كتبت النهار
لم ينجح “حزب الله” في شهر آب الماضي في إقناع الغالبية في مجلس الأمن الدولي بإلغاء ما كان قرّره قبل سنة يوم وافق على استمرار انتداب “اليونيفيل” للعمل داخل منطقة عملياتها في الجنوب المحدّدة في القرار الدولي 1701 الذي صدر بعد حرب تموز 2006 ولم يُنفّذ مضمونه الأساسي. ذلك أن “حزب الله” ومعه “الثنائية الشيعية” وحلفاء لهما أصرّوا على إلغاء التعديل الذي أُدخل السنة الماضية على القرار في أثناء تجديد انتداب “اليونيفيل”، وأعطاها حق القيام بدوريات في منطقة عملها من دون الحاجة الى طلب إذن من قيادة الجيش المُنتشر الى جانبها في منطقة عملياتها، كما من دون مواكبته لها في تحركاتها. وعاد عدم نجاحه رغم تبنّي الحكومة اللبنانية التعديل المذكور ومحاولتها وإن غير المستميتة، وذلك ناتجٌ إما عن عجز وهذا هو المرجّح، وإما عن ضعف جرّاء الشغور الرئاسي وانعدام الثقة بحكومة تصريف الأعمال في الداخل والخارج، وإما عن عدم رغبة ضمني في إلغاء التعديل، علماً بأنه عملياً لم يُنفّذ بعد إقرار مجلس الأمن له السنة الماضية. وعاد أيضاً الى عجز دولتين دائمتي العضوية في مجلس الأمن هما الصين وروسيا عن منع إقرار إلغاء تعديل السنة الماضية إذ اكتفتا بعدم التصويت فيما كان الأعضاء المصرّون على إبقائه من دول دائمة العضوية وأخرى ذات عضوية محددة بزمن، علماً بأنه كان في إمكانهما تعطيل تأكيد مجلس الأمن على استمرار تعديل السنة الماضية لو استعملتا حق النقض أي “الفيتو” في أثناء التصويت على هذا الموضوع.
يعود موقفهما الى أسباب عدّة أبرزها اثنان. الأول اقتناعهما بضرورة تجنّب حرب إسرائيلية – لبنانية – “حزب اللهية” بعد انقضاء 17 سنة على حرب 2006، إذ من شأن ذلك إرباك الشرق الأوسط الذي يعيش أساساً ظروفاً بالغة الصعوبة والدقة سواء في الجزء العربي منه أو غير العربي، والذي ربما يكون له الدور البارز بل الأبرز في حسم الصراعات الدولية المتصاعدة سواء إيجاباً بالتفاهم على نظام دولي جديد ينبثق منه نظام إقليمي جديد، أو سلباً يجعل المنطقة كلها ساحة حروب أدواتها دائماً دولها وشعوبها وأصحاب القرار فيها الدول المتصارعة على النفوذ داخل كل منها كما في العالم. أما السبب الثاني فهو حرص الدولتين، وأولاهما روسيا، على عدم إيصال الصراع الدولي المحتدم عسكرياً مع الولايات المتحدة وحرص الصين على إبقاء صراعها مع الولايات المتحدة تنافساً حاداً لا صراعاً على النفوذ في مناطق دولية عدّة، كما في المجالات الاقتصادية والصناعية والتجارية وحتى التسليحية.
طبعاً السؤال الذي يطرحه اللبنانيون اليوم هو لماذا مرّ التعديل الجزئي لمهمة “اليونيفيل” في منطقة عملياتها الجنوبية استناداً الى القرار 1701 العام الماضي بسلاسة رغم امتعاض “حزب الله” منه ومعه حليفته الإقليمية الجمهورية الإسلامية الإيرانية؟ لا جواب لدى “الموقف هذا النهار” عن هذا السؤال، علماً بأن بعض المحلّلين قد يعتبر أن دخول لبنان وإسرائيل في تفاوض بواسطة الأمم المتحدة ثم الولايات المتحدة نجح في ترسيم الحدود البحرية بينهما معها وسمح للأول بالتنقيب عن النفط والغاز في مياهه الإقليمية، وطمأن الثانية الى أن بدأها استخراج الغاز من حقل كاريش المجاور لحقل قانا اللبناني وتصديره لن توقفه هجمات مسيّرات “حزب الله”، ولن تحوّل ذلك حرباً واسعة بين الدولتين يعرف الجميع أنها لن تكون نزهة أبداً رغم أنها قد تعيد لبنان الى “العصر الحجري”. وهذا أمرٌ اعترف به الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله في لقاء تلفزيوني قبل أسابيع لكنها أي الحرب قد تعيد إسرائيل أيضاً الى “العصر الحجري” على حد قول الأخير. هذا أمرٌ تعرفه الحكومة في الأخيرة أي إسرائيل وتعترف به وإن كانت تظن أنها قادرة على إعادة بناء نفسها في سرعة فيما ذلك متعذّر على لبنان و”حزب الله” صاحب الكلمة الأساسية والقوة الأساسية فيه.
في أي حال، مرّ قطوع التجديد لقوات الطوارئ الدولية في الجنوب على خير رغم إبقاء “حرية تحرّكها في منطقة عمليات الـ1701 وعدم حاجتها الى إذن من الجيش اللبناني فيها”. ولم يحاول “الحزب” الغوص عميقاً بحثاً عن الموقف الفعلي للبنان الرسمي من هذا الموضوع الذي ساده الارتباك والتشوّش والانفعال وفي النهاية بتحميل مندوبة لبنان في الأمم المتحدة مسؤولية التصرّف الخاطئ. علماً بأن ذلك لا يبرِّئ المسؤولين عنها في بيروت ولا حكومة تصريف الأعمال الذين يُحتمل جداً أن يكون موقفهم الضمني من إلغاء تعديل السنة الماضية الذي أُدخل على مهمة “اليونيفيل” مختلفاً عن الموقف الرسمي اللبناني المُعلن. علماً أيضاً بأنهم يعرفون أن لبنان والمنطقة وربما الدول الكبرى والعظمى المؤثّرة فيها لا مصلحة لهم جميعاً في اندلاع مواجهة عسكرية طاحنة بين لبنان و”الحزب” مع إسرائيل هم الذين يخوضون صراعات مباشرة سياسية وتجارية في ما بينهم وأحياناً أمنية. وهم يرفضون الحرب بالواسطة الآن لأنها لا تستطيع أن تبقى كذلك ولأنها قد تتحوّل حرباً مباشرة.
ولإلقاء الضوء الضروري على مسألة التجديد الأخير لـ”اليونيفيل” في منطقة عملياتها بحسب القرار 1701 في جنوب لبنان ولتمكين اللبنانيين من معرفة تفاصيل “المعركة الأخيرة” حوله في مجلس الأمن لا بد أن يعرفوا بكثير من التفاصيل غير المملة ما دار في جلسات التجديد “الأخير” كلها، وذلك كي يحكموا بأنفسهم على مواقف كل الأطراف الظاهرة منها والضمنية، كما كي يعرفوا وقائع كل ما أحاط بالتجديد وما نُشر عنه، والانحياز الواعي أو اللاواعي الى إسرائيل داخل مجلس الأمن والغياب الفعلي لدولة لبنان والحضور الأول لـ”حزب الله” في تلك المعركة.