أحمد العبد – الأخبار
رام الله | تبدو حالة المقاومة الممتدّة والمتصاعدة في الضفة الغربية المحتلّة، ترجمة حقيقة لتوقّعات دولة الاحتلال وإنذارات مؤسّستها الأمنية، التي ارتفعت تحذيراتها من تنفيذ عمليات فدائية خلال فترة «الأعياد اليهودية»، بنسبة 15% عمّا كانت عليه في الشهرين اللذين سبقا «الأعياد». وفي الساعات الماضية، نجحت المقاومة في تنفيذ 5 عمليات في الضفة والقدس، كان أبرزها في منطقة الأغوار، التي تحوّلت في الأشهر الماضية إلى مصيدة موت للإسرائيليين، فيما بدا لافتاً في العمليات التي شهدتها، تمكّنُ المقاومين من الانسحاب بسلام من أمكنة التنفيذ، على رغم حالة التأهب والاستنفار العسكري، على غرار ما جرى في عملية الشهيدَين حسن قطناني ومعاذ المصري، والتي قُتل فيها ثلاثة مستوطنين.
وفي تفاصيل التطوّرات الأخيرة، أطلق مقاومون النار على مركبة مسرعة للمستوطنين في منطقة الأغوار، في أسلوب يُحاكي عدّة عمليات سابقة في المنطقة، قُتل فيها العديد من المستوطنين، لكن مستقِلّي المركبة استطاعوا النجاة. وفي جنين، شنّ مقاومون هجوماً كبيراً على مستوطنة «ميراف»، شرق المدينة، استهدفوا في خلاله المستوطنة وآليات الاحتلال، ليعترف الأخير بوقوع أضرار مادية في إحدى مركباته العسكرية وفي أحد المنازل. أيضاً، تعرّض جنود العدو لإطلاق نار عند مدخل قرية دير شرف قرب نابلس، حيث اعترفت قوات الاحتلال بتضرّر البرج العسكري، وأعلنت الاستنفار الكامل وإغلاق مداخل المدينة، فيما أكّد شهود عيان تواجد مركبات إسعاف إسرائيلية في المكان. أما في القدس، فأصيب شاب فلسطيني بجروح بعد إطلاق جنود العدو النار عليه، عقب محاولته تنفيذ عملية طعن على حاجز «المزمورية»، بين بيت لحم والقدس المحتلة. وسبق ذلك إطلاق مقاومين النار والعبوات تجاه حواجز لجيش الاحتلال قرب بيت فوريك شرق نابلس وقرب جنين، وإطلاق عبوة ناسفة محلية الصنع تجاه حافلة للمستوطنين قرب قلقيلية، ما أدى إلى اشتعالها، بينما أطلق جنود العدو النار على شاب واعتقلوه.
وعلى خلفية ذلك، تسيطر حالة من الهلع على المجتمع الإسرائيلي، وهو ما جلّاه مقطع مصوّر من تل أبيب أظهر هروب العشرات من المستوطنين في شارع «ديزنغوف»، وإصابة مستوطنة أثناء فرارها، بعد ورود بلاغ عن عملية إطلاق نار، تبيّن لاحقاً أنه إنذار كاذب. وفي ضوء ما تقدّم، ونتيجة عدم قدرة الجهات الأمنية الإسرائيلية على توقّع العملية القادمة مكانياً وزمانياً، وجّه رئيس قسم العمليات في شرطة الاحتلال، تسفي بار، أمس، نداءً إلى المستوطنين، دعاهم فيه إلى حمل السلاح للتعامل مع إمكانية وقوع عمليات طعن أو إطلاق نار في مناطق الضفة بالتزامن مع فترة «الأعياد»، عازياً ذلك إلى ضرورة إيجاد حالة من التوازن، وخصوصاً أن الشرطة تفتقر إلى عدد كافٍ من القوات ولا يمكن نشر قوة شرطية في كلّ مكان وفي كلّ زمان. ولفت بار إلى أن هذا الطلب يأتي في ظلّ الارتفاع الملحوظ في العمليات، وزيادة حدّة التوتر الأمني، وتوفّر عدد كبير من الإنذارات الساخنة.
ومع استمرار حالة التأهب الأمني، يبدو أن التصعيد سيبقى سيد الموقف طوال فترة «الأعياد» التي تمتدّ حتى الثامن من تشرين الأول المقبل، ولا سيما في ظلّ تصاعد الهجمة على المسجد الأقصى، ومواصلة «جماعات الهيكل» المتطرّفة حشد المستوطنين لتنفيذ مزيد من الاقتحامات. ولم تَعد مخاوف الاحتلال، من جرّاء ذلك، مقتصرةً على إمكانية وقوع عملية قد تتسبّب بخسائر كبيرة في صفوف المستوطنين أو جنود الجيش في الضفة، بل تمتدّ لتشمل انسحاب التصعيد إلى قطاع غزة، الذي يمثّل جبهة أخرى قابلة للانفجار، وخصوصاً مع استمرار التظاهرات قرب السياج الشائك، وإغلاق قوات الاحتلال معبر بيت حانون منذ يوم الجمعة الماضي، وتسجيل عملية إطلاق نار على دورية عسكرية، هي الأولى من نوعها منذ فترة طويلة، أدّت إلى تضرّر مركبة عسكرية.
*أثار استخدام الشباب الغزاوي عبوات شديدة الانفجار بالقرب من العائق الأرضي على الحدود مع غزة، قلق المؤسسة الأمنية الإسرائيلية*
كذلك، أثار استخدام الشباب الغزاوي عبوات شديدة الانفجار بالقرب من العائق الأرضي على الحدود مع غزة، قلق المؤسسة الأمنية الإسرائيلية. إذ شكّل حجم العبوات وقوتها، بحسب موقع «واللا» العبري، عنصر «مفاجأة» لدى قادة تلك المؤسسة، والذين وصفوها بـ«الخطيرة». ونقل الموقع تحذيرات الأجهزة الأمنية من إمكانية قيام عناصر حركة «حماس» باستغلال التفجيرات لإحداث ثغرات تمكّنهم من التسلل إلى المستوطنات، وسط انتقادات شديدة اللهجة وجّهت إلى المجنّدات العاملات في نقاط المراقبة الحدودية، بسبب فشلهنّ في اكتشاف محاولة «حماس» إيصال هذا الكمّ من العبوات وتفجيرها بالقرب من الجدار العلوي للعائق الأرضي، ولا سيّما أن «حماس» أثبتت قدرتها على القيام بهذه الخطوة مرّات عدّة. وتشير التقديرات الأمنية الإسرائيلية إلى أن «حماس» تحاول اختبار فعالية الموانع الهندسية والبنى التحتية للوسائل الدفاعية التي نشرها الجيش على الحدود، فضلاً عن فحص نظام ردّ الجيش والجودة الهندسية للسياج والبنية التحتية الدفاعية، فيما حذّر مسؤول أمني من «انتقال المعلومات المتعلّقة بحجم العبوات الناسفة والأضرار التي لحقت بالسياج إلى جبهات أخرى»، قاصداً «حزب الله في لبنان – على الحدود الشمالية الفلسطينية حيث توجد بنية تحتية مماثلة»، تبدو بدورها كالجمر الذي يمكن أن يتطاير من تحت الرماد في أي لحظة. أيضاً، يبدو أن التصعيد على جبهة غزة مرشح للانتقال إلى إطلاق الصواريخ، إذ ترجّح التقديرات الأمنية، بحسب مصادر عبرية، أنه في حال بقيت المعابر مغلقة، فإن فصائل المقاومة لن تقف مكتوفة الأيدي.
أما الجبهة الشرقية لفلسطين المحتلة، فباتت موضع قلق دائم لإسرائيل، وذلك في سياق التطور الكبير في أداء المقاومة وتدفّق السلاح إلى مقاومي الضفة، بما فيها المتفجرات والعبوات الناسفة، وهو ما دفع «الموساد»، وفق ما أُعلن أمس، إلى المشاركة في التحقيقات التي تجريها أجهزة الاحتلال الأمنية حول عمليات التهريب عبر الحدود، وبعض العمليات التي استهدفت جنود العدو ومستوطنيه في الضفة الغربية. وتنبع مشاركة «الموساد» في التحقيقات من تقديرات أمنية تشير إلى «تصاعد الدور الإيراني في محاولات تهريب الأسلحة عبر الحدود الأردنية، وتوجيه الهجمات على الأرض»، وفق ما أوردته «إذاعة الجيش» الإسرائيلي. وكان أُعلن سابقاً «إحباط» محاولتين لتهريب أسلحة ووسائل قتالية عبر الحدود الأردنية – الفلسطينية في منطقة الأغوار، وُصفت إحداها بأنها «كبيرة واستثنائية»، وشملت عبوات ناسفة ومتفجرة قوية ومتطورة.
على خطّ موازٍ، لا تبدو السلطة الفلسطينية غائبة عن التصعيد، إذ تواصل بدورها مسلسل الملاحقة والاعتقالات السياسية للمقاومين في الضفة، والذي يتركّز في محافظة جنين، وأسفر في اليومين الماضيين عن وقوع اشتباكات مسلحة بين مقاومين والأجهزة الأمنية، وإطلاق النار على مبنى المقاطعة. وإزاء ذلك، طالبت فصائل المقاومة في جنين، مساء أول من أمس، بوقف الاعتقال السياسي للمطاردين والأسرى المحرّرين من سجون الاحتلال، ورفع الغطاء عن عناصر الأجهزة الأمنية الذين يشاركون في الاعتقالات. وقالت الفصائل، في مؤتمر صحافي، إن الاعتقالات السياسية تكثّفت بعد معركة «بأس جنين»، مع قوات الاحتلال في شهر تموز الماضي، وقد طالت خلال الساعات الماضية مقاتلين من «كتيبة جنين» و«كتائب الأقصى». وأكدت الفصائل أن «هذه الأفعال لا تخدم سوى الاحتلال ومستوطنيه، وهي تشمل كلّ مقاتل ومقاوم شريف»، معتبرةً أن «تأخير إعمار المخيم من الدمار الذي لحق به في عدوان الاحتلال» يأتي في سياق «الضغط على المقاومة والحاضنة الشعبية».
ثلاثة شهداء في اقتحام متجدّد لمخيم جنين
فيما تتخوّف المؤسّسة الأمنية الإسرائيلية من تنفيذ عمليات فدائية خلال فترة «الأعياد اليهودية»، اقتحمت قوات الاحتلال مخيّم جنين، مساء أمس، في مشهد باتت تكرّره مراراً، في محاولة لاجتثاث ما أسّسته المقاومة في الضفة من تشكيلات مسلّحة. إلا أن مقاومي جنين اكتشفوا أمر الاقتحام، قبل توغّل منفّذيه في عمق المخيم، فاستهدفوا القوات والآليات المتوغّلة بالأكواع المحلية الصنع والرصاص، لتندلع اشتباكات مسلحة عنيفة، أسفرت عن استشهاد ثلاثة فلسطينيين وإصابة 20 آخرين، بحسب وزارة الصحة الفلسطينية. وفي وقت لاحق، دفع الاحتلال بتعزيزات عسكرية كبيرة، ترافقت مع تحليق لطائراته في أجواء المخيم، الذي انقطع التيار الكهربائي عنه. وفي خلال اقتحامها، أطلقت قوات الاحتلال صاروخاً موجّهاً نحو منزل الأسير المحرر والمطارد محمد أبو البهاء، وهو أحد قادة المقاومة في جنين، ثم حاصرته، واعتقلت مواطنين اثنين، لتغادر المخيم تحت وابل نيران المقاومين. وفي السياق، قالت «كتائب القسام» إن مقاتليها وفصائل المقاومة اشتبكوا «اشتباكاً عنيفاً مع قوة إسرائيلية خاصة (دوفدوفان)، واستهدفوا تعزيزات جيش الاحتلال وقنّاصته بوابل كثيف من الرصاص». وقالت «سرايا القدس – كتيبة جنين»، بدورها، إنها فجّرت «عبوة ناسفة معدّة مسبقاً في آليات الاحتلال في شارع حيفا بشكل مباشر، وتمكّنت من إيقاع قوات الاحتلال في حقل كثيف من النيران في محيط المنزل المحاصر». وبالتوازي، دوّت صافرات الإنذار في مستوطنة «حشمونئيم» قرب رام الله بعد مخاوف إسرائيلية من تسلل مسلحين. وكان مراسل «القناة 14» العبرية نقل تساؤلات المؤسّسة الأمنية التي تركّزت حول «متى ستنطلق صافرات الإنذار في الجنوب؟». وعلى الرغم من إعلان «هيئة البث الإسرائيلية» عن اعتقال «مطلوبين اثنين»، وما أفاد به مسؤول أمني، «القناة 12»، من أن «العملية في جنين كانت ضرورية. تم اعتقال ناشط عسكري كبير»، قال المراسل العسكري لقناة «ريشت كان» العبرية: «بعد العملية في جنين هذه الليلة تأكّد أنه بعد شهرين ونصف شهر من عملية «المنزل والحديقة»، لم يكن هناك أي أثر لأي إنجازات حقّقتها تلك العملية».