ترتفع نبرة بعض القوى والنواب “المحايدين” عن الصراع الحاد بين قوى المعارضة والثنائي الشيعي ملقية باللوم على المعارضة في مسألة الحوار الى حدود يحمّلون فيها هذه المعارضة تبعات الازمة الرئاسية. وأخذ هذا التطور دلالات تستحق المقاربة، اذا كان قصد هذه الفئة فعلاً يعكس اقتناعا بان المعارضة هي التي تضع العصيّ في دواليب مشروع حل أو شقّ مسلك يؤدي الى انتخاب رئيس للجمهورية، علما ان “المعروض” الوحيد الذي يدافع عنه منتقدو المعارضة في رفض الحوار هو حوار الرئيس نبيه بري حصراً.
بصرف النظر عن تشريح موقف وموقع ومصالح كل من يندرج في تحميل المعارضة تبعة رفض دعوات الرئيس بري للحوار، يصعب تجاهل التساؤل التلقائي عما اذا كانت سنة كاملة من الفراغ الرئاسي، في نظر المؤيدين لوجهة نظر الثنائي الشيعي من الحوار المعروض على الآخرين، تُعتبر بصراحة ووضوح كاملين صنيعة “مكايدة” الرفض للحوار كما يسمّيها “الممانعون” في صراعهم مع المعارضة لأن تأييد هذه النظرية يعني ان الذين ينتقدون الآن المعارضة تأخروا 12 شهرا، والحبل على الجرّار، عن موقف كان يُفترض اتخاذه مبكرا جدا. ثم ان التساؤل التالي التلقائي الذي يستتبعه تصاعد انتقاد المعارضة التي هي في كل الأحوال فريق يستحق المساءلة المعنوية والسياسية في كل لحظة اسوة بسواها من الافرقاء، كيف تراهم مؤيدو الحوار الذي يعرضه أحد قطبَي الثنائي الشيعي يصنفون دعوة لا يلحظها الدستور عن المرجع البرلماني الذي صار يعترف بنفسه منذ اعلن تأييد مرشح محدد بعينه انه صار طرفا وفريقا الى حدود كان يفكر معها بان يسند رئاسة طاولة الحوار الى نائب رئيس المجلس لو تحققت دعوته الى هذا الحوار؟
وأما التساؤل الثالث الأكثر الحاحا فعلا الذي يستثيره انحياز الفئة التي تلوم المعارضة، ولو ان هذا حقّ سياسي وديموقراطي لا جدال فيه لهذه الفئة، فهو من باب تسجيل الاطار المبدئي الصرف عليها: هل كانت السنة الكاملة من تعطيل الاستحقاق الرئاسي صنيعة من رفض الحوار أم نتيجة تمترس فريق الممانعة وعلى رأسه “الثنائي الشيعي” وراء مرشح واحد صار شعار إيصاله إما مرشحنا وإما بلّطوا البحر لمئة سنة؟ من تراه رفض مبدأ التسليم للديموقراطية الدستورية المطلقة والاحتكام للتصويت المفتوح حتى ملء شغور قصر بعبدا ما دام مرشحه مرفوضا من المعارضة وفئة كبيرة من المستقلين بما فيها مَن يرفع نبرة لوم المعارضة اليوم؟
ما دامت الازمة بلغت حدود ضياع كامل أمام تشتت الوساطات وغموض المسار غموضا لا سابق له بعد ذاك الاجتماع المثير للجدل للمجموعة الخماسية في نيويورك، صار من الحتمي على أفرقاء الداخل ولو جرجروا ذيول العجز عن لبننة الحل، ان يجروا مراجعات معمقة لكل خطاب الازمة أقله لجهة المحاذرة من السقوط في ازدواجية سياسية لم تعد تمر بسهولة على اللبنانيين. ثمة سؤال يتعين إعادة طرحه كلما صدحت أصوات بنغمة الحوار الذي يراد له ان يكون السبيل الأمثل لحشر الخصوم: ماذا يعني طرح حوار كشرط استباقي للذهاب الى واجب دستوري هو المسلك الحصري لانتخاب رئيس الجمهورية، غير ان الامعان في اشتراط الحوار هو كسر الخصم ومحاولة ارغامه على “الاستسلام”؟ لتكن “حرية الاستسلام” إذن لمن يؤيد هذا الخيار وهذا النمط من الحوار!