إبراهيم الأمين – الأخبار
وسط تقدم الحضور الاميركي في ادارة القرار الاسرائيلي السياسي والعسكري في الهجوم البربري على الفلسطينيين، استجاب قادة العدو لطلب واشنطن تشكيل حكومة طوارئ لضم من تريد الولايات المتحدة ان يكونوا شركاء في القرارات. وصار واضحاً ان بني غانتس هو رجل البيت الابيض في حكومة الحرب الجديدة، كما تبين ان جنرالات أميركيين صاروا في قلب فريق العمل للاشراف على الخطط في غزة، وفي مواجهة ساحات اخرى، مع رسم خطوط لمنع العدو من القيام بأعمال من شأنها جرّ المنطقة الى مواجهة شاملة.
وعلمت «الاخبار» من متابعين في عاصمة غربية معنية ان التحشيد الاميركي غير المسبوق، سياسياً وعسكرياً، الى جانب اسرائيل، سببه التيقن من صحة ما كان لديهم من تقديرات عملانية حول عدم جهوزية الجيش الاسرائيلي لمواجهة تحديات كبيرة، وهي تقديرات اعدّها قادة شاركوا في مناورات مشتركة مع الجيش الاسرائيلي. وأوضح هؤلاء ان لدى واشنطن «خشية جدية من امرين، الاول عدم قدرة جيش اسرائيل على تحقيق اي انجاز فعلي غير الايغال في ضرب المدنيين، والثاني، إقدام العدو على ما قد يورّط الولايات المتحدة ودول الناتو في مواجهة واسعة تستهدف ليس قوى المقاومة في فلسطين ولبنان فحسب، بل ايران ايضاً». ولفتوا الى جهود كبيرة لأجهزة الاستخبارات الاسرائيلية، بالتعاون مع حلفاء في الغرب، لتحميل ايران وحزب الله المسؤولية عن عملية «طوفان الاقصى»، فيما يعمل المجمع الاستخباراتي في واشنطن وعواصم غربية، في المقابل، على تسريبات بعدم وجود أي مؤشر على ذلك.
عملياً، ما بات واضحاً في الساحة الفلسطينية أن عجز قوات الاحتلال عن منع صواريخ المقاومة من استهداف المدن الفلسطينية المحتلة، يشكل اشارة على عجزها عن تحقيق انجازات ميدانية. أضف إلى ذلك عدم صحة مزاعم العدو عن اعادة الامساك بالامور في منطقة غلاف غزة، إذ أن مجموعات المقاومة لا تزال تنتقل الى هذه المنطقة التي تشهد مواجهات في اكثر من نقطة. كذلك، لمس الاميركيون حالة الارتباك لدى القيادتين السياسية والعسكرية، والفوضى التي تعمّ المسؤولين عن الجبهة الداخلية، مع توالي الفضائح، خصوصاً لناحية ترويع المستوطنين جراء الانذارات الخاطئة التي تعكس ارباكا وعجزاً امنياً.
محور المقاومة يعد خططا عملانية لتقليص قدرة الاحتلال على الاستفراد بغزة
كل ذلك، دفع الجانب الاميركي إلى وضع خطة عمل على عدة جبهات، أمكن للجهات المعنية في فلسطين والمنطقة الاطلاع على بعض جوانبها:
اولاً، لا تزال واشنطن تعتبر ان الفرصة مفتوحة امام جيش الاحتلال للانتقام من سكان غزة والوصول الى نتائج على صعيد تدمير قدرات المقاومة. ومع فشل محاولات تأليب الرأي العام الغزاوي ضد المقاومين، واستمرار قدرة المقاومة على التحكم ببرنامج قصف صاروخي فعال وبعيد المدى وبأعداد كبيرة، وفي ارسال مزيد من المقاتلين الى المستوطنات، يشعر الاميركيون بالحاجة الى خطوات اكثر فعالية.
ثانياً، الضغوط الناجمة عن الجرائم الكبيرة في غزة دفعت الاميركيين الى استغلال هذه الجرائم لفتح ثغرة في ملف الاسرى لدى المقاومة. وقد ناقشت واشنطن مع المصريين والقطريين خطة عمل، تقضي بفتح معابر تتيح نقل نحو ربع مليون فلسطيني بحاجة الى الايواء بعدما دمرت منازلهم، وتأمين انتقال نحو خمسة الاف مصاب من ابناء القطاع للاستشفاء خارجه، والسماح بوصول مساعدات غذائية وطبية عاجلة.
ثالثاً، طرحت الولايات المتحدة فكرة عملية عاجلة لاطلاق الاسرى الاميركيين او الكشف عن مصير المفقودين منهم، ضمن صفقة تأخذ طابعاً انسانياً. وفرض اصرار الولايات المتحدة على العملية بدء اتصالات قطرية ومصرية مع «حماس» وبقية الفصائل. وجاء الرد الاولي من حماس بإطلاق إمرأة اسرائيلية مع طفليها للتأكيد على ان البعد العملاني لعملية الاسر لا يستهدف حجز حرية مدنيين كما يفعل العدو. إلا أن حماس ترفض فكرة اطلاق المعتقلين كبادرة حسن نية، وقد أبلغت الوسطاء بأنه سيكون هناك مقابل فوري لمثل هذه العملية.
رابعاً، حصل جس نبض من وسطاء عرب لمعرفة السقف الذي سترفعه حماس في ملف الاسرى. وعلمت «الاخبار» ان الجانب الفلسطيني لن يقبل بأقل من وقف العدوان، والحصول على ضمانات اميركية عملانية وعلنية بوقف الحملة العسكرية الاسرائيلية على القطاع، أو ضمانات بوقف التعرض للمدنيين مقابل وقف قصف المستعمرات، مع استمرار المعركة العسكرية بينها وبين العدو.
الجبهة مع لبنان
في غضون ذلك، واصل الاميركيون استخدام كل قنواتهم الاوروبية والعربية لمنع توسع الجبهة لتشمل الحدود الشمالية لكيان الاحتلال. وبعد العمليات المحدودة على الحدود، كرر الاميركيون نقل رسائل الى الحكومة اللبنانية والجيش اللبناني، ومن خلالهما الى حزب الله، بأن واشنطن ستكون الى جانب اسرائيل، لكنها ليست طرفاً في الحرب، وانها لن تمنع اسرائيل من تنفيذ اي ضربات قاسية ضد لبنان، بما في ذلك بيروت، في حال لجأ حزب الله الى اجتياح المستوطنات الاسرائيلية في الشمال، مع طلبات مباشرة من الجيش والحكومة بمنع اي تحرك لعناصر فلسطينية على الحدود.
من جهته، قرر حزب الله عدم استقبال اي رسالة او موفد يحمل تهديداً، وهو ابلغ من يعنيهم الامر بأن التهويل لا ينفع لا معه ولا مع المقاومة في فلسطين، وان الوسيط المرحّب به هو فقط من يحمل طلباً في سياق مشروع وقف العدوان الاسرائيلي، وانه لا يمكن سؤال المقاومة – فضلاً عن مطالبتها – بأي خطوة تتعلق بعمل مقاومين فلسطينيين عبر الحدود اللبنانية.
والى جانب العملية التي نُفّذت أمس لإفهام العدو بأن لا تغيير لقواعد الاشتباك، واصلت المقاومة في لبنان الاستنفار والتعبئة في صفوفها، والتنسيق مع بقية قوى المقاومة. وتتواصل الاتصالات التنسيقية بين حزب الله والحرس الثوري الايراني وحماس والجهاد الاسلامي لدرس الخيارات التي تساعد المقاومة في فلسطين على الصمود وافشال خطة العدو.
وقالت مصادر معنية لـ «الاخبار» ان على قوى المقاومة خارج فلسطين القيام بكل «العمليات الذكية» التي تربك جيش الاحتلال وتمنعه من حشد كل طاقاته في وجه القطاع، وإفهام العدو بأن غزة ليست متروكة لقدرها، اضافة الى درس الخطوات في حال تورط الجيش الاميركي في الحرب مباشرة الى جانب العدو.
واشارت المصادر الى ادلة كثيرة ظهرت في الساعات الـ 48 الماضية تشير إلى ان قيادة العدو العسكرية والامنية لا تقل تخبطاً عن قيادته السياسية، رغم حملة التهويل في الاعلام العالمي، مع تفاصيل كثيرة ترد لحظة بلحظة عن حجم الفوضى التي تعاني منها الجبهة الداخلية في اسرائيل.
إرباك وتوتّر يسيطران على الاحتلال جنوباً
شهدت جبهة الجنوب أمس أحداثاً «مثيرة» بالنسبة إلى الإسرائيليين، ثبت أن غالبيتها ناتجة عن إنذارات خاطئة وأخطاء في تشخيص الخطر، وعبّرت عن الإرباك الذي يتخبّط فيه العدو وسط توتّر شديد حيال أيّ مفاجآت من لبنان.
وتوالت الأنباء العاجلة على شاشات التلفزة العبرية عن عمليات اشتباكات مع مجموعات مسلّحة قدمت من لبنان، وتسلّل عشرات الطائرات الشراعية والمُسيّرات عبر «الحدود الشمالية»، وتحدّث الإعلام العبري عن دخول أكثر من مليون إسرائيلي في الشمال والوسط إلى الملاجئ، استجابة لتحذيرات قيادة الجبهة الداخلية، بعدما دوّت صفّارات الإنذار إثر الاشتباه بتسلّل مُسيّرات من لبنان. ترافق ذلك مع إطلاق قوات الاحتلال القنابل المضيئة فوق المناطق الحدودية في جنوب لبنان. وتحدّثت القناة 12 الإسرائيلية عن «الاشتباه باختراق 15 طائرة شراعية على متنها مقاتلون من لبنان إلى منطقة أفيفيم»، فيما تحدّثت وسائل إعلام عبرية عن «حدث أمني في منطقة ديمونا». وبقي التوتر مسيطراً على الأداء الأمني والإعلامي الإسرائيلي لأكثر من ساعتين قبل أن يعلن جيش الاحتلال أن الإنذار المتعلق بالمُسيّرات ناجم عن «خطأ تقني».
إرباك المشهد الإسرائيلي شمالاً كان له ما أسّس له عملانياً، إذ استهدف حزب الله، لليوم الثاني على التوالي، موقعاً لقوات الاحتلال على الحدود مع فلسطين. وأعلن الحزب في بيان أنه استهدف موقع الجرداح الصهيوني مقابل منطقة الضهيرة بالصواريخ المُوجّهة، ما أدّى إلى سقوط عدد كبير من الإصابات المؤكّدة في صفوف قوات الاحتلال بين قتيل وجريح، في ردٍّ على الاعتداءات الصهيونية التي أدّت إلى استشهاد ثلاثة من عناصره الاثنين الماضي. وأكّد الحزب أنه «سيكون حاسماً في ردّه على الاعتداءات الإسرائيلية التي تستهدف بلدنا وأمن شعبنا، خاصة عندما تؤدي هذه الاعتداءات إلى سقوط الشهداء» ووزّع الإعلام الحربي التابع للمقاومة شريطاً للعملية، فيما نقل الإعلام العبري عن «مسؤول أمني كبير» أن «الحدث في الشمال يغيّر قواعد اللعبة».