جريدة الأخبار
طراد حمادة
في كل المنتديات والمؤتمرات الدولية، كان الموقف اللبناني الرسمي من اللاجئين الفلسطينيين محل انتقاد كبير، وخصوصاً في ما يتعلق بحق العمل والحياة الكريمة والآمنة، مع منع الفلسطينيين في لبنان من العمل في مهن عدّة. وقد أمعنت الدولة اللبنانية في إهمال حقوق الفلسطينيين، وجعلت السلطة الفلسطينية في رام الله من اللاجئين في لبنان ورقة في يدها لحساباتها الداخلية، وأبعدتهم عن المشاركة في مراكز القرار، ولم تكن لهم مرجعية في السلطة ومنظمة التحرير. فيما كشف نشوء حركات الإرهاب عن إمكانية أن تلقى تعاطفاً معها في المخيمات التي تحوّل بعضها ملاذاً لحركات متطرّفة.
كل ذلك جعل من الوضع الفلسطيني في لبنان مسألة ترتّب مسؤوليات على الحكومة اللبنانية. عام 2005، وكنت وزيراً للعمل والزراعة في حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، صدر القرار الشهير بإعطاء حق العمل للفلسطينيين في لبنان والذي صار من الصعب تجاوزه. غير أن هذا القرار لوحده لم يكن كافياً. إذ كان لا بد من الاهتمام بالوضع الفلسطيني بما يشمل كل النواحي الإدارية والسياسية والاقتصادية والإعلامية والأمنية والخدمات وغيرها. وعليه، اقترحنا على مجلس الوزراء فكرة إنشاء لجنة حوار لبناني – فلسطيني على مستوى وزاري تُعنى بهذا الأمر، حصل على موافقة مبدئية، وزار مخيم عين الحلوة وفد وزاري لبناني في زيارة هي الأولى منذ إنشائه. وسُمّي وزير الصحة آنذاك محمد خليفة رئيساً للوفد اللبناني في لجنة الحوار التي ضمت وزراء الداخلية والصحة والعمل والطاقة والتربية وغيرهم، فيما رأس الجانب الفلسطيني في اللجنة عضو اللجنة المركزية لحركة فتح عباس زكي. وقد تقدمت اللجنة بمشروع اقتراح يتضمن الأفكار الآتية:
*1 – في الحقوق:*
يمنح الفلسطينيون المسجّلون في لبنان الحقوق الآتية: حق العمل، وحق العمل السياسي للنضال من أجل تحرير فلسطين والعودة، حق المشاركة في النقابات أو تشكيل نقابات، وحق إبداء الرأي والإعلام، وحق الحفاظ على وثيقة اللجوء المسجلة في الأمن العام كوثيقة أحوال شخصية لا تسقط مهما تعدّلت أوضاع الفلسطيني مثل السفر والزواج وحصوله على جنسية أجنبية أو ما شابه لأن هذه الوثيقة هي شهادة لبنانية على فلسطينيته وعلى حقه بالعودة وأنه فلسطيني، على أن يخضع الفلسطينيون للقوانين اللبنانية المرعية الإجراء في كل ما له علاقة بالنظام العام وحفظ الحقوق العامة.
*2 – في الخدمات:*
ضمّت اللجنة الوزارية وزارات الخدمات، ونص الاقتراح على أن تكون المخيمات ملحقة بأوضاع المنطقة الإدارية والبلديات، مع الحفاظ على خدمات الـ«أونروا،. فعلى سبيل المثال، يتبع مخيم برج البراجنة إدارياً لبلدية برج البراجنة في مسائل الكهرباء والماء والهاتف وأعمال النظافة وجباية الضرائب والاشتراكات، فتقدّم له كل الخدمات وتُحصّل منه كل الضرائب ويخضع للقوانين اللبنانية، ما يحلّ المشكلات التنموية والخدماتية داخل المخيمات، ولا تعود هذه بؤراً مستقلة وسط المناطق المحيطة بها، وتشعر بأن مصالحها مرتبطة بمصالح المنطقة.
كان هذا الاقتراح يوجب لجنة حوار على مستوى وزاري، لكن الرئيس السنيورة عمد، في ما بعد، لأسباب تخصه إلى خفض مستوى اللجنة من وزارية إلى لجنة على مستوى السفراء. وعين السفير خليل مكاوي رئيساً لها. علماً أن زكي كان وزيراً فوق العادة وعضو اللجنة المركزية لحركة فتح وعضواً في اللجنة التنفيذية لفلسطين، كما أن عزام الأحمد برتبة وزير في السلطة الفلسطينية. كان المقصود من خفض مستوى اللجنة جعلها مرتبطةً بسياسة رئيس مجلس الوزراء، فتحوّلت – على طريقة اللجان اللبنانية – جعجعة بلا طحن ولعبة سياسية إعلامية مرتبطة بمشاريع خاصة وبسياسات تتعلق بالصراع على المخيمات وداخلها.
تحتاج المخيمات إلى إدارة وخدمات وسياسات لأنها تجمعات سكنية وليست مراكز عسكرية أو معسكرات معزولة ومفتوحة على كل أشكال العنف والتوتر والأزمات. وأي اتفاق على لجنة حوار فاعلة يمكن أن يساعد في حل المشكلات الأمنية وما يُرسم للمخيمات من أدوار في المستقبل. لذا المطلوب إعادة الفعالية إلى لجنة الحوار، ولا يهم المستوى البروتوكولي الرسمي. المهم هو ما يُعطى لها من وظائف وصلاحيات لمواجهة ما يُخطط للمخيمات.
* وزير العمل والزراعة سابقاً