كتبت النهار
يرى كثر أن القوى المسيحية الأساسية خاطرت بوضع نفسها وحدها في الآونة الأخيرة في موقع صعب في موضوع النازحين السوريين، لا سيما في بعض المواقف التي عرّضتها للاتهام بالعنصرية والافتقار الى “الدوزنة” ولا سيما تلك التي دعا بعضهم عبرها الى فتح البحر أمام النازحين على خلفية مراعاة مشاعر النظام السوري، وكذلك في إظهار الموضوع كأنه قضية خاصة بالمسيحيين فيما القوى السياسية الأخرى في موقع آخر. كما خاطرت في خطاب غير معهود تجاه الاتحاد الأوروبي لا يرى كثر أن المسيحيين في إمكانهم استخدامه. وهناك عتب على بكركي التي وإن كانت قضية النازحين ضاغطة ولا سيما بعد حوادث أمنية عدة كان قتل القيادي القواتي باسكال سليمان أحد أكثرها فداحة وتأثيراً حتى بالنسبة الى البطريرك بشارة الراعي شخصياً، من أجل عدم استدراجها الى مواقف انفعالية أو طائفية. فلا جدال في أن إدارة ملف النازحين على كل المستويات، ولا سيما الحكومية في الدرجة الأولى، كان خاطئاً الى درجة إثارة عدد كبير من الإجراءات التي يُعلَن عنها راهناً التساؤل لماذا لم تحصل هذه الإجراءات أو تنفذ من قبل من جانب الأجهزة الأمنية، علماً بأن موضوع النازحين ليس طارئاً أو جديداً، ولماذا تمت إدارة زيارة رئيسة الاتحاد الأوروبي والرئيس القبرصي تحت عنوان موضوع النازحين بطريقة مثيرة للشبهات. ولا جدال كذلك في أن لدى لبنان مشكلة جدية وكبيرة في موضوع النازحين، ولكن أخذ على القوى المسيحية التي لم تقصّر في تبادل الاتهامات التنافسية في ما بينها حتى بعد انعقاد مؤتمر مشترك بين قوتين أساسيتين في البترون يتصل بموضوع النازحين، السعي الى لعب أدوار مغالية في هذا الموضوع بغضّ النظر عما يمكن أن يجرّ الموضوع وتداعياته من مشكلات على مستويات عدة. لم يكن ضرورياً وفق ما ترى قوى سياسية أخرى أن يبدو موضوع النازحين مسيحياً أو أن الطوائف الأخرى هي من تسببت به وهي ترفض عودة النازحين أو هي في موقع آخر فيما من تسبّب بموضوع النازحين هو النظام السوري وبدرجة ثانية “حزب الله” الذي شارك في إخلاء قرى سورية في إطار حربه الى جانب النظام دفاعاً عنه وإثباتاً لبقائه. ومع أنه تم استدراك الكثير من المواقف التي أطلقت من هذه القوى في شأن الهبة أو المساعدة الأوروبية والتي رآها البعض رشوة وانتقدوا الحكومة ورئيسها خاصة كما انتقدوا الاتحاد الأوروبي عبر إخراجات متعددة سيكون أحدها انعقاد جلسة لمجلس النواب تصدر عنها توصية إجماعية أو شبه إجماعية، لكن أضراراً عدة حصلت وتزيد من المأزق المسيحي خصوصاً واللبناني عموماً لا سيما أن مستوى الخطاب الذي ارتفع جداً لم يكن سيؤدي الى نتيجة في الواقع، بل دخل حيّزاً خطيراً على المستوى الداخلي والعلاقات بين الطوائف كما على مستوى العلاقات مع الدول الأوروبية، إذ إنها ليست الطريقة المعتمدة التي يمكن التعامل فيها مع المجتمع الدولي أو كأن مليار يورو لا يزال مبلغاً ضئيلاً وقد يقبل لبنان بمليارات أخرى على رغم المآخذ على الدول الأوروبية في تعاملها مع الموضوع أبعاداً لموضوع النازحين أنها ليس إلا فيما لا استراتيجية لديها في ظل استمرار رفضها الاعتراف بالنظام السوري والتعامل معه.
لكن البعض يرى أن الخطاب المرتفع المسيحي أدى إيجاباً الى استدراك الحكومة الخطأ وطلب جلسة لمجلس النواب من أجل الاتفاق على توصية موحّدة، فيما يقول البعض الآخر إن الخطأ الأساس الذي كان على الحكومة في الدرجة الأولى تداركه ليس فقط في الأسابيع الأخيرة بل منذ زمن بعيد أن تشكّل مرجعية جامعة تتحدث مع العالم كله باسم اللبنانيين حول هذا الموضوع ربما بناءً على توصيات أو درسات للجنة وطنية على غرار تلك التي أقامها الرئيس السابق فؤاد السنيورة في لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني. فلبنان كله صاحب قضية جوهرية ومهمة في موضوع النازحين وليس فريقاً دون آخر. ووحدة اللبنانيين بجميع طوائفهم أمر مهم ولا سيما إزاء تكليف الحكومة لعب هذا الدور في زمن استمرار تعطيل انتخاب رئيس للجمهورية وفي زمن لم تحصل فيه هذه الحكومة بالذات وهي حكومة تصريف أعمال على ثقة المجلس النيابي المنتخب قبل سنتين ولا تمثله في الواقع. وكذلك إزاء تنظيم الحكومة أو النواب من كل الفئات والطوائف وفوداً تتوجّه الى الدول الأوروبية وغير الأوروبية من أجل شرح مدى خطورة قضية النازحين والثقل الذي باتت تمثله بالنسبة الى لبنان والمخاطر أو المخاوف على صيغته السياسية وديموغرافيته الدقيقة. فهناك وفود للمعارضة على أنواعها باتت تتوجه على نحو دوري الى العاصمة الاميركية والى نيويورك ودول أخرى من أجل شرح مواقف لبنان الملتبسة أو غير المتكاملة أو ربما غير الموجودة أيضاً على أجندات الدول المهمة. فأهم ما يبرز أن وجهات النظر المتعددة والمختلفة تعيق اتخاذ إجراءات أساسية أو يتعذر أو يمنع تنفيذها وفقاً لما تطالب به الحكومة نفسها أو تهدد الخارج بفرض القوانين اللبنانية على النازحين فيما ذلك هو الحد الأدنى المطلوب من لبنان أن يكون دولة ويتصرف على أنه كذلك، وهذا ما لا يمكنه أخذه من الآخرين.
يعتبر البعض أن أمام لبنان فرصة صياغة موقف أقرب الى أن يكون موحداً ومعبراً عن وحدة كل الطوائف والأحزاب السياسية من أجل نقله الى القمة العربية المرتقبة في البحرين أولاً ومن ثم نقله الى مؤتمر بروكسيل ثانياً لا سيما إذا كانت مصلحة لبنان تقضي بتقديم اقتراحات وحلول مختلفة وإقناع الغربيين بها. فهذا تحدّ عليه أن يخوضه بالتأكيد على أن لديه قضية موحداً حولها ويقنع الآخرين بها ويجب أن ننهي هذا الاستنزاف ونبحث جدياً في الإجراءات لذلك.