كتبت النهار
أثارت “إعجابنا” نباهة بعض القوى الداخلية في توصيف موجات “التسلل” الجديدة للسوريين الى لبنان بأنها “نزوح اقتصادي”، أي على خلفية التدهور الاقتصادي المخيف الذي بلغته الأوضاع في سوريا والتي تقارب أو هي فعلاً بلغت حدود المجاعة. ولأن الأيام الأخيرة والأيام الطالعة وما بعد بعد الطالعة تنذرنا بأن مجمل القوى والزعامات والأحزاب والكتل والنواب المستقلين وغير المستقلين مع سائر الأمة التي كانت يوما موحدة تحت لواء الوطن لبنان سوف ينصرفون بكل الجوارح والإعلام العاتي المحموم الى فرضية الحوار من عدمه والانتخاب الوشيك من عدمه وحوار بري أو حوار لودريان…
لمجمل هذه المعطيات الوجيهة التي تتغذى بالمغريات التي بدأت عين التينة تطلب من مفوّهي زوارها ان يسرّبوها علَّ المعارضة العنيدة النكدة صاحبة الرأس المتيبس تلين قناتها وتقتنع بأن حوارا ولو شكليا لسبعة أيام لا يلحظه الدستور ولا يلحظ أساسا أي حوار شرطاً لانتخاب البائس الذي سيصير رئيسا لِما كان يوما جمهورية لبنان التي سبقت وتسابق سوريا الآن في طرق الفقر والمجاعة…
لهذه الحيثيات التي يزيدها تشويقا وتوهّجا تسريب لقاء يوصف بأنه سرّي فيما لا يبقي تسريبه مكانا لسترٍ مغطى عن “حوار” رئاسي سرّي اجراه ممثل مرشد الجمهورية اللبنانية وكبير نوابه محمد رعد مع قائد الجيش الجنرال جوزف عون فيما يبتهج جبران باسيل ببلوغ “حواره” الثنائي الرديف مع “حزب الله” القاطرة مراحل متقدمة…
لهذا ولغيره من الدوافع والأسباب التي تستعجلنا التنبيه الى عامل الوقت الذي فات سواء في ازمة الرئاسة التي لم نعد ندري كم لا تزال تعني صناعة مستقبل لبنان ما دام عرضة لكل هذا التشويه الدستوري والتلاعب بالمرشحين وتصويرهم دمى أين منهم دمى نظام حافظ الأسد وبعده بشار أيام الوصاية والترهيب وبعدها حرب الاغتيالات…
لهذا نسارع بذعر الذين شاهدوا في الأيام الأخيرة بأمّ العين مشاهد مصوّرة حيّة من عمليات الاجتياح الجديد، لألوف السوريين ليس في نطاق فردي أو جماعات بل في نطاق هجرة مرعبة لعائلات ونساء وأطفال ورجال وشباب لا يجدون امامهم سوى تجار التهريب ملجأ للفرار من جهنم بشار الأسد واستغلال الحدود السائبة المسيّبة المفتوحة الى جنة الانهيارات الشقيقة في لبنان.
نقول أي رئاسة اذا عادت، واي جمهورية وهي ذهبت شتات الفساد والاحتلالات والتبعيات والسلاح وهجرة النخب اللبنانية من كل الطوائف والمناطق، ولكن قرع أجراس النفاق الجديدة حيال هذه المهزلة المسماة حوارا على عتبة انفجار اشد خطورة من انفجار الانتشار الأول للنازحين السوريين بعدما فشلت الجمهورية اللبنانية بطواقمها السياسية كلها آنذاك في إقامة الخطط العاجلة والسريعة لاحتواء أعداد معقولة منهم كما فعلت تركيا والأردن وكانت الكارثة المتدحرجة؟
إن الفارق الوحيد بين اشد الخطايا المرتكَبة بحق لبنان في “اتفاق القاهرة” الذي كان المذبحة الأولى للسيادة والأمن التي أدت الى اشعال الحرب في لبنان والنزوح “السياسي – الأمني” ومن ثم “الاقتصادي” للسوريين الى لبنان واغراقه بملايين السوريين تباعا، هو العنصر الديموغرافي فقط وكل ما عدا ذلك آيل الى انهاء الهوية والوجود اللبنانيين بلا اي جدل. ترانا اذاً نتساءل اين بقايا البقية من سلطات وسياسيين ومسؤولين وأجهزة عسكرية (رغم الجهود المشهودة للجيش) وامنية وبلدية من اجتياح ينذر بتقويض ديموغرافي واقتصادي واجتماعي لم يعرف مثيله بلد في العالم؟ وما قيمة كل الثرثرة الجوفاء الجارية فيما الاجتياح في أشد موجاته عتوّاً؟