جريدة الأخبار
سياسة جوزف الياس سركيس
تسلّم النائب العام لدى محكمة التمييز، القاضي غسان عويدات، في 17 آب 2023، “إخباراً من وزير العدل هنري خوري يتعلق بمضمون حسابات وأنشطة مصرف لبنان، مرفقاً به تقرير التدقيق الجنائي التمهيدي باللغة الإنكليزية مقدّمٌ من شركة ألفاريز آند مارسال”.
بعد خمسة أيام، أي بتاريخ 22 آب 2023، أصدر القاضي عويدات مطالعة تتعلق بالتقرير الجنائي التمهيدي لشركة الفاريز آند مارسال، ورد في الصفحة الأخيرة منها المقطع التالي:
“وبما أنه يستشفّ من التقرير أن لجنة الرقابة السابقة على المصارف لم تواكب العمليات المجراة اللاحقة على سياسة المخاطر في المصارف المحلية، ما ساهم في خسارة أموال المودعين، فيقتضي التحقيق في تصرفاتهم توصلاً إلى معرفة الحقيقة”.
بتاريخ 28 آب 2023، عقدت لجنة المال والموازنة اجتماعاً أشار خلاله النائب رازي الحاج إلى تقصير لجنة الرقابة على المصارف (لم يحدد اللجنة الحالية أو السابقة) في التدقيق على المصارف (تقرير نشرة أخبار LBCI في 28 آب 2023). وقد ردّ الحاكم بالإنابة الأستاذ وسيم منصوري “أن تأخر لجنة الرقابة في التدقيق على المصارف سببه النقص الموجود في ميزانيتها” (تقرير نشرة أخبار LBCI في 28 آب 2023).
كثُر الكلام في الآونة الأخيرة عن مسؤولية لجنة الرقابة على المصارف عن خسارة أموال المودعين، وتقصيرها في إجراء أعمال التدقيق على المصارف لتفادي هذه الخسارة. ومع تأييدي المطلق لتحقيق قضائي شفّاف ومهني يكشف الحقائق ويوفّر شروط المحاكمة العادلة لكل المسؤولين بصورة مباشرة وغير مباشرة، إلا أنني أرغب، بصفتي عضواً سابقاً في لجنة الرقابة على المصارف في الفترة من 25 آذار 2015 حتى 24 آذار 2020، بأن أوضح بعض الأمور المتعلقة باللجنة وأعمالها وميزانيتها.
*أولاً: في الشكل*
تحدد القوانين والأنظمة المرعية الإجراء صلاحيات لجنة الرقابة على المصارف وترسم حدود مسؤولياتها، وكل عضو من أعضائها يتحمل المسؤولية الشخصية عن أعماله، وذلك بموجب القسم الذي يؤدّيه أعضاء اللجنة بين يدي رئيس الجمهورية: “على أن يقوموا بوظائفهم بإخلاص ودقة، محترمين القانون والشرف وملتزمين بكتمان السر المصرفي”.
نصّت المادة 148 من قانون النقد والتسليف على أنه: “يعهد بالرقابة على المصارف إلى دائرة في المصرف المركزي منفصلة ومستقلة تماماً عن بقية دوائره ومرتبطة مباشرة بالحاكم”. وقد نصّ القانون الرقم 67/28 تاريخ 9/5/1967 على إنشاء “لجنة مستقلة لدى مصرف لبنان غير خاضعة في ممارسة أعمالها لسلطة المصرف وترتبط بها دائرة الرقابة المنصوص عنها في المادة 148 من قانون النقد والتسليف” (المادة 8)، وأناط بها ممارسة “صلاحيات الرقابة الممنوحة لحاكم مصرف لبنان ولمصرف لبنان بموجب قانون النقد والتسليف والصلاحيات المعطاة لها بموجب هذا القانون (المادة 9 من القانون الرقم 67/28)”. بالتالي، تؤدّي لجنة الرقابة على المصارف أعمالها تحت إشراف الحاكم وليس باستقلال تام عنه. ويجسّد الحاكم لها الباب الوحيد للاتصال بخارجها بصفة نظامية.
أناط القانون بلجنة الرقابة على المصارف “مهمة التحقّق من حسن تطبيق النظام المصرفي المنصوص عليه في الباب الثالث من قانون النقد والتسليف على المصارف إفرادياً وفق الأصول المحددة في المادتين 149 و150 من قانون النقد والتسليف”. ونصّت المادة 9 على وجوب أن “تقوم اللجنة بالتدقيق الدوري على جميع المصارف دون التقيّد، إذا رأت ذلك، بأحكام الفقرتين 1 و2 من المادة 149 من قانون النقد والتسليف”. ومنحت المادة نفسها اللجنة “الحق أن تضع لأي مصرف برنامجاً لتحسين أوضاعه وضبط نفقاته”، إلا أنها حصرت صلاحيتها لتنفيذ برنامجها بتقديم “توصية (للمصرف المعني) بالتقيّد به”.
تمارس لجنة الرقابة على المصارف مهمّتها على الوجه الآتي (المادة 149- قانون النقد والتسليف):
1 – التدقيق في البيانات والمستندات والمعلومات والإيضاحات والإثباتات التي يجب على المصارف أن تقدمها أو التي يحق للمصرف المركزي أن يطلبها منها عملاً بنصوص هذا القانون.
2 – أن تطلب، كلما رأت حاجة إلى ذلك، من مديري المصارف المسؤولين، أيّ معلومات أو إيضاحات أو إثباتات إضافية، وأن تطلب منهم تأكيدها خطياً وعلى مسؤوليتهم الشخصية.
3 – يحق لحاكم المصرف المركزي أن يقرر إجراء تدقيق أوفى بواسطة مراقبيه، إذا رأى لزوماً، للتثبت من كل أو بعض ما ورد ذكره في الفقرتين السابقتين.
ولكنّ المادة 150 من قانون النقد والتسليف قيّدت مهمّة اللجنة عبر إلزام مديري المصارف بعدم “إفشاء أسماء زبائنهم، باستثناء أصحاب الحسابات المدينة، كما لا يحق لهم الاتصال بأي شخص غير مدير المصرف المسؤول”. كما حظرت هذه المادة “حظراً باتاً” على مراقبي اللجنة، بمناسبة ممارستهم رقابتهم، “أن يستطلعوا أي أمر من الأمور ذات الصفة الضرائبية أو أن يتدخلوا فيها أو أن يخبروا عنها أي شخص كان”.
تتألف لجنة الرقابة على المصارف من 5 أعضاء، وهي تنظر في التقارير التي تعدّها مختلف الدوائر المرتبطة بها، وتأخذ قراراتها بالأكثرية عملاً بأحكام المادة 8 من القانون الرقم 67/28.
يتوجب على اللجنة أن “تطلع تباعاً حاكم مصرف لبنان على أوضاع المصارف إجمالا وإفرادياً” (المادة 10). إلا أنها ليست مخوّلة باتخاذ العقوبات الإدارية، وإنما التوصية بها، عبر قرار تتخذه بالأكثرية أو بالإجماع، ويُبلغ هذا القرار إلى حاكم مصرف لبنان مع تقرير اللجنة حول أوضاع هذا المصرف أو المصارف. أناط القانون الرقم 67/28 بالهيئة المصرفية العليا مسؤولية اتخاذ العقوبات الإدارية (المادة 208 من قانون النقد والتسليف)، ويعود لحاكم مصرف لبنان منفرداً الحق في إطلاع الهيئة على تقارير اللجنة المتعلقة بأوضاع المصرف أو المصارف.
كما أن المادة 206 من قانون النقد والتسليف تنصّ على أنّ مخالفات هذا القانون تلاحق “أمام المحاكم الجزائية وفقاً للأصول العاجلة، وتُقام الدعوى من قبل النيابة العامّة بناءً على طلب المصرف المركزيّ”.
تتألف الهيئة المصرفية العليا من حاكم مصرف لبنان رئيساً و5 اعضاء، من بينهم “العضو المعين بناءً على اقتراح جمعية المصارف في لجنة الرقابة” (المادة 10 من القانون الرقم 67/28). وهي تجتمع بناءً على دعوة من رئيسها أو بطلب اثنين من أعضائها، ولا تكون اجتماعاتها قانونية إلا إذا حضر أربعة أعضاء على الأقل.
لا تملك لجنة الرقابة على المصارف أي صلاحية لدعوة الهيئة إلى الاجتماع وهي غير مخوّلة بإطلاع أعضاء الهيئة، ما عدا حاكم مصرف لبنان، على تقاريرها وتوصياتها.
*ثانياً: في الوقائع*
منذ تسلّم لجنة الرقابة على المصارف السابقة مهامها في 25 آذار 2015 حتى انتهاء ولايتها في 24 آذار 2020، كانت تقوم بدراسة أوضاع كل مصرف عامل في لبنان، وفقاً للمقاربة المبنية على المخاطر (Risk Based Approach)، التي تشمل دراسة مخاطر التسليف، المخاطر السيادية (الدولة ومصرف لبنان)، مخاطر السوق، المخاطر التشغيلية، وغيرها من المخاطر، علماً أن مخاطر التسليف والمخاطر السيادية كانت تمثل حوالي 90% من مجمل المخاطر.
بعد الانتهاء من دراسة أوضاع المصرف، ترفع لجنة الرقابة على المصارف تقريرها (موقّعاً عليه من رئيس وأعضاء اللجنة) الى رئيس مجلس إدارة المصرف، يتضمن نتائج المراجعة (Findings) مع اقتراحاتها وتوصياتها، علماً أنها كانت تطلب من رئيس مجلس إدارة المصرف توزيع نسخة عن هذا التقرير على أعضاء مجلس الإدارة. وترسل لجنة الرقابة على المصارف نسخة عن تقريرها إلى حاكم مصرف لبنان رياض سلامة وإلى مفوّضي مراقبة المصرف.
وقد قامت لجنة الرقابة على المصارف أيضاً برصد المؤشرات الرئيسة بصورة دورية ومستمرة، فكانت تعدّ تقارير إفرادية وإجمالية عن أوضاع السيولة والملاءة وتقارير عن التطورات والمخاطر في القطاع المصرفي وغيرها، وكانت تزوّد الحاكم بها. وبالتالي، تكون اللجنة قد التزمت بمهمّتها، وأطلعت حاكم مصرف لبنان تباعاً على أوضاع المصارف إجمالاً وإفرادياً، وفق ما تنص عليه المادة 10 من القانون الرقم 67/28 تاريخ 9 أيار 1967.
بناءً على ما تم عرضه في الشكل وفي الوقائع، يجدر التساؤل: ألم يكن من دواعي المهنية والشفافية أن يدعو حاكم مصرف لبنان السابق أعضاء لجنة الرقابة على المصارف السابقة إلى اجتماعات دورية لمناقشة تقارير هذه اللجنة وتوصياتها عندما كانت ترفع إليه؟
آمل أن يتم التحقيق في هذا الموضوع من قبل القضاء المختص لتبيان تقصير الحاكم السابق أو تقصير كل عضو من أعضاء لجنة الرقابة على المصارف السابقة.
*أليس من المهنية دعوة أعضاء لجنة الرقابة السابقة إلى اجتماعات دورية لمناقشة تقاريرها وتوصياتها؟*
على الهامش، شرحت لجنة الرقابة على المصارف السابقة (برئاسة الأستاذ سمير حمود) على موقع اللجنة الإلكتروني التفاصيل الكاملة المتعلقة بالمقاربة المبنية على المخاطر (Risk Based Approach) التي اعتمدتها في دراسة أوضاع المصارف العاملة في لبنان.
إلا أن لجنة الرقابة على المصارف الحالية (برئاسة الأستاذة مية الدباغ) أزالت محتوى الموقع الإلكتروني للجنة، الذي كان يتضمن دور ومسؤوليات لجنة الرقابة على المصارف، والدوائر المرتبطة بها (حوالي 12 دائرة)، تعاميم ومذكّرات اللجنة وغيرها من الأمور المتعلقة بلجنة الرقابة على المصارف.
وتماشياً مع الشفافية التي ينادي بها كل المعنيين بالشأن المصرفي والمالي في لبنان، نأمل أن تقوم لجنة الرقابة على المصارف الحالية بإحياء موقعها الإلكتروني، والطلب من الحاكم بالإنابة السيد وسيم منصوري تخصيص اللجنة بالمبلغ المطلوب لإعادة إحياء هذا الموقع.
*ثالثاً: في ميزانية اللجنة*
بالنسبة إلى ما قاله نائب الحاكم بالإنابة الأستاذ وسيم منصوري عن النقص في ميزانية لجنة الرقابة على المصارف، أفيد بما يلي:
– لا وجود لميزانية (Balance Sheet) للجنة الرقابة على المصارف، بل موازنة نفقات (Budget)، حيث إن المادة 8 من القانون الرقم 67/28 تاريخ 9 أيار 1967 قد نصّت على أن مصرف لبنان يتحمل جميع النفقات العائدة لهذه اللجنة.
– لم يكن يوجد أي نقص في هذه الموازنة طيلة فترة السنوات الخمس، التي كنت فيها عضواً في لجنة الرقابة على المصارف، بل على العكس كان يوجد فائض في تقدير نفقات اللجنة.
عضو سابق في لجنة الرقابة على المصارف