رلى إبراهيم – الأخبار
في 29 تشرين الأول المقبل، ينتخب محازبو القوات اللبنانية رئيس الحزب ونائبه وأعضاء الهيئة التنفيذية. الانتخابات الداخلية التي تجرى للمرة الأولى بـ«ديموقراطية» رسمت معراب حدودها بدقة. الرئيس ونائبه سيفوزان بالتزكية، فيما عُمّمت مسبقاً أسماء أعضاء الهيئة التنفيذية الذين يرغب آل جعجع في انتخابهم
للمرة الأولى منذ تأسيسها، ومنذ إقرار النظام الداخلي لحزب القوات اللبنانية عام 2011، يخوض القواتيون نهاية الشهر المقبل استحقاق انتخاب أعضاء الهيئة التنفيذية للحزب بـ«ديموقراطية مضبوطة». وفي حين أن رئاسة الحزب معقودة لسمير جعجع «إلى الأبد»، كما هي الحال لنائبه جورج عدوان، بدأت المعركة الداخلية على «ما تبقّى» لإيصال 11 عضواً إلى الهيئة، من بين 27 صمدت ترشيحاتهم.
وكما هي حال انتخابات معظم الأحزاب، لا تسلم «الديموقراطية» الحزبية من تدخلات «القيادة» للتأثير على النتائج، كونها «أدرى» بمصلحة الحزب. غير أن ما «يميّز» القوات أن «القيادة»، هنا، لا تعني «الحكيم» فقط، بل أيضاً زوجته النائبة ستريدا جعجع التي تسعى الى هيئة يكون معظم أعضائها مقرّبين منها. فيما ينقل قواتيون عن رئيس الحزب قوله بوضوح، في أحد اجتماعات المجلس المركزي، إنه لا يرغب في وصول جيل شاب إلى مقاعد الهيئة التنفيذية في أول انتخابات من نوعها يشهدها الحزب، بحجة أن «مجرد وصول الشباب الى هذه العضوية يعني نهاية حياته الحزبية». والأرجح أن جعجع يريد هيئة من «قدامى المحاربين المتقاعدين»، الذين يدينون بالولاء الأعمى له. وهنا، تسأل مصادر المستائين: «كيف يُراد لوزراء ونواب ومسؤولين سابقين لم يقدّموا أداءً جيداً في المناصب التي تسلّموها سابقاً أن يشاركوا في القرار السياسي، اللّهم الا إذا كانت مهمتهم البصم»!
وقد بدأت تتسرّب من معراب قوائم بأسماء تزكّيها ستريدا، ما أدى إلى إرباك بين القواتيين الذين لا تجربة سابقة لهم في الديموقراطية الحزبية، فآثر بعضهم التقيّد بـ«التعليمات». أحد هؤلاء سيمون مسلّم (وهو مسؤول أمني في معراب ادّعى عليه القضاء بالإعداد لأحداث الطيونة في تشرين الأول 2022) الذي تقدّم بترشيحه في 22 آب نزولاً عند طلب آل جعجع مع الخشية من عدم تقدّم كثيرين بترشيحاتهم، وسحب ترشيحه في 7 أيلول الجاري نزولاً عند رغبتهم أيضاً بعدما تبيّن أن عدد المرشحين صار كبيراً.
فور سحب مسلّم ترشيحه، تحوّل إلى توجيه الناخبين للنزول عند رغبة آل جعجع، أيضاً، فنشر على صفحته على «فايسبوك» أسماء من يُراد فوزهم بـ«ديموقراطية»، وهم: عن البقاع كل من: ميشال تنوري (المنسق السابق للقوات في قضاء زحلة ومرشح الحزب عن المقعد الماروني في الانتخابات النيابية الأخيرة) وبشير مطر (رئيس بلدية القاع وقريب المرافق الشخصي لستريدا جورج مطر)؛ عن الجنوب: أسعد سعيد (مستشار رئيس الحزب للشؤون التنظيمية وهو من المقاتلين السابقين ضمن «مجموعة 104» التي تولّت مهام في عين الرمانة وتلّ الزعتر، وكان مسؤولاً في المجلس الحربي مع بشير الجميل)؛ عن بيروت: دانيال سبيرو (المسؤول السابق لمصلحة الطلاب خلال وجود جعجع في السجن وتولي ستريدا زمام الأمور، ومن ثم المنسق السابق لمنطقة بيروت)؛ عن جبل لبنان: فادي ظريفة (مستشار رئيس الحزب للشؤون القانونية والمشرف العام على الإذاعة) ونائب المتن السابق إدي أبي اللمع (أحد أعضاء الحلقة الضيقة التي أحاطت بستريدا أثناء سجن زوجها) والوزير السابق طوني كرم؛ عن الشمال: أنطوان زهرا (تردّدت معلومات عن منعه من الترشح لنيابة الرئاسة أمام عدوان) وإيلي كيروز (نائب سابق عن قضاء بشري اختارته ستريدا إلى جانبها لدورات متتالية وهو أشبه بظلّها الذي رافقها منذ عام 1994) ووهبي قاطيشا (نائب سابق عن عكار وأمين سر سابق للحزب ومستشار جعجع لشؤون الرئاسة، تولّى قيادة الوحدات العسكرية في القوات سابقاً)؛ عن الاغتراب: جوزيف جبيلي (رئيس المركز اللبناني للمعلومات في واشنطن ورئيس مكتب القوات للعلاقات الخارجية في الولايات المتحدة، وقد عاد للاستقرار في لبنان أخيراً).
*جعجع يريد هيئة تنفيذية من «قدامى المحاربين» وخيبة بين المحازبين الجدد*
مع ستريدا «عتم»
«تعميم» مسلّم استدعى تعليقاً من مرافق ستريدا، جورج مطر، بكلمة: «عتم» أو بمعنى آخر «عالعمياني». فيما عبّرت تعليقات عدة، من مختلف المناطق، عن الخيبة من «إملاء» الأسماء، وعمّا إذا كانت هذه «أوامر» و«كلمة سر»، وعن المعايير التي اعتمدت لاختيار هذه الأسماء، وعمّا قدّمه أشخاص كقاطيشا وكيروز وأبي اللمع أثناء نيابتهم لاختيارهم أعضاء في الهيئة التنفيذية، ووصل الأمر ببعضهم إلى الجهر بـ«مقاطعة الانتخابات».
استخدام مسلّم للتأثير على الحزبيين ليس بريئاً، إذ تعلم معراب مدى تأثير المسؤولين العسكريين السابقين على القاعدة القواتية، ولذلك فإنّ المرجح أن الأسماء التي نشرها ستكون هي الرابحة، مع احتمالات خرق ضئيل عبر رياض عاقل في بيروت ومايا الزغريني في جبل لبنان. فيما تولّت معراب مسبقاً استبعاد أسماء قد تحقق اختراقاً كحال ستريدا الصقر (ابنة رجل الأعمال إبراهيم الصقر أحد الداعمين مالياً للقوات) التي ترشّحت عن أحد مقعدَي البقاع في الهيئة التنفيذية ورُفض ترشحها. وهي أعلنت أنها تدرك «خلفية الرفض»، معلنة التزامها بقرار القيادة، فيما يتناقل القواتيون في زحلة أن سبب رفضها هو إعلانها في الانتخابات النيابية الماضية الترشح الى جانب رئيسة الكتلة الشعبية ميريام سكاف، قبل أن تتراجع استجابة لطلب معراب. كذلك رفض طلب ترشّح البشراوي زياد كرم بسبب ما وصفه البعض بـ«خلاف مع الريّسة».
المفارقة أن أيّاً من المرشحين، المقربين من معراب والمغمورين، لم يتكلف عناء القيام بحملة انتخابية لطرح مشاريع وأفكار، رغم الحماسة التي كانت تسود القواتيين سابقاً لخوض تجربة الانتخاب الأولى داخل الحزب، إذ إن الشعور السائد بين الجميع أن النتائج «جاهزة»، وهو ما عبّرت عنه أنجليك خليل، مديرة مكتب النائب القواتي غسان حاصباني سابقاً، عندما كتبت على صفحتها على «فايسبوك» أنه «بخصوص النتايج (نتائج الانتخابات)، الورقة بالجارور وحدّ كل اسم قديه آخد (أصوات)»!
ويحقّ لكل الحزبيين في لبنان والانتشار المنتسبين الى القوات منذ أكثر من 3 سنوات التصويت في هذه الانتخابات. وتضم الكتلة الناخبة في بشري ودير الأحمر، أي مركز نفوذ ستريدا، أكبر عدد من المنتسبين، وبالتالي سيكون لهذه الكتلة تأثير قوي على النتائج. وتؤكد مصادر قواتية أن ستريدا تقوم بنفسها بالتواصل مع البشراويين لحثّهم على انتخاب مرشحيها في الشمال، فيما يتولى مدير مكتب جعجع، إيلي براغيد، التسويق للأسماء المختارة في بقية المحافظات.
نظام داخلي… والكلمة الأخيرة للرئيس
بموجب التعديلات على نظام انتخابات الهيئة التنفيذية، لم يعد النواب أعضاء حكميين فيها، وباتت تتألّف من 11 عضواً إلى جانب رئيسها ونائبه والأمين العام والمفوّض المالي.
الانتخابات المحدّدة بولاية من ست سنوات، لن تقتصر على المنسّقيات الداخلية، بل سيشارك فيها حزبيو الانتشار. ويتوزّع أعضاء الهيئة التنفيذية كالتالي: 3 من محافظة الشمال، 3 من جبل لبنان، 2 من البقاع، 1 من بيروت، 1 من الجنوب و1 من الانتشار، على أن يعيّن الرئيس المنتخب عضوين إضافيين يختارهما بنفسه. ويمكن، نظرياً، لأي حزبي الترشّح إلى الهيئة التنفيذية إذا كان عضواً في الحزب منذ أكثر من 10 سنوات. ويترشّح كلّ بحسب قيده الحزبي وفقاً للتقسيمات المناطقية، ليترك في المقابل للمنتسبين مركزياً أو في المصالح الترشّح وفق منطقة قيد نفوسهم. أما الترشح إلى منصب الرئيس أو نائبه، فيستلزم عضوية تتخطى الـ 15 عاماً على أن يكون المرشح قد شغل مهامَّ في الحزب. فيما يفترض أن يكون الناخب منتسباً منذ أكثر من 3 سنوات ليتمكّن من الاقتراع. وتقدر القوات عدد المنتسبين بـ 40 ألفاً. وقد فُتح الباب أمام الحزبيين في لبنان والانتشار للمشاركة الفعلية في الانتخاب عبر تطبيق إلكتروني مخصّص لهذه الغاية حيث يمكن للمقترع انتخاب الأعضاء وفق توزيعهم المناطقي من دون لوائح.
للهيئة التنفيذية دور أساسي في اتخاذ القرارات في الأمور المفصلية، سواء كانت سياسية أو تنظيمية أو تلك التي تتعلق بالانتخابات النيابية والبلدية واختيار الوزراء وتعيين رؤساء المناطق والأجهزة، لذلك تحرص قيادة الحزب على إبقاء الهيئة تحت سيطرتها. أما نظام التصويت داخل الهيئة فهو أكثري، وفي حال التعادل، تكون للرئيس الكلمة الفصل، ويُفوّض بالقرار النهائي عند الحاجة، ما يعني سيطرة الرئيس فعلياً على القرار وتغطية نفسه بمجلس لزوم «الديمقراطية».
«تداول» السلطة في القوات
تأسّست القوات اللبنانية عام 1976 كمنظمة قتالية لتكون الذراع العسكرية للجبهة اللبنانية، وكان بشير الجميل أول قائد لها، قبل أن يعمل على «توحيد» الأحزاب المسيحية عام 1980 في كنف القوات. بعد مقتل بشير في أيلول 1982، خلفه فادي أفرام لمدة عامين، ثم فؤاد أبو ناضر بين أواخر 1984 وآذار 1985، عندما قام سمير جعجع بانتفاضة ضده مع كريم بقرادوني وإيلي حبيقة الذي عُيّن قائداً عاماً للميليشيا لنحو عام نفّذ خلاله انقلاباً في نظام القوات التي أصبحت مستقلة تماماً عن حزب الكتائب، قبل أن يختتم جعجع «تداول» السلطة في كانون الثاني 1986، عندما قاد انقلاباً على حبيقة بعد توقيعه في دمشق «الاتفاق الثلاثي» لإنهاء الحرب، مع رئيس حركة أمل نبيه بري ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، برعاية سورية. ومُذَّاك يتربّع جعجع على رأس القوات، حتى أثناء سجنه بين عامي 1994 و2005، تولّت خلالها زوجته ستريدا القيادة مع حلقة ضيقة من المقرّبين.