كتبت النهار
ثمة “قاعدة” تاريخية ثابتة، عمرها من عمر الحروب في العالم، وهي انه يمكن التحكم ببداية أيّ حرب ولكن يستحيل التحكم بنهاياتها. انطبق ذلك وينطبق على امتداد الحروب التقليدية في التاريخ القديم والحديث، فكيف مع حرب تخرج خروجاً صارخاً هو الأعنف في كل مجريات ثمانية عقود من حروب الصراع العربي – الإسرائيلي الذي تمثّله الحرب التي لا تشبه أيّاً من سابقاتها الجارية الآن بين إسرائيل وقطاع غزة بالكامل؟
ليس ثمة حاجة بعد أيام من الجحيم الأشد عنفاً الجاري بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية في غزة عقب عملية “طوفان الأقصى” وشلالات الدماء التي تغمر ضفتي الحرب وكل الاهوال الحربية والمقتلة البشرية المتدحرجة غير المسبوقة، الى قدرات “المحللين الاستراتيجيين” الفذّة في التبشير بأن الآتي سيكون أعظم وأشد إثارة لكل المخاوف ولكل الذعر الذي تستنفده يوميات الحرب. فنحن أمام ما يجنح بنا الى حرب شرق أوسطية أوسع من نطاق المواجهات الجارية على أرض غزة والمستوطنات والبلدات الإسرائيلية. ولبنان “الدولة” الذي بدأت تلدغه النار في مطالعها، هو أساساً أعجز من ان يجيب عن سؤال بسيط عما اذا كان ثمة تنسيق وتشاور وتوافق بين “الدولة” و”المقاومة” أقله وفق المعادلة المعمول بها علناً وضمناً والتي تشكل التغطية الرسمية لسلاح “المقاومة”. لذا وأمام التدحرج الخيالي لعنف مدمر ساحق ماحق قد لا نكون شاهدنا وشهدنا على مثيل له في تجارب الحروب في المنطقة كلها، مع انها منطقة الدماء بامتياز، ترانا وقبل انفلات كل الضوابط الباقية التي تحول دون التحاق لبنان بالكامل بالاهوال الحربية الجارية، نتساءل عما اذا كان ما يعرفه الجميع عن التداعيات المتخيَّلة والواقعية لأي انخراط كامل للبنان في الحرب سيشكل هذه المرة العامل الكافي لمنع الهول الآتي من ان يسحق بقايا البلد المنهار أساساً؟
بصريح التعبير، لا يزال “حزب الله” حتى الساعة ولو من ضمن مجريات تكتية قتالية وقواعد اشتباك مدروسة، ممسكاً بما قد يكون ترجمة لقرار بتدخلات “جراحية” هي مزيج من انخراط مع شركائه وحلفائه من الفصائل الفلسطينية في غزة ولبنان ومن ضبط لهذا الانخراط بسقوف تأخذ في الاعتبار الوضع الانهياري لخلفيته، أي كل لبنان بما فيه أولاً مناطق قواعده الشعبية التي بدأت معالم النزوح منها تشكّل أول مؤشر الى الواقع المخيف الذي سيقبل عليه لبنان. بذلك يغدو “الافتراض” الحتمي والمنطقي هو ان تكون مسالك التنسيق بين الدولة اللبنانية والحزب المتمثل في الحكومة الزامية لاستكشاف الطريق الى اجتياز لبنان ما قد يكون إحدى أخطر الحقبات التي بدأت في الشرق الأوسط كله ما دامت الحرب البادئة منذ صباح السبت الماضي تنذر باستحضار اساطيل القوى الكبرى الى مسرحها. قد لا يقدِّم ولا يؤخر أي تعامل “تقليدي” مع مطالع انزلاق لبنان الى الهول الحربي الزاحف من مثل التحذيرات التي لا تُسمع والتنبيهات التي لا تُقرأ أمام وقائع جارفة تخطت كل ما كان قبل اندلاع هذه الحرب. ولكنّ اللبنانيين لا يملكون سوى الذعر تحذيراً وتنبيهاً وتخوفاً قياساً بما عايشوه هم أيضا وبما قد يستحيل تصوره من وقائع مخيفة في حال انهارت كل الضوابط الباقية أمام التورط الكامل في الجحيم المشتعل. وليس أقل من التحسب الاستثنائي لـ”الدولة” عبر مكاشفة اللبنانيين بما ينتظرهم هو ما ينتظرونه الآن.