كتبت النهار
لا “النواح” على الموقع الدستوري الأول للموارنة في الجمهورية المندثرة سيفيد الموارنة واللبنانيين عموماً، ولا حصر الذكرى السنوية الأولى لفراغ رئاسي تكرّر مرات وصار “دارجاً” ومعتاداً ومتطبّعاً معه سيحمل عملياً وواقعياً أي أثر إضافي في سلسلة لا تنتهي من فصول الإجهاز على لبنان الذي كان. هذه السنة المنصرمة من عمر لبنان لكأنها تهوي وهي بعمر الخمسين لا بعمر عام واحد، مختزلة خمسة عقود تماماً تكتمل أعوامها بعد سنتين فقط، أي في سنة 2025. ليس الأمر رمزياً فقط، بل أعمق وأبعد ويختصر مساراً قاتماً قاتلاً أجهز منذ عام 1975، إن لم نعد أكثر الى اتفاق القاهرة وحواضره وتوابعه في أواخر الستينيات ومطالع السبعينيات من القرن الماضي، على بلد أحرقه “الغرباء” والجيران والآخرون أولاً وأهله بل للدقة بعض أهله، ثانياً وثالثاً ورابعاً والى لانهاية.
من الخطأ بل هو ضرب من ضروب التزوير أن تُختصر محنة وأزمة النظام اللبناني والمصير البائس للبنانيين بالسنة الفاصلة بين خروج ميشال عون من بعبدا (“مدجّجاً” بأفضاله التاريخية على لبنان) ويومنا هذا كأن الفراغ الرئاسي هو وحده وأسبابه المباشرة والصراعات المتعدّدة الطائفة أو التنافسات المسيحية، هي مكوّنات هذه السنة الآفلة التي لا تجوز الصلاة على ذكراها كأنها مشؤومة تورث الشؤم وتستولده. فهي سنة تختصر بدايات المصير القاتم ونهاياته منذ أن أشعلت في لبنان قبل 48 عاماً فروض التضحية بلبنان على دروب الآخرين، وصولاً الى هذا التاريخ الجليّ اليوم. كما كانت سنة الفراغ الآفلة، والموصولة بسنة آتية يستحيل علينا في مطلعها “المشرف” هذا أي جزم وحسم وأمل بإعادة النصاب الى الجمهورية المنهارة بدءاً بإعادة إضاءة قصر بعبدا المعتم الساكن المهجور، كان لبنان برمّته يختفي تدريجاً تحت تراكم الحديث من أزماته والموروث القديم منها منذ خمسة عقود بلوغاً الى اجترار التاريخ الذي يعيد نفسه.
صار الفراغ المؤسساتي وتحديداً في موقع رئاسة الجمهورية الوسيلة الأشد فتكاً بثقافة وتاريخ بلد تباهى تاريخياً منذ نيله الاستقلال وقبله بكونه البلد العربي الوحيد الذي يرأسه رئيس مسيحي بتزكية مسلميه بل بخيارهم الحضاري والثقافي والقومي. مع تكرار فرض الفراغ وتبديل معايير الخيار، صار المطلوب “الرئيس التابع” للقوي الداخلي والإقليمي وليس “الرئيس القوي” كما زعم زعماء الموارنة حين انتخب آخر الرؤساء الذين اقاموا في قصر بعبدا، ميشال عون، ولا ندري ماذا ينتظر كرسي بعبدا بعده وبعد سنة الفراغ هذه. ولا يقف الأمر عند مجريات صار تداولها مملاً وقاتلاً ومثيراً لمزيد من اليأس في مسار السنة الراحلة من الفراغ المحدث، بل يتعيّن على اللبنانيين إعادة شريط الذاكرة برمته الى البدايات، بدايات الحروب في بلدهم وعلى لبنان. من انفجار الحرب اللبنانية الفلسطينية التي استولدت حرباً أهلية طائفية واحتلالات عدوّة وشقيقة وما بينهما، الى عصر الوصاية الأسدية تحت اسم “السلام السوري”، الى الوصاية أو الاحتلال الإيراني المقنّع أو المباشر، الى انفجار خطر سحق الهويّة والوجود اللبنانيين مع “احتلال” مليونين ونصف مليون نازح سوري لبنان، الى “ترسيخ” أكبر مسبّب لأكبر هجرة مخيفة مع الانه
يار المتدحرج، وأخيراً وأخطر “الآخرات” الوقوف مرتجفين أمام هول أخطار حرب جديدة مع إسرائيل… كيف ترانا نختصر هذه السنة والآتي من بعدها منذراً بما لا نودّ تخيّله بذكرى سنة؟