كتبت النهار
ان تقرأ أمس ما أدلى به الحاكم بالانابة وسيم منصوري الى وفد نقابة المحررين، فذلك يثلج القلب، لا لزهرية الوضع، ووفرة المال، بل لوجود رؤية مستقبلية، ولو في حدّها الادنى، اذ لا يجوز الغرق في التفاؤل، في بلد يستفيق كل صباح على مشكلة أو كارثة، وينام على أزيز رصاص، ولو كان يعبّر عن فرح بنجاح في الشهادة المتوسطة، أو جراحة تطهير صبي. وكلامه يريح لأنه يعبّر عن شفافية في التعامل مع الملفات، ولو من دون ضمان النتيجة، لأن الامور محكومة بظروفها المتبدلة والمتدحرجة في لبنان.
حقق الحاكم الجديد نوعا من الارتياح لدى اللبنانيين والمجتمع الدولي، ولقاؤه السفير السعودي وليد البخاري الاسبوع الماضي، دحض ما روَّج له بعض خصوم، من ان زيارته الى المملكة العربية السعودية، كانت مجرد مشاركة في مؤتمر، ولم تحقق اي خطوة ايجابية.
الثقة تسبق وفرة المال، وهي المسؤولة عن جذب الرساميل. ومصارف لبنان تعاني من انعدام الثقة، ما حوّلها صناديق للسحب ليس اكثر. وهذه حالة تدميرية للقطاع. صحيح ان الحاكم السابق رياض سلامة لا يتحمل وحيدا مسؤولية “خراب البصرة”، لكنه بمحاولته الالتفاف على الشفافية في عرض الارقام، وتحليل النتائج، خسر كل الثقة التي بناها اعواما، ليخرج من المصرف المركزي متهما، وملاحقا.
نجح منصوري في تحقيق استقرار لا نعرف الى متى يدوم، لكنه استقرار مريح نفسيا وماليا، وهو ينطلق من اسباب وخطوات عدة ابرزها:
– دفع رواتب القطاع العام بالدولار. وهي مسألة اساسية في الحفاظ على سعر صرف الليرة، انطلاقاً من تأمينها الدولار لنحو 400 الف عائلة ويحدّ من مسارعة افرادها لشراء الدولار من السوق السوداء، ويوفر اجزاء من قيمة رواتبهم بالليرة المتدنية اساسا.
– تأمين حاجات القوى العسكرية والامنية بالدولار، مما يحافظ على الأمن ويمنع تكبيل القوى الامنية التي تحتاج الى محروقات وغذاء وامور لوجستية لزوم قيامها بمهماتها.
قد لا تكون مسؤولية المصرف المركزي الحفاظ على الامن الاجتماعي في البلد، لكن من مسؤولياته ضبط النقد. وفي حال اعتُمد دفع الرواتب بالليرة وتوفير الحاجات المذكورة آنفا ايضا بالعملة الوطنية، فيعني ذلك وضع كميات كبيرة من الليرة في السوق دفعة واحدة أواخر كل شهر، ما سيؤدي الى طلب كبير على الدولار، والى تفلّت سعر الصرف، وإذذاك لا يستطيع المصرف المركزي ضبط الوضع
السؤال الكبير: هل يستطيع الاستمرار، والى متى؟
تحتاج الاستدامة في الاستقرار الى اصلاحات غير محققة حتى تاريخه، بسبب الخلافات السياسية، والشغور الرئاسي، ووضع حكومة تصريف الاعمال، وشلل مجلس النواب، ما يدفع الى القول ان ما يقوم به منصوري انجاز في ذاته، بعد غرق البلاد في توقعات الانهيار النقدي الشامل بعد مغادرة سلامة الحاكمية.
المعطيات تشير الى ان الاستقرار الحالي مستمر الى نهاية العام الجاري، ما لم يطرأ ما ليس في الحسبان سياسياً ومالياً وامنياً. ويبدو من خلال حركة السوق ان الدولار متوافر في لبنان (يصل المبلغ الى 11 مليار دولار وفق تقديرات)، مما يوحي ان معادلة الشهرين الماضيين (موسم الاصطياف) مستمرة. لكن تمويل الدولة أمر يحتاج الى خطة اصلاحية شاملة صارت مرهونة بانتخاب رئيس للجمهورية، وقيام حكومة فاعلة، وانتظام عمل المؤسسات، فمنصوري كما قال امس ليس المسؤول عن مالية الدولة خصوصا من دون ملاقاته بالاصلاحات والتشريعات، الامر الذي تشجع عليه العواصم الدولية والعربية المهتمة بلبنان.