بيروت حمود – الأخبار
بعد مضيّ حوالي ثلاثة أسابيع على بدء الحرب، لا يزال أولئك المتعطّشون للدماء يطلبون الانتقام، مبرّرين فشل قادتهم وجيشهم الذي عجز عن الدفاع عنهم، بأنه ذنب عُلّق في رقبة «حماس» إلى الأبد. ولكنّ هؤلاء باتوا، في الوقت نفسه، يرغبون بسماع توضيحات في شأن أهداف الحرب، التي طال أمدها من دون أن تحرز شيئاً إلى الآن. في هذا الإطار، كتبت رئيسة حركة «إسرائيل لي» التي تعمل على تصدير السردية الصهيونية إلى العالم، ساره حعتسني- كوهين، في صحيفة «إسرائيل اليوم»، أنه «مرّ علينا أكثر من أسبوعين منذ السبت الأسود، والمذبحة الأكبر في تاريخ الدولة، ومنذ وعدونا من على كلّ منصة بأننا سندمّر حماس… والآن حان الوقت لكي نطالب قادة الحرب بأجوبة، ليس عمّا حصل في ذلك اليوم فحسب، وإنما عمّا سيحصل مستقبلاً، وأن يعرّفوا لنا ما هو مفهوم النصر؟ وما هي الأهداف؟». وأضافت: «إنّني أسمع التلعثم، وأرى أمام عينَيَّ جولة أخرى، في نهايتها إطلاق سراح المختطفين، بعضهم أو معظمهم، مقابل الإرهابيين (الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال) وإنهاء المعركة». وماذا سيحصل حينها؟ «سيطلبُ (القادة الإسرائيليون) منّا أن نستوعب بصمت قتل 1400 إسرائيلي. وكأنّ شيئاً لم يحدث في «بئيري» ولا «أوفاكيم»، ولا «نير عوز»»، و«سيوضحون لنا أنهم مضطرّون لإنهاء الحرب. سيقولون: حتى لا تشتعل الجبهة الشمالية، وسيشرحون لنا أن العالم سيكون إلى جانبنا، فقط إذا عرفنا كيف نحتوي» الحدث.
وتتابع: «لست أشكو لماذا لم يجتاحوا غزة براً حتى الآن. فأنا أستطيع أن أصبر، جميعنا سيصبر، حتى نسحق غزة من الجو، قبل أن نُقحم أفضل أبنائنا في الحرب البرية. ولكن من فضلكم، لا نريد جولة أخرى… فالبلاد لا يمكنها أن تعيش بهدوء بضع سنوات، ومن ثمّ تستفيق مرّة أخرى على مذبحة يُقتل فيها الآلاف». وتزيد: «فقط، لا نريد جولة عسكرية أخرى، لا تبيعونا كلاماً مبهماً مفاده أن حماس مرتدعة، فقد مُنينا بأكبر ضربة في تاريخنا. لا تقولوا إن حماس لن تتمكّن من التعافي، وإن قطاع غزة في صدمة. لا تبيعونا أوهاماً من ضمنها أن حزب الله يرى ما يحدث في غزة ويفكّر مرتَين. لقد حاولنا أن نُصدّق أن حماس مرتدعة، وأن الأموال من قطر، والعمّال الذين يدخلون إلينا من القطاع، بمقدورهم الحؤول دون جولة أخرى. نحن لم نعُد نثق بكم، لقد شبعنا شعارات وأوهاماً».
وفقاً لرئيسة «إسرائيل لي»، فإن «قادة هذه الحرب (والذين تصفهم بالمتخبّطين والمتلعثمين) عليهم تعريف الأهداف بوضوح». وتتساءل: «كيف سيُعرّفون النصر؟ سننتصر مثلاً عندما ننجح في تنصيب (رئيس السلطة) أبو مازن على سدّة الحكم في غزة؟ أبو مازن نفسه الذي يستصعب إدارة الحكم في الضفة، وتنهار شعبيته تباعاً هناك؟ أبو مازن نفسه الذي تدفع سلطته مخصّصات الأسرى، وبينهم أسرى حماس؟ والذي يرقص تانغو مع الأيديولوجية النازية؟ تريدونه أن يحكم غزة؟ وهكذا سنحظى بالهدوء؟». وفي السياق، تعرب عن اعتقادها بأن «نموذج «يهودا والسامرة» (الضفة)، هناك حيث الاستيطان، والحضور العسكري والاستخباري الإسرائيلي الدائم، أثبت أنه أنجع من نموذج فكّ الارتباط الاستنزافي عن قطاع غزة. إنه ليس النموذج الأمثل، وينبغي تحسينه، ولكنه أثبت نفسه، على مستوى المصالح الصهيونية والأمنية. لذلك، لا يمكن تحديد الهدف على أنه «هدوء وجدار». كما أنه لا يمكن أن يكون سلطة فلسطينية ثانية، لأنها برميل بارود، وعدو بحدّ ذاته. ولذلك، فإن سيطرتنا الميدانية ضرورية لتوفير الأمن لسكّاننا، حتى لو كلّف ذلك أثماناً إقليمية وليس عسكرية فحسب».
*هناك من يرغب بسماع توضيحات في شأن أهداف الحرب، التي طال أمدها من دون أن تحرز شيئاً إلى الآن*
ولكي يتحقّق النصر بحسبها، ينبغي وضع أهداف تبدو لا واقعية أكثر من تلك التي حدّدها رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، ورئيس هيئة الأركان، هرتسي هليفي، ووزير الأمن، يوآف غالانت، والتي راوحت ما بين «سحق حماس» و»تدميرها» و»القضاء عليها». فرئيسة «إسرائيل لي» تعتقد أنه ينبغي «أولاً وقبل كلّ شيء، إعادة إنشاء المستوطنات في الحدود الشمالية «نيسانيت»، «إيلي سيناي»، و»دوغيت»، تلك المستوطنات الثلاث التي كانت مزدهرة قبل أن تُهجَّر وتُدمَّر خلال فكّ الارتباط، وتُبنى على أنقاضها منصات إطلاق الصواريخ». وتختم مقالتها بالقول: «سنتحدّث في ما بعد… عن أولئك الذين أوصلونا إلى هنا، عن الكارثة المستمرّة والأخطاء التكتيكية والإستراتيجية التي ارتُكبت… سنتحدّث عن كلّ شيء لاحقاً. المهم، دعونا نركّز على الانتصار، فثمّة عدوّ علينا الانتصار عليه… ولكن من فضلكم فلتعرّفوا (أيها القادة) ما هو النصر؟».
وفي الاتجاه نفسه، بدا المحلّل العسكري والأمني لصحيفة «يديعوت أحرونوت»، رون بن يشاي، يائساً من الأهداف الضبابية للحرب، وهو ما دفعه إلى أن يقترح على قادته إطلاق سراح عدد كبير من الأسرى الفلسطينيين، ضمن صفقة تبادل شاملة ومباشرة مع «حماس». أمّا السبب وراء اقتراحه، فهو «حالة عدم اليقين التي تعيشها عائلات الأسرى والمختطفين الإسرائيليين والتي تُكّبل أيدي الجيش الإسرائيلي وتحول دون شروعه في الاجتياح البري»، متجاهلاً حقيقة أن القصف الإسرائيلي نفسه، تسبّب بقتل 22 أسيراً إسرائيلياً من أصل 210 حتى الآن.
أمّا ابنة مؤسّس صحيفة «يديعوت أحرونوت» ومدير تحريرها الراحل، نواه موزيس، الإعلامية جوديت شالوم- موزيس، فارتأت أن تقنع قراءها بأن ثمّة إسرائيليين كُثراً «غير متعطّشين للدماء»، عبر كتابة قصة عن شاب يُدعى «فوزي»، وهو اسم مستعار لعامل من غزة، كان يسترزق مثل أقرانه من القطاع بالعمل في الأراضي المحتلة عام 1948. وجاء في القصة أن «فوزي كان يرمّم منزلنا ذات يوم… كنت في إحدى الغرف داخل البيت، فسمعت صرخة ولدي نمرود. هرعت مسرعة. وجدت ابني فاقداً للوعي، ويده تنزف بشدة. كان فوزي قد لفّها بمنشفة، محاولاً الضغط على الجرح. لم أفهم ماذا كان يقول فوزي، سوى أنه قال كلمة سيارة». وتابعت: «هرعنا إلى الموقف، ركبنا السيارة، فوزي وأنا وزوجي وابني نمرود الذي ظلّ بين يدي فوزي. وصلنا إلى مستشفى إيخيلوف، وبعد سبع ساعات من الانتظار، خرج علينا الجرّاح حازماً: لولا أن فوزي ضغط على الجرح بمنشفة لكان نمرود لقي مصرعه».
لكن لا يهمّ ما فعله فوزي، وهي غير مدينة له بإنقاذ حياة ابنها؛ إذ تتابع: «لا أزال أفكّر في فوزي، هل لا يزال على قيد الحياة؟ هل أولاده وأحفاده هم أشخاص طيّبون مثله؟ أم أنهم تحوّلوا إلى أناس من النوع الذي رأيناه في السبت الأسود؟ لا شكّ لديّ في أن عائلته تعاني تحت قصف الجيش. وأنا مقتنعة بأن فوزي تعرّف إلى إسرائيليين كُثر وهو يعرف أنهم ليسوا متعطّشين للدماء. ولكن هل يفهم ماذا حصل لنا في 7 أكتوبر؟ وأن المسؤولية تقع على عاتق حماس النازية؟ وأن معاناة الغزيين في عنقها؟». وتختم مقالتها التي حظيت بمئات الانتقادات والشتائم من الإسرائيليين، بالقول: «إنني أصلّي حتى لا يكون فوزي قد تبدّل، وأصلّي كي تكون عائلته بخير. ولكن عندما أفكّر في إخوتي الأحباء الذين قُتلوا… وفي آلاف العائلات الإسرائيلية التي لن تتعافى، أفهم أنه ليس لدينا خيارٌ آخر للردّ، حتى عندما سيطاول الردّ الأبرياء. فالمذنبون الرئيسيون في كلّ ذلك هم حماس!»، متجاهلةً تاريخ «دولتها» التي قامت على المذابح والتهجير والتوسّع الاستيطاني الإحلالي.
في هذا الوقت، عادت المُسنّة المحرَّرة من أنفاق «حماس»، يوشيفيد ليفشيتز، إلى الواجهة، لتتسبّب في إحراز هدفٍ ذاتي في شباك ماكينة صناعة الكذب الإسرائيلية، إذ خرجت ليفشيتز (85 عاماً)، من على سريرها في مستشفى «إيخيلوف» لتصف آسريها بأنهم «ودودون ومهذّبون»، مضيفةً أن «طبيباً كان يزورها هي ورهائن آخرين كلّ يومين أو ثلاثة أيام». وردّت على سؤال حول مصافحتها أحد مقاومي «القسام» لدى الإفراج عنها بالقول: «لقد عاملونا بلطفٍ وقدّموا لنا كلّ ما نحتاج إليه». وتابعت: «لقد بدوا مستعدّين لذلك، أعدّوا لذلك لفترة طويلة، وكان لديهم كلّ ما يحتاج إليه الرجال والنساء، بما في ذلك صابون الشعر والبلسم… تناولنا الطعام ذاته الذي كانوا يتناولونه هم، وهو عبارة عن رغيف خبز مع أنواع من الجبن والخيار. كانت تلك وجبة ليوم كامل». وفور انتشار تصريحات ليفشيتز، اشتعل الغضب في الأوساط السياسية والإعلامية الإسرائيلية التي رأت أن ما قالته يمثل «ضربة قوية» للدعاية الإسرائيلية التي تحاول الربط بين «حماس» و«داعش». وطبقاً لما ذكرته «القناة 13» الإسرائيلية، فإن «مسؤولين في مكتب رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، طالبوا قبيل عقد المؤتمر الصحافي الذي تحدّثت فيه المسنّة، بألّا تقول الأخيرة إن مقاتلي حماس اعتنوا فيها بشكل جيّد». وفي الإطار نفسه، نقلت هيئة البث الإسرائيلية العامة «كان 11» عن مسؤول إسرائيلي لم تسمّه، قوله إن «ما حصل اليوم هو هجوم استهدف الدعاية»، وذلك على الرغم من أنه بحسب الهيئة نفسها «اجتمع مسؤولون من منظومة الدعاية، وبينهم منسّق شؤون الأسرى والمفقودين، غال هيرش، ومحقّقو الشاباك، مع المسنّة المحرّرة، وأوضحوا لها ما الذي ينبغي قوله».