كتبت النهار
يسجل لمدينة صيدا، التي “تستضيف” على أرضها أكبر المخيمات للاجئين الفلسطينيين منذ نكبة فلسطين عام 1948، والتي تتبارى قواها السياسية والاجتماعية في مفردات دعم القضية الفلسطينية وجعلها حجر الرحى حتى في التموضعات والتحالفات والخصومات، أنها سارعت البارحة الى مبادرة تحمل رمزية ودلالات سياسية و”قومية” بارزة، إن كان من لا يزال يأخذ بهذا البعد “القومي”. ذلك أن رفض صيدا تلقائياً لنصب مخيم “موقت” لنازحين من مخيم عين الحلوة كان أفضل ما يختصر ما بلغه “النبض” اللبناني عموماً، في أي بيئة من بيئاته المناطقية والسياسية والطائفية و”الأيديولوجية” إذا جاز التعبير، حيال ما بات يشكل أسوأ عمليات “الترانسفير” الديموغرافي سواء وافق كثيرون على هذا التوصيف أو اعتبروه “عنصرياً”. تخيلوا مع كل الكوارث المنهالة على رؤوس اللبنانيين من دواخل أزماتهم ومن انهيارهم الاجتماعي الذي يتقدمون عبره الى مرتبة الشعب الأشد فقراً في العالم، أن تنفجر مجدداً كوارث تسلسلية لفوائض اللاجئين والنازحين والمتسللين السوريين والفلسطينيين سواء بسواء بفعل مؤامرات تديرها أيدي وغرف عمليات قذرة من الإقليم لاستباحة البقية الباقية من سيادة لبنانية متآكلة وفتات عافية لا تكفي النسبة الأشد ضآلة للبنانيين أنفسهم فكيف بـ”الضيوف” المنفجرين ديموغرافياً على أرض لبنان.
تدير الجماعات الأصولية في مخيم الحلوة فصلاً هو الأشد قتامة في تجسيد “خردة المؤامرات” وخردة المرتزقة لتصفيات تتصل بأبعاد فلسطينية كما عربية كما إقليمية ولم تعد تجد من يردعها لا من داخل القوى الفلسطينية ولا من القوى اللبنانية الشرعية بطبيعة الحال بما يعني تحويل هذا المخيم الى بؤرة دائمة الجاهزية لأمر ولا أغرب وهو “تزاوج” مؤامرة التوطين الفلسطيني مع الكارثة العاتية للنزوح السوري وما أدراك ما يعني هذا التزاوج؟ وإذ لا ننتظر أو نعوّل كثيراً، وعسانا نكون مخطئين، من مجلس الوزراء الاستثنائي الذي سينعقد اليوم للنظر في كارثة التدفق السوري الجديدة – القديمة، ترانا نتساءل: هل يراد للبنانيين أنفسهم، بأيديهم واللحم العاري، أن ينبروا هم الى مواجهة “حرب إلغاء” الهوية اللبنانية والوجود اللبناني من لبنان؟ ثمة من قد “يستهول” أو يخدش “شعوره القومي” المبالغة في تصوير ما يجري ما بين عين الحلوة والحدود الشرقية مع سوريا بأنها حرب أو اجتياح أو غزو يستهدف اللبنانيين. لو يتطوع ذوو الحرص على لبنانية اللبنانيين بما يقتضي مواجهة هذا الخطر الفائق الخطورة بالقول ماذا تراهم فاعلين لحماية “جماعاتهم ومجتمعاتهم ومناطقهم” وفق توصيف القواعد السائدة في البلاد لكان حتى هذا مقبولاً أمام خطر الإعصار الذي يعصف اليوم تحت عنوان اللاجئ والنازح والمتسلل.
يصادف أن يبلغ الإعصار ذروته العنيفة الشرسة متزامناً مع أسبوع الحسم والفصل والقرار والتقرير، وما الى ذلك من تعابير التشديد الزائف الواهم، في شأن الأزمة الرئاسية وتموجات ذاك المسمّى حواراً تائهاً من باريس كما من عين التينة كما من ساحة النجمة. ولذا نساءل: كيف لسلطة ومجلس نواب وقوى سياسية ووسائل إعلامية، أن تفرض كلمة احترام على العالم باسم لبنان المنهوب السيادة المنتهك الاستقلال الفاقد كل صدقية الدولة أمام العالم المهدّد إنسانه ومواطنه وشبابه بتهديم حاضره ومستقبله… ما دامت أزمة كيانية وجودية كالتي تحاصر لبنان الآن لا تجد مسلكاً الى فرض “استراتيجية موحدة” لمواجهة هذا الإعصار قبل كل الثرثرة الفارغة الأخرى؟
*المقالات والآراء التي تنشر تعبّر عن رأي كاتبها*