كتبت النهار
باتت هناك قناعة راسخة على نطاق المجالس السياسية اللبنانية، وهي قناعة منطلقة من التأكيد على استنفاد أيّ قدرة داخلية للتوصّل إلى حلحلة قريبة من شأنها تسريع وتيرة استحقاق الانتخابات الرئاسية، بعدما انحسرت عجلة المداولات وتراجعت المقولة المعوّلة على إمكان “انبثاق الحلّ من الداخل” بالنسبة إلى قوى المعارضة التي يُلاحَظ تراجع رهانها على بصيص محلّيّ. وهذا ما جرى إبلاغه من شخصيات سياسية لبنانية للموفد القطريّ جاسم بن فهد آل ثاني في الأيام الماضية، فيما علمت “النهار” أنّ التوصيات والملاحظات التي انطلقت منها المعارضة في السياق أشارت إلى ضرورة التدخّل مع إيران للبحث عن “خفض التعنّت” القائم على مستوى فريق “الممانعة” المتشبّث في مقاربته المتمسكة بمرشّح أوحد. وعُلم أنّ المرحلة المقبلة على مستوى الحراك الرئاسي ستكون مركّزة على المساعي الدولية – القطرية خصوصاً انطلاقاً من علاقاتها مع طهران – للبحث عن انفراجة ممكنة في استحقاق الرئاسة الأولى.
لماذا انخفض مؤشّر “الحلّ الداخلي” في قراءة قوى المعارضة “حدّ الأفول” بعدما كانت مقاربتها مرتكزة على التلويح حول ضرورة إتمام الاستحقاق بمقوّمات داخلية؟ هناك ما يشبه التأكيد الذي تلقّفته التكتلات النيابية المعارضة حيال انعدام إمكان اللجوء إلى الآليات الاعتيادية أو ما يسمّى “لبننة الاستحقاق” ومعالجة الأزمة الرئاسية من دون تدخّل خارجيّ مع طهران، بعدما استطاع محور “الممانعة” إقفال أبواب البرلمان ونقض الالتزام بالمهلة الدستورية لانتخاب رئيس للجمهورية وعطّل إمكان الانتقال إلى دورات انتخابية متتالية من شأنها أن تحسم الفوز لمصلحة مرشّح أو آخر. وكذلك، لا تغفل مقاربة المعارضة رفض الفريق المقابل الانتقال إلى تسوية رئاسية معتمدة على التوصل إلى “خيار ثالث”، رغم موافقة قوى أساسية في المحور السيادي المعارض على مقترح مماثل. وقد أقفلت هذه الاعتبارات مجتمعة الأبواب أمام أيّ “دينامية داخلية” من شأنها إتاحة حلول محلية للشغور الرئاسي، وصار تدويل الأزمة الرئاسية بمثابة الطرح الممكن المتعارف عليه من منطلق الأحزاب الأساسية المتموضعة على المقلب المعارض لانتخاب رئيس تيار “المردة” الوزير السابق سليمان فرنجية.
إنّ تراجع القدرة التعويلية على مبادرات داخلية تساهم في تعبيد طريق استحقاق الرئاسة الأولى، يحمّل سياسيون معارضون مسؤوليتها لفريق “حزب الله” تحديداً الذي لم يفسح في المجال أمام حلول داخلية في رفضه التنازل عن مرشّحه الأوحد حتى اللحظة. ولا تفصل بين السبب الداخلي المتمثل في تحمّل “حزب الله” مسؤولية التعطيل وغياب التسهيل الايراني للاستحقاق الانتخابي لغايات قد تكون أوسع من الوضع اللبناني أو الاستحقاق الرئاسي. وما يعزّز هذه النظرية ارتباطات فريق “الممانعة” بالدور الايراني سياسياً وانتظاره تبلور مؤشرات من شأنها أن تتيح “خفض سقف” المقاربة الرئاسية المتّخذة، من دون إغفال أن التعطيل برمّته قد يكون بمثابة مطلب ايرانيّ بغية تحويل الرئاسة اللبنانية إلى ورقة تفاوض والحصول على أثمان سياسية في مقابل التنازل عن ترشيح سليمان فرنجية.
لا تحوّلات جذرية ممكنة في مرحلة قريبة وهذا ما تقرأ قوى المعارضة غياب القدرة على تحقيقه في مهلة زمنية قصيرة على مستوى الاستحقاق الرئاسي الذي يبدو بعيداً عن إمكان التوصل إلى خواتيم سريعة، مع الإشارة إلى أن مقترح الانتقال إلى مرشح رئاسي ثالث لا يزال بعيداً عن البلورة في ظلّ عدم موافقة قوى “الممانعة” التي لا شيء يوحي أنّها ستتنازل عن ترشيحها الرئاسي قبل بروز تطور اقليمي من ناحية إيران تحديداً. فهل ستنجح المساعي التي بدأت على الصعيد الاقليمي للانتقال إلى “المرشح الثالث”؟ وماذا ستكون باكورة المفاوضات التي تعوّل المعارضة على دور قطريّ للبدء بها مع طهران بحثاً عن متغيّر في حال الشغور الرئاسيّ؟