هيام القصيفي – الأخبار
في انتظار لقاء نيويورك الخماسي، ومع تراجع الدور الفرنسي وتقدم الدور القطري، يدخل لبنان مجدداً مرحلة من الانتظار، علّ المبادرة القطرية تبلور حلاً للأزمة الرئاسية، بعدما كشف الدور السعودي عن خطوات أكثر وضوحاً
على مشارف الذكرى الأولى لبيان نيويورك الثلاثي الذي صدر في 21 أيلول من العام الفائت، يصعب تجاوز أن ما حصل منذ المبادرة الفرنسية كان مجرد إضاعة مزيد من الوقت، الأمر الذي زاد من استنزاف الوضع اللبناني ليس في شقّه المتعلق بالرئاسيات فحسب. وعشية الذكرى الأولى للبيان الذي رسم خريطة طريق أميركية – سعودية، وحاولت باريس التي أعلنت التزامها بنصّه الالتفاف عليه أكثر من مرة، يفترض تلمّس مستوى التمثيل الذي سيشهده اللقاء الخماسي على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة. هذا اللقاء الذي يأتي تتمة لاجتماع الدوحة الذي عقد في تموز الفائت، يعكس بتمثيله مدى القدرة على ترجمة الإحاطة الخماسية بوضع لبنان كأزمة شاملة وليس الجانب الرئاسي فحسب.
وعلى مشارف اللقاء، الذي لم تحسم بعد مشاركة الموفد الفرنسي جان إيف لودريان فيه، تبلورت أكثر أدوار ثلاثة من المشاركين في غياب الموقف الأميركي الواضح حتى الآن من اسم الرئيس العتيد ومن المشروع الذي يفترض به إدارة الأزمة.
بعد أشهر من المماطلة، تكرس وقوف فرنسا وراء السعودية. وهو أمر كان قد بدأ التمهيد له منذ زيارة وليّ العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان لباريس في حزيران الفائت. وترافق مع رغبة فرنسية بعدم دخول قطر على خط الأزمة اللبنانية قبل إفساح المجال لباريس بمزيد من الوقت لمعالجة ما حصل على طريق مبادرتها. ومنذ تكليف لودريان، تتكيّف فرنسا مع تراجعات تكتيكية في دورها ومبادرتها التي انطفأت تدريجاً.
في هذا الوقت، لم تغب قطر، لا علانية ولا بعيداً عن الإعلام، وظلت شخصياتها تتردد الى لبنان، وفي حركة دائمة، أحياناً في قطر وكثيراً في بيروت، للدفع في اتجاه مخالف للاتجاهات الفرنسية، مشروعاً وأسماء. وفي الأيام الأخيرة، بدأ التحول من باريس الى قطر يأخذ منحى أكثر جدية، بعد دخول السعودية مجدداً على خط «السباق» بين العاصمتين القطرية والفرنسية. وقد حرصت الرياض على تطمين فرنسا بأن الدوحة لا تحل محلها، لكنها ستعطى مهلة محددة للدخول بخطى ثابتة بمهلة لا تتعدى الشهرين من أجل وضع مشروع حل تقترحه على طريق التنفيذ. وليس سراً أن ما تفعله قطر هو الترويج لقائد الجيش العماد جوزف عون، كما أنه ليس سراً أن علاقتها بحزب الله وإيران ورئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل، الذي استقبلته أخيراً وأبلغته موقفها، عوامل مساعدة تسعى الدوحة الى استغلالها لوضع اسم الرئيس ولو لم يحمل أي مشروع حل. لكن الإشارة السعودية التي تبلغتها باريس في الأيام الماضية، جعلت الأفرقاء اللبنانيين أمام مشهدية جديدة، ومراجعة جدية للمقترحات والاحتمالات التي ترافق المسعى القطري، علماً أن المهلة المقترحة لن تكون مفتوحة قبل أن تتبلور إيجابياتها وسلبياتها من أجل الانتقال إما الى انتخاب رئيس أو البحث في لائحة أسماء جديدة. وقد بدا هؤلاء يتعاملون مع احتمال أن يصبح ترشيح قائد الجيش أمراً واقعاً تفرضه المبادرة القطرية بعنوان يتيم. ومن الجائز القول لدى سياسيين مطّلعين على الحراكين الفرنسي والقطري، إن الرئيس نبيه بري يحاول في إطلاقه الحوار الداخلي تشكيل نقطة التقاء بين الدور الأول المتراجع والدور الثاني المتقدم، علماً أن قطر كانت دوماً أقرب الى حزب الله في تنسيقها المحلي والإقليمي.
*إصرار السعودية على عدم التفريط بلبنان يقابله حرص على عدم تخريب اتفاقها مع إيران*
من هنا، كانت زيارة لودريان للبنان أشبه بالزيارة الوداعية. هو المنتقل الى السعودية، كان يفضل ألّا يأتي في زيارة تشبه سابقتها التي قام بها إثر اجتماع الدوحة الخماسي من دون نتيجة تذكر. لم تكن الأسئلة الفرنسية السابقة ولا الكلام الفرنسي الأخير حول الحوار، أكثر من مجرد إحاطة أقرب الى الهبوط الفرنسي الناعم من سقف المبادرة الفرنسية التي أطلقها فريق الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ولا سيما أن لودريان لم يحمل جديداً ولم يقل ما لم يقله سابقاً غير حثّه على الحوار الذي ترجمه كل فريق وفق هواه السياسي. لكن الموفد الفرنسي الذي يكرر دوماً أنه لا يتخلى عن لبنان، أصبح أكثر يقيناً بأن ما سمعه من المسؤولين فيه يطابق نظرته السابقة لهم وتحميله لهم مسؤولية عدم التوصل الى حل للأزمة.
ما نجح فيه لودريان، فرنسياً وليس لبنانياً، أنه تمكّن من إخراج باريس من الأزمة التي أدخلها فيها فريق الإليزيه بمبادرة لم يكتب لها يوماً أن تبصر النور. وإذا كانت جلسة 14 حزيران قد كرّست ميزان القوى الذي أكد أن مبادرة فرنسا لن يكتب لها الحياة، فإنها في المقابل كرست عدم وقوف السعودية الى جانب مرشح حلفائها. فالموقف السعودي، عبر غياب أصوات سنية، ساهم في تعطيل الاحتقان وتحرك قوى التقاطع. هذا الدور السعودي أخذ في الأيام الأخيرة منحى أكثر وضوحاً. أعطت الرياض إشارة إمساكها بأصوات نيابية، وقالت بوضوح لحلفائها إنها مع مرشح توافقي، لا مرشح اصطفاف يوصله حزب الله، وحينها ستكون علانية ضدّه، ولا مرشح يعتبره حزب الله ضده. وفي مقابل إصرار السعودية على تمسكها بعدم التفريط بلبنان، أبدت بوضوح حرصها على عدم تخريب اتفاقها مع إيران، عبره، بحسب ما وصل الى حلفائها. وهذا تماماً ما فتح المجال لإعادة إطلاق الدور القطري. والنشاط السعودي في الأيام الأخيرة في بيروت وباريس أخذ أشكالاً جدية وواضحة أكثر من الأشهر الماضية، لكنه في الحالتين لا يزال ضمن خط بياني واضح، وخصوصاً تجاه توصيفه لطبيعة الأزمة، وليس لحلّ معضلة انتخاب رئيس فحسب.