كتبت النهار
ما دام “العقم” نفسه، ولا شيء سواه، هو ما ينطبق على الثرثرة الجوفاء التي تتصاعد حيال انعدام قدرة ما يُسمّى زوراً “دولة” في لبنان ومعها منظومة واسعة فضفاضة من القوى السياسية والطائفية والمجتمعية، على انتزاع قرار الحرب والسلم من فريق حصري بعينه، لا ترانا مضطرّين للوقوف في صفوف المنذهلين أمام عدّ عكسي لكلمة السيد حسن نصرالله اليوم وكأنها القضاء والقدر الذي يضع خطاً حاسماً بين ما كان قبلها وما سيصير بعدها. لذا نتسلل الى “هامش” التواضع في تناول مشهد البلد في المطلق، سواء بتحقيق “الأمنيات” بعدم الانزلاق الى حرب أو إذا حصل المحظور القاتل، لتبيّن واقع البلد، في المطلق دوماً، بما يثبت أن واقعه في هذه اللحظة بالذات، هو عند المنسوب الأقصى للانهيار بلا “منّة” من أيّ حرب.
بدءاً بالمنسوب السياسي، هل ثمة من تصوّر أن سنة من الفراغ الرئاسي تمر مروراً عابراً كهذا فلا كأن رئاسة الجمهورية باتت بشغورها تعني تعطيل النظام الدستوري برمّته، ولا كأن رئاسة البلاد إن تعطلت ستقف معها دورة التوازنات الطوائفية والسياسية القائم عليها لبنان تاريخياً، ولا كأن الطائف نفسه بكل ما عناه لدى وضعه من إرساء لميثاق يعيد بناء البلد بتدرّج نحو إحياء دولة طبيعية صار أثراً بعد عين بما يهدّد للمرة الأولى بهذه الخطورة الوحدة اللبنانية الدستورية والطوائفية والمجتمعية.
لم يشعر اللبنانيون، على فداحة الحدث المتصل بتطبيعهم قسراً مع فراغ الدولة كلاً، بأن ثمة أولوية باقية بعد لإعادة انتظام الدولة خصوصاً أن ثمّة من تعمّد ويتعمّد وسيتعمّد اطّراداً، الإيحاء بأن التغييب الطويل لرئاسة الجمهورية أثبت ويثبت وسيثبت أن “البدائل” الظرفية القائمة في إمكانها الاستمرار في إدارة الحد الأدنى من أمور البلد. والحال أن منطقاً كهذا يستدعي التساؤل مجدّداً بالنبرة الفصيحة: ماذا لو شغرت بفعل قاهر رئاسة المجلس النيابي أو رئاسة الحكومة، وهما لم تعرفا الشغور مرة فيما صارت رئاسة الجمهورية “ملطشاً” مشاعاً لسياسات التعطيل والعبث بالدستور والاستهانة بالطائف وميثاقه؟ والأسوأ أين زاعمو ومدّعو الغيرة على المنصب الأول في الجمهورية اللبنانية، الذين يتغرغرون ليل نهار أمام الشاشات ومن وراء المنابر بالتباكي على الرئاسة الشاغرة ونصح “المسيحيين” عموماً بالتوافق والتوحّد لرمي الكرة عندهم وحدهم في تحمّل تبعة الشغور المستدام، علماً بأن لهذا الجانب تفصيله المنفرد لاحقاً؟
ثم الى المنسوب الآخر الاقتصادي والمالي والاجتماعي، وقد مررنا بذكرى سنة الفراغ وقبلها بالذكرى الرابعة للانهيار المجيد، فلا نجد اختصاراً أفضل لحالة لبنان من كونه معلقاً على مليارات ستة أو سبعة من الدولارات من الاحتياط المتآكل لدى مصرف لبنان كأنها “قرش الأرملة” لآخرتها! بين تحلل تام للقدرات الاقتصادية وإمكانيات الصمود الاجتماعي يقف البلد أمام تحلل نهائي لسلطة سياسية جادّة وتفكّك شامل في قدرة الحكومة بعد استهلاك كل ما يمكن استهلاكه من واقعها على إدارة الأزمات وخصوصاً وهي عملياً ترزح تحت وطأة المزايدات والتلاعب والابتزاز بين مكوناتها.
أما في المنسوب المتصل باحتمالات الحرب والسلم بعد أقل من شهر بقليل من اشتعال غير مسبوق في الحرب الفلسطينية – الإسرائيلية وتمدّد شظاياها الى الحدود اللبنانية – الإسرائيلية، فثمة سؤال يكفي لاختصار كلّ شيء: من تراه “المرجع” الذي يزعم معرفة ماذا سيعلن السيد نصرالله بعد ساعات؟