كتبت النهار
مع كل مستجدّ يطرأ في موضوع ملء الشغور الرئاسي وما يتصل به من صراعات وسجالات تتمحور حول التكهن لمن سيكون قصب السبق في الوصول الى قصر بعبدا، ثمة مَن يدفع مباشرة الى دائرة الضوء العلاقة بين “حزب الله” وقائد الجيش العماد جوزف عون على فرضية جدلية من شقّين ليستنتج الآتي:
الاول، ان العماد عون أضحى قاب قوسين أو أدنى من عتبة القصر الرئاسي، وان ذلك بات متوقفاً على موقف الحزب.
الثاني، ان العقل الباطني للحزب يستبطن كمية من الشكوك بشخص القائد ويضمر توجساً من توجهاته المستقبلية، الى درجة انه يُسمع في أروقة الحزب الداخلية ما مفاده اننا غير مستعدين لأن نُلدغ من جحر تجربة مشابهة لتجربة ميشال سليمان مرة ثانية.
وبناء على هذا المشهد، ثمة من نجح في ان يُدخِل الى قاموس التداول السياسي اليومي “مشكلة مزعومة” اسمها العلاقة المتوترة بين الحزب وقائد الجيش، وان المشكلة هي واحدة من عوامل إطالة أمد الشغور الرئاسي الذي يلقي بثقله على المشهد العام في البلاد.
لذا كان بديهياً أن يبرز أخيراً مَن يتساءل عن أسرار هذا التوتر في العلاقة بين الحزب وقائد المؤسسة العسكرية التي يشيد الجميع بأهمية دورها، واستطرادا ما الذي يمكن لهذا الحزب ان يفعله ليبدد هذا الاعتقاد أو يميط اللثام عن ملابساته ويوضح حقيقته؟
وفق أحد المقربين من الحزب فهو يعرف ان تسليط البعض الاضواء على هذه العلاقة بين الطرفين ليس بالامر المستجد، فثمة مَن سمح لنفسه بالتخصص به والنسج حوله، لكن اللافت انه انوجد في الآونة الاخيرة فريقٌ يرفعه الى ذروة الضوء ويجعله قضية مفصلية وإشكالية كلما تعثرت الجهود الحثيثة التي يبذلها كل فريق من أجل إيصال مرشحه المعروف الى سدة الرئاسة الاولى، ومنطلقه الى ذلك الاعتقاد هو ان العلاقة بين الحزب وقائد الجيش على درجة من التوتر الدائم.
بعد جلسة الانتخابات الرئاسية الاخيرة في مجلس النواب في 14 حزيران الماضي، يضيف المصدر اياه، تيقن جميع المعنيين بالموضوع الرئاسي بان ثمة تطورات ومعطيات جديدة فرضت نفسها، بمن فيهم العماد عون والحزب. وفي هذا السياق ثمة مَن سجَّل أمرين لافتين:
الاول، ان فريق العمل المشكَّل منذ زمن حول العماد عون قد بدأ على الاثر يسحب من خطابه اليومي المتداول لازمة انه زاهد في الترشح للرئاسة الاولى وخوض غمارها نسجاً على ما كانوا يرددونه سابقا طوال اشهر. وهذا يعني ان آمال الرجل بالرئاسة الاولى قد كبرت الى درجة انه لم يعد مضطرا الى التستر عليها، وذلك انطلاقا من اعتبار يزعم ان المرشحين الثلاثة الاساسيين المؤهلين للمنافسة والذين برزت اسماؤهم منذ البداية وهم النائب ميشال معوض والوزير السابق جهاد ازعور وزعيم “تيار المردة” سليمان فرنجية، قد ألغى احدهم الآخر وباتوا تلقائيا خارج السباق ليبقى هو الوحيد ذو الاهلية.
الثاني، ان الفريق الاعلامي المولج بالترويج اعلاميا للعماد عون بات ايضا أكثر جرأة في تضخيم المزايا التي تؤهل القائد للانتقال من اليرزة الى قصر بعبدا القريب، وقد سلكه سابقا ثلاثة من أقرانه.
في موازاة ذلك، يجد البعض من خصوم الحزب فرصتهم المُثلى لـ”محاصرته” بشبهتين اثنتين:
– انه على عداوة مزمنة مع قائد الجيش، وان هذه العداوة ارتفع منسوبها بعد ارتفاع وتيرة الآمال ببلوغه منصب الرئاسة.
– ان الحزب هو المبدد لفرصة مؤاتية تلقى دعما داخليا واسنادا خارجيا تقود الى ملء الشغور في قصر بعبدا، وذلك استكمالا لمسار الهجمة الدائمة على الحزب.
لم يجد الحزب، وفق المصدر عينه، ان ثمة حاجة لكي يعلّق او ليؤكد اعلاميا ان علاقته بقائد الجيش والمؤسسة التي يقود حسنة وطبيعية. واختار الحزب ان يردّ عبر خطوات عملية أبرزها الاضاءة على لقاءات تنسيقية بين الحزب وقيادة الجيش يتكفل بها المسؤول عن وحدة الارتباط والتنسيق في الحزب وفيق صفا، اضافة الى ان الحزب اعرب بعد حادثة “كوع الكحالة” عن تقديره لأداء المؤسسة العسكرية.
وبحسب معطيات المصدر عينه، فان اللقاء المفاجىء الذي جمع بين رئيس كتلة نواب الحزب محمد رعد وبين العماد عون، والذي رتّبته جهة مقربة من قائد الجيش وبتنسيق معه، كان مهما ومطلوبا بالنسبة الى الطرفين، إذ أتى في مرحلة مفصلية وكان ضروريا. فخلاله استنتج رعد ان العماد عون بات يعدّ نفسه مرشحا اكيدا للرئاسة الاولى. كما استمع رعد من العماد عون من غير ان يسأله الى رؤيته لمستقبل العلاقة مع الحزب اذا ما هو بلغ سدة الرئاسة الاولى، وفيها انه يعرف حجم تمثيل الحزب في النسيج الاجتماعي اللبناني، لذا فان من غير الحكمة ان يفكر يوما بالتصادم معه.
وفي المقابل، كان رعد اكثر صراحة عندما رد بالقول: انه يكنّ تقديراً عالياً له “ولكننا كما تعلم اننا زكّينا منذ زمن مرشحا واننا لسنا في وارد التخلي عن خيارنا المعلن هذا، وفي النهاية الله وليّ الامر والتدبير”.
ولأن رعد ملتزم آداب المجالس وأمانتها آثر الصمت وعدم البوح بأي كلام عن طبيعة هذا المجلس، على رغم ان ثمة من اتهمه (الحزب) بانه اختار الجلوس فيه ليوحي لمن يهمه الامر انه صار في وارد الانتقال الى خيار آخر.
وووفق المصدر عينه، وجد الحزب ان من الحكمة ألّا “يتاجر” بهذا اللقاء الذي مازال رغم مرور نحو اسبوعين عليه مدار تأويل واهتمام، فهو يعلم مدى ثقة مرشحه فرنجية به وبكلمته المعطاة له، ولا يريد في المقابل ما يعكر صفو علاقته بقائد الجيش وبالمؤسسة العسكرية عموما.
وما لم يقله الحزب في لقائه الليلي مع العماد عون يفصح عنه في محافل اكثر ضيقاً، ومفاده ان طريق العماد عون الى سدة الرئاسة ليست بالضرورة ممهدة تماما، فالحزب على يقين من ان العراقيل الواقفة عائقا امام طريق ترشحه، تكاد تكون معادلة للعراقيل التي يضعها البعض أمام مرشحه هو، أي فرنجية