القاضي جان طنوس، ولتلك التي تجمعت لدى القضاء الأوروبي. «الأخبار» تنشر بعض ما جاء في إفادة أبو عسلي استناداً إلى محضر التحقيقات الذي حصلت على نسخة منه.
في بداية الجلسة، عرّف أبو عسلي عن نفسه بأنه موظف في مصرف لبنان برتبة مدير تنفيذي، يتبع مباشرة للحاكم، ويتولى مديرية التنظيم والتطوير التي تعمل على التنسيق بين مختلف الدوائر في المصرف والجهات الخارجية. وأوضح أنه بدأ عمله في مصرف لبنان عام 1993 مع تولّي رياض سلامة منصب الحاكم، وشغل منصبه الأخير منذ عام 2000.
ورداً على سؤال جاء فيه أن مدير القطع السابق في المصرف نعمان ندور أفاد أمام النيابة العامة التمييزية بأن أبو عسلي «أكثر قدرة منه على الإجابة عما يتعلق بشركة OPTIMUM INVEST»، أجاب أبو عسلي بأن «لهذه الشركة التي يديرها أنطوان سلامة دورها في إدارة عمليات البيع وإعادة الشراء بالنسبة إلى السندات، استناداً إلى عقد وقّعته مع مصرف لبنان عام 2014، بناءً على قرار من المجلس المركزي». وأضاف أن «العمل بموجب العقد استمر حتى عام 2020، وبلغ حجم التداول نحو 65 مليار دولار، نتجت منها أرباح لمصرف لبنان بحوالي 195 مليون دولار، وحققت الشركة 180 مليون دولار وفقاً لمخصصاتها المنصوص عنها في العقد، وهذه المخصصات تندرج في إطار العمولة لإدارة هذه المنصة».
وكرّر أبو عسلي أن أنطوان سلامة «هو الذي يمثل الشركة في التعامل اليومي مع المصارف، وليس مع مصرف لبنان»، وأن لدى الشركة «غرفة تعامل، فيها عدد من الموظفين يقومون بالتعامل مع المصارف».
ولدى سؤاله عن علاقة سلامة بندي سلامة، نجل الحاكم السابق، إذ أبلغه المحقق أنه «تم ضبط صورة هوية أنطوان سلامة في الخزنة العائدة لندي سلامة في بنك روشيليو في موناكو، فهل لديك تفسير؟ «نفى أبو عسلي علمه بالأمر أو بوجود علاقة بين أنطوان سلامة وندي سلامة».
ورداً على أسئلة تتعلق به، قال إن لديه حساباً شخصياً بالليرة اللبنانية في مصرف لبنان أسوة بكل موظفي المصرف، وحساباً في بنك الموارد «بدأت العمل به عام 2015 لتنويع أماكن الاحتفاظ بمدّخراتي وأقفلته عام 2022 بسبب الظروف السائدة، ونقلت حسابي من بنك الموارد إلى LEE BANK، وهو مصرف لبناني استثماري».
وسئل أبو عسلي: ورد في إفادة ندور بأن مديريتك مسؤولة عن إهدار سندات الخزينة؟ فأجاب: «الدولة اللبنانية تصدر السندات بالنسبة إلى العملات الأجنبية، أما بالنسبة إلى العملة اللبنانية، فإن العمليات المالية في مصرف لبنان، بصفتها وكيلة عن وزارة المال، هي التي تُصدر السندات بالعملة الأجنبية». وأوضح أن «وزارة المال تصدر القرار بإجراء إصدار وتحدّد حجمه، وتكلف مصارف تجارية أو استثمارية لتسويق الإصدار، ويقوم مصرف لبنان بقبض ثمن الإصدار من المشترين ويقوم بإيداعها في حساب الدولة اللبنانية في مصرف لبنان». وأضاف «أن دور مصرف لبنان في جميع العمليات هو وكيل اكتتاب بالنسبة إلى الليرة اللبنانية. أما بالنسبة إلى اليوروبوند، فيحصل تنسيق بين وزارة المال والمصرف المركزي بغية تحديد حجم الإصدار بشكل دقيق. لكن القرار لليوروبوند يبقى لوزارة المالية، التي تنسّق مع المصرف المركزي لتحديد حجم الإصدار بشكل دقيق. والأموال المحصلة من بيع هذه السندات تودع في حساب الخزينة حصراً، ولا يتم اقتطاع أي عمولات».
وفي سياق متصل، قال أبو عسلي عن حق مصرف لبنان في اقتطاع عمولة «إن الأمر يخضع لقرارات المجلس المركزي، وعادة تتضمن قرارات المجلس قيمة العمولة، لأن هذه السندات أصبحت ملكاً لمصرف لبنان، ويحق للمصرف ما يقرر بشأنه، ووزارة المال على علم بجميع قرارات المجلس المركزي بما فيها اقتطاع العمولة. إذ تتبلغ عبر مفوض الحكومة كل هذه القرارات».
وعما إذا كانت وزارة المال تعلم بالعمولات المقتطعة من قبل مصرف لبنان، قال أبو عسلي «إن جميع العمولات اتُخذت فيها قرارات في المجلس المركزي، وهذه القرارات أُبلغت إلى وزارة المال عبر مفوض الحكومة. والعمولات كانت تُقيّد في حساب خاص اسمه حساب العمولات. أما لمن تُدفع وكيف فلا أعرف».
وبشأن العمولات العائدة لشركة OPTIMUM، قال إنها «لا تذهب إلى هذا الحساب. بل تقتطع مباشرة». وعن تفسيره لكيفية تحديد قيمة أرباح OPTIMUM الناتجة عن العمولات، وإنها بلغت 180 مليون دولار، ولم تكن تودع في حساب، قال أبو عسلي «إن نسبة العمولة محددة بالعقد، والأرباح هي الفارق بين سعر البيع والشراء، وإن مدققي المراقبة في مصرف لبنان يقومون بالتدقيق».
سُئل: كلّ المستمع إليهم أمام التحقيق الأوروبي أفادوا بأن كل البنوك التجارية كانت تدفع عمولة لمصرف لبنان بشكل مخصّص فلماذا؟ فأجاب أن «قرارات المجلس المركزي المتوالية كانت تتضمن اقتطاع نسبة من العمولة ولا أعرف بالضبط سببها، لكن أعتقد أنها لقاء استقطاب المستثمرين لشراء الإصدارات والتعريف عن الإصدار وتسويقه».
وفي ما يتعلق بشركة «فوري»، قال أبو عسلي إن «كل معلوماتي عنها مصدرها وسائل الإعلام في الفترة الأخيرة. لكن خلال عملي في مصرف لبنان لم يكن لي أي تعاطٍ أو علم بشركة فوري أو من يملكها.، كما لم يحصل أي حديث بيني وبين الحاكم عن هذه الشركة أو مستحقاتها أو ممثلها أو مالكها».
خلال عملي في مصرف لبنان لم يكن لي أيّ علم بشركة «فوري» أو تعاطٍ مع من يملكها
ولما قيل له إن الحديث عن «فوري» تعدى النطاق الخاص ليدخل ضمن نطاق عمله في مصرف لبنان، كرر أبو عسلي أن الحديث عن الشركة «اقتصر على المعلومات الصحافية فقط. ولم أناقش هذا الموضوع لا مع الحاكم ولا مع أي مسؤول عن الشركة، وقبل حديث وسائل الإعلام لم أعلم بوجودها، وما أعلمه أن التعاقد بين مصرف لبنان وهذه الشركة حصل بناءً على قرار المجلس المركزي».
وقال أبو عسلي إنه يعرف رجا سلامة شقيق الحاكم «منذ زمن بعيد، وقبل دخولي إلى مصرف لبنان. ومعرفتي به تجارية واجتماعية، وليست بيننا علاقة عمل، ولم يخبرني رجا سلامة عن علاقته بشركة فوري لأن علاقتنا مقطوعة منذ حوالي 15 سنة بسبب ظروف الحياة وليس بسبب أي خلاف».
ورداً على سؤال حول سبب دفع وزارة المال عمولات لمصرف لبنان، طالما أنها هي التي تقرر الإصدارات بالعملة الأجنبية. أجاب أبو عسلي «أن بيع الإصدار في السوق الأولية لا تتوجب عليه عمولات، بل تتوجب العمولات فقط في السوق الثانوية، أو عند تسويق الإصدارات التي تتم لسداد ديون الدولة تجاه مصرف لبنان، وفي العادة لا توجد عمولات في السوق الأولية عند الإصدار. لكن العمولة أمر متعارف عليه في السوق الثانوية وتُقتطع من البائع والشاري. ولا أتصوّر أن مصرف لبنان دفع أي عمولة».
ونفى أبو عسلي علمه بأي عمولة تخص شركة «فوري»، وعزا الأمر إلى «أن هذا النشاط خارج اختصاصي العملي، ولأنني لم أكن عالماً بحجم العمليات، وبالتالي لم تسترعِ انتباهي لأدقق أكثر في الموضوع، وهي لا تدخل ضمن نطاق عملي».
سئل: كيف تعلم بأمر OPTIMUM INVEST التي تقاضت عمولات أقل بكثير من العمولات التي تقاضتها شركة «فوري»؟
فأجاب: «كنت أعلم بالعقد الموقع بين OPTIMUM ومصرف لبنان بحكم عملي، أما عقد فوري فلم أطّلع عليه رغم أنني كنت في مهام مالية عند توقيع شركة فوري. وهناك اختلاف بين العقدين. العقد مع OPTIMUM يعني بالبيع وإعادة الشراء في السوق الثانوية وهذا يدخل ضمن نطاق عملي بالتنسيق مع مديرية العمليات المالية التي تنفذ هذا النوع من العمليات. أما عقد فوري فهو عقد تسويق على ما يبدو، ولا يخضع للتنسيق عبر دائرتي».
وعن تحويل العمولات الخاصة بـ«فوري» من العملة اللبنانية إلى الدولار، وهل كانت هذه الخدمة مجانية. رد أبو عسلي: «أعتقد أن مثل هذا التحويل يتم في مديرية القطع مجاناً، وأعتقد أن مديرية القطع تعامل جميع المصارف بالطريقة نفسها. والأرباح هي الفرق بين الشراء والمبيع ولا تقتطع أي عمولة فوق ذلك».
عندها قيل له إنه في إفادة نعمان ندور أمام التحقيق الأوروبي «أفاد بأنك كنت تبرم العقود مع المصارف في ما يتعلق باليوروبوند، ويوسف خليل بالعملة اللبنانية، فلماذا تقبض فوري العملات؟ فأجاب أبو عسلي: «كنت أقوم بتثبيت العقود بالعملات الأجنبية مع المصارف وفقاً لقرار المجلس المركزي، ثم أحوّل العملية إلى مديرية القطع للتنفيذ. وكل مهمتي تنحصر بتنفيذ العقد لناحية تحديد السعر وفقاً لقرار المجلس المركزي ولا أقوم بأي عملية تسويق». فرد عليه المحقق: «لكن ندور يقول إنه ينفذ تحويل العمولات إلى حسابات العمولات بناءً لتعليماتك أو تعليمات الحاكم؟»، فرد أبو عسلي: «أنا متأكد بأنه لا يمكن أن ينفذ بناءً لتعليماتي. وربما يفعل ذلك بناءً لتعليمات الحاكم، لأن مديرية القطع هي التي تنفذ العمليات بما في ذلك اقتطاع نسبة العمولة، ولا يمكنني أن أعرف قيمة وتاريخ دفع هذه العمولة ولمن».
وقال المحقق لأبو عسلي: سأذكر لك بعض الأسماء لتحديد إذا التقيت بهم شخصياً وفي أي سياق وما هي الشركات العائدة لهم وارتباط هذه الشركات؟
1- ندي سلامة: «أعرفه كونه ابن الحاكم، وبسبب فارق العمر لا توجد أي علاقة معه».
2- مروان عيسى الخوري: «هو ابن شقيقة الحاكم ومعرفتي به بسيطة».
3 – رجا سلامة: «شقيق الحاكم ومعرفتي به قديمة، وهي معرفة اجتماعية ولم يحصل أي تواصل بيننا منذ 10 سنوات على الأقل (كان قد صرح قبل نصف ساعة بأنه قطع علاقته به قبل 15 سنة)».
4 – آنا كوزاكوفا: «لا أعرفها ولم أسمع باسمها إلا في وسائل الإعلام أخيراً».
5 – نبيل عون: «أعرفه من خلال شركة FIDUS المالية ولا يوجد تواصل بيننا منذ أكثر من 10 سنوات، وفي الأصل كانت معرفتي به في نطاق العمل حصراً».
6 – ميشال تويني: «محام لمصرف لبنان، ومعرفتي به محصورة عند مشاهدتي له في المصرف المركزي، ومقتصرة على السلام. وربما لديه أعمال قانونية مع بعض زبائنه في المصرف، لكنه قطعاً ليس ضمن الدائرة القانونية لمصرف لبنان».
7 – ماريان حويك: «زميلة لي في المصرف منذ عام 2005 أو 2006 وهي رئيسة وحدة المكتب التنفيذي في مصرف لبنان التابعة مباشرة للحاكم. وتُعنى بتنفيذ ما يكلفها به الحاكم إضافة إلى المهام التي تنص عليها مذكرة إنشائها من الحاكم والمجلس المركزي».
8 – عبدو جفي: «معرفة اجتماعية متباعدة قبل وفاته، ولا علاقة مهنية بيننا».
وفي شأن مركز الطوارئ الخاص بمصرف لبنان الموجود في باريس، قال أبو عسلي إنه لا يعلم عنه، ولا يعرف أن المباني المؤجرة في باريس عائدة لرياض سلامة، وحالياً لابنته إليزابيت «ولا أعرف أن الشركة تديرها والدة اليزابيت». كما نفى علمه بأن المجلس المركزي صادق على العقد مع شركة ESIVIS».
وعما إذا كان يعتقد بوجود تضارب في المصالح بين أن يكون رياض سلامة حاكماً لمصرف لبنان ويستأجر عقاراً مملوكاً من والدة ابنته. رد أبو عسلي: «إذا كانت الكلفة مبالغاً بها، قد يكون ذلك صحيحاً. ولكن ليس لدي أي تفاصيل. وأؤكد أننا كنا نقوم باختبار كل شهرين أو ثلاثة لفحص صلاحية المركز في باريس لتجربته في حالة الطوارئ فنطفئ الأجهزة في بيروت ونشغلها في باريس للتأكد من حُسن التشغيل».
وعن دور ألان بيفاني بين عامَي 2002 و 2016 في مصرف لبنان لناحية التفاوض بينه وبين وزارة المال، قال أبو عسلي إن بيفاني «كان عضواً في المجلس المركزي المؤلف من الحاكم ومن المديرَين العامَين للاقتصاد والمال وأربعة نواب للحاكم، ولا يكون الاجتماع قائماً إلا بحضور المدير العام لوزارة الاقتصاد والمدير العام لوزارة المال. وهو حكماً كان عضواً في المجلس المركزي وكانت المفاوضات تتم عبره لأنه يجمع الصفتين: المدير العام لوزارة المال وعضو المجلس المركزي فكان همزة الوصل طبيعياً». وسئل: هل يمكن في تلك الفترة أن يكون بيفاني قد كلف أحداً آخر للتفاوض بين مصرف لبنان ووزارة المال، فرد أبو عسلي: «بحسب علمي، لا أعتقد أنه تم تكليف أحد آخر بالمفاوضات».