كتبت النهار
يأخذ سياسيون حادث اطلاق النار على السفارة الاميركية في عوكر على محمل جدي جدا بحيث يستبعدون في حيثياته ان يكون حادثا عرضيا فحسب . لا احد يملك اجوبة فعلية وقد لا يملكها احد قريبا جدا . ولكن السؤال المخيف يتعلق بما اذا كان الاعتداء هو مؤشر على فتح الابواب امام السيناريو الدائم الذي يشكل قلقا للداخل والخارج بحيث يحض السيناريو الامني ضد السفارة الاميركية هذا الخارج تحت وطأة رسائل امنية تحمل تهديدا علنيا، اما على اتخاذ مواقف معينة او على الانسحاب من ساحة معينة . وحتى الان فان سيناريو تفكك الدولة وانهيار مؤسساتها، بما في ذلك القوى الامنية في ظل عجز الجيش اللبناني عن وقف تدفق النازحين والتهريب عبر الحدود ، كما لو ان الاجهزة الامنية بدأت تفقد السيطرة عملانيا وان كانت لا تزال ممسكة نظريا ، يلوح في الافق لا سيما بعد اسابيع من الاشتباكات الفلسطينية الخطيرة في مخيم عين الحلوة . لكن سياسيين يعتبرون انه ستكون مصادفة غريبة جدا ان يندرج الاعتداء تحت هذا السقف فقط . اذ على صحة كل حيثيات السيناريو المذكور ، فان اطلاق النار على السفارة الأميركية حصل في اليوم نفسه للذكرى التاسعة والثلاثين لتفجير 20 ايلول 1984 الذي استهدف السفارة الأميركية في المنطقة نفسها والذي ادى انذاك الى سقوط 24 ضحية وكانت السفيرة الاميركية دوروثي شيا تحتفل قبل ظهر اليوم نفسه بالذكرى وتكرم ” الزملاء الأميركيين واللبنانيين الذين فقدناهم”. فاطلاق النار في يوم الذكرى نفسه يحمل رسالة بالغة الدلالات عدا عن كون اطلاق النار هو رسالة في حد ذاته . والرسالة المتعلقة بالتوقيت الزمني يخشى ان تعني ان الامر يمكن ان يتكرر والنجاح في الوصول الى اطلاق النار على السفارة يؤكد ذلك وربما بالنتائج نفسها او اكثر . هذا على الاقل ما يعتقده هؤلاء السياسيون وقد لفتهم عدم تسرع الاجهزة الامنية او المسؤولين السياسيين في اصدار اي موقف يتصل بحادث الاعتداء الذي بدا من حيث توقيت حصوله ليلا هو الا يؤدي الى اي ضحايا وتاليا حصره في اطار الرسالة الموجهة الى الولايات المتحدة جنبا الى جنب مع امتلاك فرصة الهرب تحت جنح الظلام من دون امكان لرصد الفاعل بسهولة . كما لفت هؤلاء عدم صدور اي بيان يتبنى الاعتداء من اي جهة ما قد يساعد على الارجح في فهم ماهية الرسالة الموجهة ما لم يكن هناك معلومات تفيد بذلك لم تعلن او قد تعلن لاحقا . وهل هي رسالة فردية او شخصية تبعا لمواقف غاضبة او محبطة نتيجة رفض طلبات معينة الى السفارة، وهو امر محتمل الحدوث في كل دول العالم ام هي رسالة من جهة ما وفق ما يرجح اقله بالنسبة الى النمط المعتمد في لبنان في حوادث مماثلة ؟ وكلها اسئلة لا يمكن الاجابة عليها عشوائيا على قاعدة ان مصادفة على هذا النحو ليست مصادفة ولا كذلك اطلاق 15 رصاصة في منطقة مصنفة امنية بالكامل وتحت حراسة الجيش وامن السفارة . ويخشى في ضوء ذلك ان تنبىء بان التوقيت مدروس ومتعمد ويخشى ان ينذر باطلاق عملية توجيه رسائل امنية خطيرة ربطا باستعصاء داخلي وانسداد افق على خلفية عدم الرغبة في تغيير المشهد السياسي او اتاحة المجال امام ذلك وليست المرة الأولى التي تواجه فيها السفارة الاميركية اعتداءات مماثلة واخرى اكثر خطورة ولكن الامر اكثر تجرأ في هذه الظروف مع الحماية الكبيرة التي تحظى بها السفارة وبوجود حواجز للجيش اللبناني قبل امتار من الوصول اليها ما يحمل البعض على اعتبار اطلاق النار رسالة الى قيادة الجيش ايضا . بالاضافة الى انه يعتقد انه يراد من اطلاق النار عليها القول ان السفارة ليست عصية على الاعتداء او الاستهداف في المنطقة التي باتت تشعر بها بامان اكبر وان الامر لا يزال ممكنا بالاضافة الى ان اختلاف الازمنة لا يجعل حتميا تغير الاستهداف .
بناء على التجربة الطويلة والتي كان لبنان ساحة لها كصندوق بريد على مدى عقود وان بفترات متقطعة ، يخشى هؤلاء بدء مرحلة جديدة من توجيه الرسائل عبر حوادث اعتداءات امنية بعد العجز في فاعلية الرسائل السياسية الموجهة واذا كان الامر يتعلق بما يجري في لبنان او بما يجري في جواره لا سيما في سوريا. يصعب الجزم بذلك بعد ساعات على الاعتداء في انتظار التحقيقات المحلية والاميركية ايضا . ولكن ازاء ذلك لا يملك السياسيون المعنيون سوى اعتباره نوعا من الانذار الذي من شأنه ان يطلق عملية مراجعة لدى الولايات المتحدة بناء على تقويمها لاسباب استهداف سفارتها واذا كان ذلك تبعا لمواقفها من لبنان وما يتعلق منها بالاستحقاق الرئاسي او بامور اخرى . فعلى خلفية اولوية استمرار دعمها للجيش والقوى الامنية فيما يدفع بقائد الجيش الى الامام وربما الى سدة الرئاسة علما ان واشنطن رفضت دوما تبني احتمال وصول جوزف عون معتبرة ان دعمها له قد يكون بمثابة قبلة الموت له سياسيا او اذا كان الوقت لتقويم ما إذا كان لبنان يمثل أولوية يستحق المخاطرة بمواقف ناشطة من اجله ام لا ، يثار تساؤل اول . كما يثار تساؤل اخر على خلفية الدفع نحو تغيير المقاربة السياسية الاميركية الحالية نتيجة الموقف الرافض بالتطبيع مع نظام بشار الاسد . وهي كلها تكهنات في الواقع يتفق كثيرون على نتيجة استهدافها انما مع الاختلاف في تقويم الاهداف لها في الوقت الذي يخشى ان يتطور اسلوب الاعتداء او يعنف اكثر كما عنف في ازمنة سابقة لا تزال مآسيها محفورة في اذهان اللبنانيين وكذلك انعكاساتها الخطيرة التي يعاني منها لبنان . اذ ينقص لبنان فعلا ان يعود الى ذلك السيناريو ايا يكن اصحابه .