جريدة الأخبار لمى غسان علي
يستمر المحتجّون في محافظة السويداء جنوب سوريا، في الوقفات اليومية، منادين بمطالباتهم التي لا يوافق عليها كل أهالي المحافظة، لكنّ اللافت أن المجموعات التي تقود الاحتجاج في «الكواليس» لم تصل حتى الآن إلى اتفاق في ما بينها. ويستمر الشيخ حكمت الهجري في الظهور بشكل شبه يومي في تصريحات لدعم الحراك والمحتجّين الذين أخذ بعضهم يهتف باسمه بدلاً من الهتاف للوطن، على رغم الاتصالات الأميركية المتزايدة به.
وخرق هدوء التظاهرات اعتداء على سيارة إطعام عسكرية على أحد مداخل المدينة من قبل مسلحين، واتجهت أصابع الاتهام إلى جماعة ليث البلعوس، الذي نفى علاقته بالموضوع.
وباتت «ساحة الكرامة» (التي سُميت هكذا مع بداية الاحتجاج بعد أن كانت ساحة السير) وسط مدينة السويداء، العنوان الرئيس للتظاهرات، حيث تقصدها الوفود من المدن والقرى المحيطة في محاولة لحشد أكبر عدد من المتظاهرين في مكان واحد، وخاصة بعدما انتقلت مرحلة التظاهرات من العفوية إلى التنظيم والتي تتمّ الدعوة إليها بشكل رسمي عبر مكبّرات الصوت في بعض القرى وعلى صفحات وسائل التواصل الاجتماعي في أخرى. ويزيد وينقص عدد المحتجين في معدّل غير ثابت خلال أيام الأسبوع ليصل إلى ذروته في يوم الجمعة، مع استمرار وقع الحياة بشكل شبه طبيعي، ويقول الموظف ض.ص الذي طلب استخدام الأحراف الأولى من اسمه فقط، لـ«الأخبار»: «نداوم في مكاتبنا وننجز أعمالنا، لكن بفم ساكت، لأننا كموظفين في الدولة قد نتعرض للانتقاد والإزعاج، وهذا أيضاً حال من لا يشارك المتظاهرين احتجاجاتهم أو حتى يعبّر عن رأيه برفضه لبعض شعاراتهم»، ويوضح أنه كابن مدينة السويداء يعلم جيداً أن «70% من متظاهري ساحة الكرامة هم من أهالي الريف. أما أبناء المدينة فهم بمنأى عن الحدث، وخاصة أن أغلبهم يتبع دينياً لشيخ العقل يوسف الجربوع الذي أخذ منحى مختلفاً في تأيديه للحراك».
وتلوح في أفق مشهد الحراك في السويداء انقسامات بين مؤيّديه، سواء من حيث المرجعيات الدينية التي تمثّلهم، أو الفئات التي تندرج تحت مسمى «قادة الحراك»، وفقاً لمنشورات على وسائل التواصل الاجتماعي تحدّثت عن خلاف نشب على إحدى المجموعات الخاصة حول «الهيئة السياسية» التي شُكلت لتقود الحراك.
*خلاف نشب على إحدى المجموعات الخاصة حول «الهيئة السياسية» التي شُكلت لتقود الحراك*
ويؤكد أحد أطراف الخلاف الذي يرفض الكشف عن هويته أن المجتمع الأهلي في السويداء منقسم، ولا توجد جهة أو هيئة معيّنة تمثّله بأكمله، مشيراً إلى أنه ينتمي إلى الفئة التي يمثلها الشيخ يوسف جربوع وتجمع عائلات السويداء، ويقول لـ«الأخبار»: «نحن كإحدى فئات مجتمع السويداء نؤيد الحراك ونتواجد في ساحات التظاهرات لرفع مطالبنا التي تنحصر بتحسين الوضع المعيشي والقضاء على الفساد وتحقيق مطالب سياسية تحت إشراف الحكومة. ونرفض سقف المطالب الذي بات غير مقبول». ويضيف أنه على رغم الاختلاف مع «حزب البعث» على مدى عقود، إلا أن جماعته في هذه الأزمة ترفض الإقصاء كما تفعل فئات أخرى من المتظاهرين، ويطالب بحوار شامل مع كل أطياف الشعب السوري، «فحل المسألة السورية لا يكون إلا بوجود كل السوريين، والتأكيد على وحدة سوريا وطرد كل أشكال الاستعمار وعدم التعاون مع أي أيدٍ غريبة».
وتنفي المشاركة في الحراك ل.ح. التي ترفض أيضاً كشف هويتها الكاملة وجود انقسام بين صفوف المحتجين، معتبرة أن ذلك مجرد ترويج لإضعاف الحراك، وتقول: «الشعب لم ينجرّ وراء هذا التضليل، ووافق على تمثيله من قبل شيخَي طائفة العقل (الهجري والحناوي) اللذين دافعا عن حق الشعب واختارا الوقوف معه في وجه السلطة، وكان دعمهما للحراك من مبدأ إنساني أولاً ووطني ثانياً من دون كلام سياسي، أما الشيخ الثالث (جربوع) فأعتقد أنه خسر صوته ومكانته بين أهله». وتضيف أن «الشعارات تحوّلت إلى مطالب سياسية لأن الانتفاضة الشعبية انطلقت كردّ فعل منطقي وطبيعي للمطالبة بالحقوق المسلوبة من الشعب السوري التي لا تُسترد إلا بالحل السياسي».
وشهد الأسبوع الماضي أشكالاً جديدة من التعبير، من خلال استبدال صور الرئيس السوري الحالي والسابق على مباني ومداخل القرى بصور رموز سوريّة أخرى منها صور سلطان باشا الأطرش، حاول فيها المتظاهرون قدر الإمكان ألا يظهروا كمخرّبين للمنشآت العامة. ويبدو أن هذا النوع من الحوادث، على رغم قلته، ظهر في الأرياف التي لا تشهد وجوداً أمنياً كثيفاً بعكس المدينة. وهنا يرفض الإعلامي معين العماطوري هذه الحوادث ومثلها الشعارات التي تطالب بإسقاط النظام، ويجد أن من يرفعونها لا يشكلون 2-3% من مجموع أهالي السويداء، موضحاً أن عدد المتظاهرين في ساحة الكرامة في أحسن الأحوال 2000 شخص من أصل عدد سكان المدينة الذي يصل إلى 60 ألف نسمة، ويقول لـ«الأخبار»: «كنت متعاطفاً بالكامل مع الحراك في بدايته قبل أن ينحرف عن مساره وتتطور شعاراته إلى مطالب سياسية متفاوتة، كان سببها تسويف الحكومة واللامبالاة بموقف الشعب، إضافة إلى إيجاد بعض الجهات المتطرفة بمعارضتها، المناخ المناسب لاستغلال الحراك باتجاه آخر». ويؤكد العماطوري أن «أهم ما في الحراك رفض الشارع بشكل قطعي الانفصال واعتباره ترويجاً من جهات خارجية ومؤامرة على قيمة وجوهر الحراك بمضمونه الإنساني والأخلاقي والتاريخي للسويداء وثقافتها الوطنية والقومية». ومع ذلك لا ينكر أن المتظاهرين في الشارع أثبتوا سلميتهم وحضاريتهم بالحفاظ على مرافق ومؤسسات الدولة من دون تخريب ومن ثم تنظيف الساحات بعد كل تظاهرة.
ويستمر غياب العلم السوري الرسمي عن ساحات التظاهرات رغم اعترافات كثيرة من قبل المتظاهرين بضرورة وجوده كعلم يمثل جميع السوريين، وتوضح ناشطة لـ«الأخبار» أن «رفع البيارق في الساحات أخذ صدى إيجابياً بين المتظاهرين بعد الاختلاف الذي حصل بداية الأحداث، بين رفع العلم الرسمي الحالي لسوريا والعلم الذي رُفع في عام 2011، فكان الحل الوسطي اختيار رفع البيارق وعلم الطائفة الدرزية مع الحرص على عدم إلغاء وجود العلم السوري الحالي، حيث تجده إلى الآن معلّقاً في ساحة الكرامة»، وتؤكد أن «البيارق ليست لها أي دلالة انفصالية بل تحمل دلالة اجتماعية ورمزية ثورية وتعبّر عن ثقافة مجتمع بأكمله هو جزء من الشعب السوري».