كتب د. نبيل خليفة في “نداء الوطن”:
إستمرّت مهمة المبعوث الفرنسي جان-إيف لودريان في التأرجح بين النجاح والفشل. فهو لم يحقق خرقاً يوصل إلى سدة الرئاسة اللبنانية شخصية تحظى برضى الأوساط الداخلية والدولية.
لكنّ المندوب الفرنسي إذا لم يتوصّل إلى خرق في المعادلة اللبنانية، فقد توصّل إلى ما يمكن تسميته الاستنتاج. أي أنه تجاوز العقدة ولكنه لم يصل إلى حلّ وذلك على أساس أنّ الحل يأتي عبر زيارته القادمة بحيث يكون قد تحرّر من المواجهة الثنائية إلى الحل الثالث المطلوب البحث حوله والوصول إليه في قابل الأيام.
على أن التخلي عن الثنائية يطرح على لودريان وعلى اللبنانيين وعلى الأسرة الدولية حقيقة المعايير المطلوبة والمحتملة لاختيار رئيس جديد للبنان.
فما هي هذه المعايير؟
1 – إنّ لبنان الدولة والكيان واقع في منتصف خريطة الشرق الأدنى وعلى الشاطئ الشرق للمتوسط، فهو معرّض للتحديات من مختلف دول وقوى المنطقة. وهو بتركيبته الاتنية – الدينية المتنوعة، معرّض أيضاً للصراعات الداخلية. وفي الحالتين هو بحاجة لسلطة واعية مدركة لواقع لبنان الجيو- استراتيجي وعلى رأسها رئيس للجمهورية لديه الوعي السياسي للتعاطي مع الأحداث التي تواجه البلاد. ولعلّ أقل ما هو مطلوب منه أن يكون وطنياً استقلالياً كيانياً رجل قرار وهيبة ووقار. رجل يحترم الدستور ويلتزم به بحذافيره «وليس على القطعة». وهذا يجعله ملتزماً بوثيقة الوفاق الوطني أي اتفاق الطائف على القاعدة التي أرساها الإمام موسى الصدر والقائلة: إنّ لبنان وطن نهائي لجميع ابنائه.
2 – إنّ المعايير العامة التي سنذكرها، والتي على أساسها يمكن اختيار شخصية رئيس الجمهورية لا تنحصر أبداً بالأسماء التي سنذكرها. فالأشخاص هم نماذج من الشخصيات اللبنانية وهناك أسماء أخرى ذات قيمة ووزن ومصداقية في ميزان الجمهورية لها كلّها التقدير والاحترام لكننا مضطرّون لأن نعطي نموذجاً يتناول كل معيار رئاسي ونترك للقارئ أن يختار النماذج التي يراها مناسبة والمجتمع اللبناني غنيٌ بمثل هذه النماذج.
3 – المعيار القانوني الدستوري، ذلك أنّ احترام الدستور اللبناني هو الخطوة الأولى في سياق بناء الدولة. لهذا كان خيارنا متجهاً منذ العام 2016 نحو السياسي اللبناني النائب والوزير السابق ادمون رزق باعتباره رئيساً لبنانوياً مارونوياً يتبع خط ميشال شيحا ودستور الجمهورية. ويكفي الاطلاع على دور ادمون رزق في صياغة وثيقة الوفاق الوطني وتعديلات الدستور، لكي ندرك إلى أي مدى هذا الرجل عميق وممثل للرمزية اللبنانية فهو كرجل سياسي يجسّد ما قاله أندره مارلو عن الرجل السياسي في القرن العشرين: أن يكون رجل الثقافة والشجاعة في آن، وهو كذلك.
4 – المعيار العسكري الأمني وفي هذا الباب يذهب التفكير فوراً إلى اللواء جوزاف عون قائد الجيش اللبناني. فهو لصفاته الشخصية: الأخلاقية والأدبية، والوظائفية كقائد عسكري أثبت أنه يتمتّع بمصداقية أخلاقية تحتكم إلى القيم وليس إلى المصالح، وإلى مصير الجمهورية وليس إلى مصيره الشخصي. يضاف إليه أنّ وضع لبنان في هذه المرحلة، حيث توجد فيه قوة مسلحة غير رسمية ممثلة بـ»حزب الله»، هو بحاجة لقوة موازية تقف ضد انهيار الدولة وسقوط النظام. وليس سوى الجيش اللبناني بقيادة رئيسه وقائده العماد جوزاف عون من هو قادر على القيام بهذه المهمّة. فانتخابه يعني «موافقة مقتضى الحال».
5 – المعيار السياسي المؤدلج، وفيه يقوم الناشط السياسي بتخطي مفهوم السياسة المسطّح والعادي ليخرج منه إلى رحاب الايديولوجيا وهو ما عمل عليه، ولا يزال يعمل عليه فريق عمل يجتهد لإقامة مشروع وطن الانسان بادارة النائب السيد نعمة افرام نائب كسروان. إنه يمثّل حركة سياسية وطنية تهدف إلى تشييد جمهورية الانسان والحرية والرسالة والريادة في لبنان على أن يكون جوهرها المواطن أولاً وعيشه الكريم، وتحقيق سيادته في مشروع عابر للطوائف قائم على سبعة أسس: الدولة المدنية، وقانون الانتخاب، واستقلالية القضاء، واللامركزية الادارية الموسّعة، والأمن القومي، والحياد الضامن للسيادة والوحدة، والهوية الاقتصادية – الاجتماعية. على أن يقوم بين اللبنانيين، كل اللبنانيين، تعهد والتزام هدفه أن نبني سوياً وطناً حراً سيداً مستقلاً حافظاً لتاريخه مؤتمناً على مواطنيه… يحفّز المبادرة الفردية ويطلق الابداع.
لقد جاء مشروع وطن الانسان استجابة لثورة الشعب عام 2019 وانهيار الاقتصاد، وتدهور العملة الوطنية وارتفاع معدل البطالة والفقر إلى أكثر من 50% وفُجع لبنان بانفجار كارثي في المرفأ.
6 – المعيار السياسي الأكاديمي، المتمثل بدور القوى الجامعيّة بقيادة بعض المتخرّجين المميّزين في وطنيتهم ووعيهم وثقافتهم ويأتي في عداد هذا الجيل من الخريجين المميزين الوزير السابق زياد بارود، فلقد شغل منصب وزير الداخلية وكان عضواً في لجنة فؤاد بطرس لصياغة قانون الانتخاب اللبناني. ولقد عُرف عن بارود صفات ايجابية مميّزة. فهو رجل ثقافة واسعة ورجل حوار ورجل نموذج في ثقافته الوطنية اللبنانية، ليس على مستوى الكلام العاطفي، بل على مستوى الإيمان العميق بمكوّنات ومبرّرات ومقوّمات الجمهورية اللبنانية. ولذا عرف عنه، لا بل الصحيح أننا نحن عرفنا عنه كونه تناول مشروعنا الانتخابي لدى لجنة فؤاد بطرس، وكان عقلانياً في كل ما قال وفعل.
إنّ هذا النموذج من الرجال، يجمع بالاضافة إلى طاقاته الشخصية، طاقات القوى التقدمية والشبابية التي هي قادرة على ان تضع الفارق في حياتنا السياسية بين الفردية والجماعية، بين الماضي والمستقبل بين مجتمع الجهل ومجتمع المعرفة. وإن أشخاصاً من طينة بارود قادرة أن تجعل من شعبنا، شعباً ترعاه القيادات الرشيدة وتطوّره الآراء السديدة.
في الخلاصة، هذه صورة لما هو عليه لبنان اليوم. ولئن كان الحل الآتي هو في الخروج من الثنائية الحالية إلى خيار ثالث فسيكون حتماً وحكماً في سياق المعايير التي ذكرناها، حتى وإن لم يكن في سياق الأشخاص الذين تمّ ذكرهم مع عدم استبعاد وقوع الخيار على واحد منهم! على ان ما ينبغي قوله أمام اللبنانيين والعالم، ان ما يظنه البعض حلاً للقضية اللبنانية، ليس كذلك، إنه مرحلة في سياق تاريخي صعب ودامٍ ومعقّد، والجهات الساعية لايجاد الحل، هي بكل أسف، من كافة الأطراف ليست قادرة على ذلك، لأنّها لا تطرح تحليلاً علمياً للقضية اللبنانية، بل تحاليل عاطفيّة وايديولوجية! والتحليل العلمي هو المطلوب… من بيروت إلى نيويورك، إلى روما… وأبعد!