كتبت النهار
في “التقاليد” الراسخة التي تواكب انعقاد القمم العربية الدورية السنوية، ان مشروع البيان الختامي للقمة يسرَّب ويُنشر عشية انعقاد القمة فيثير السؤال البديهي عما تبقّى من جدوى لانعقاد قمة الزعماء والرؤساء والملوك والأمراء بعد تحوّلها منبرا خطابيا مملّا رتيبا لساعات؟ هذه القمم التي طُبعت غالبا بطابع اشبه ما يكون قريبا من محطات انشائية خشبية، ما خلا قمما نادرة كانت لها تأثيراتها كقمة بيروت العربية التي استصدرت المبادرة العربية للسلام، تبدو الآن بعد عقود وعقود من أزمان العقم العربي بمثابة “طقس” من طقوس الرتابة حتى لو ذكَّرت “الشعوب” العربية بان ثمة منتدى جامعا للعرب انبثق من جامعة الدول العربية.
لم تكن هذه المقدمة للتقليل أو التسخيف أو السخرية من قمة البحرين التي من الطبيعي ان تطغى عليها تساؤلات ضخمة عن غياب العرب منذ “طوفان الأقصى” بحيث كان الزلزال يستدعي اقله انعقاد قمة استثنائية لقول كلمة فصل ولا نقول أكثر. المسألة “الهامشية” المتصلة بالقمة هذه والتي قد يتراءى لبعض اللبنانيين ان يثيروها تتصل بأزمة النازحين السوريين إياها، التي “تنشَّط” البرلمان اللبناني البارحة بسببها و”هزّ بدنه”، للمصادفة عشية انعقاد قمة البحرين، واصدر توصية تعكس اجماع اللبنانيين على التخلص من أعباء كارثة لم يعد لبنان يحتمل أثقالها الوجودية … هذه الكارثة لم تتقدم طبعا إلى أولويات الزعماء العرب في قمة المنامة، ولذا وجب التذكير بان اضمحلال التأثير للقمم ذات النتائج المعلبة والجاهزة سلفا يحوّلها الى منتديات كلامية خطابية لا جدوى منها، مما يثير إلزامية التساؤل: متى تراجعون جذريا امكان تعديل هذا النمط الجامد الفاقد كل المنافع، ولماذا قمم بهذا العقم؟
قبل سنة تماما أثارت قمة الرياض غبارا كثيفا لكونها “اصطحبت” رئيس النظام السوري بشار الأسد الى “الحضن العربي” مجددا بعد طول استبعاد على رغم “مجانية” الإعادة التي جاءت بلا شروط وبكرم عربي سموح وتسامح بلا حدود. كان كلام في القمة عن “اشتراط” مهلة محددة مبرمجة للنظام الاسدي لإعادة أبناء بلده الذين هجر منهم فقط الى لبنان ما يناهز المليونين واقترن ذلك بجزرة إغراء بمساعدات عربية لاعادة إعمار مناطق سورية. لا نثير الواقعة إلا من زاوية التذكير بآلية لا تجدي نفعاً في توقع قرارات حاسمة للقمم اسوة بتوصية البرلمان اللبناني البارحة، مع أننا صفقنا لمجلس نواب لبنان اقله لجهة بلورة ولو كلامية وخطابية ومعنوية للاجماع الحقيقي الجذري للبنانيين على مواجهة كارثة النازحين السوريين ولن نعد أنفسنا بمزيد … كان المؤمل “النظري” أيضا من قمة البحرين، ان تراجع تعهدات النظام السوري في ملف النازحين السوريين في دول الجوار ولا سيما منها في الدول و”الأقطار” العربية “الشقيقة” وفي مقدمها “القطر الشقيق الصغير” لبنان الذي رُسمت له أبشع المصائر على يد النظام السوري وحلفائه اللبنانيين والإقليميين وسائر المنظومة الممانعة. اما سائر ما يتصل بلبنان فلن نكون من الطموح الجارف لنتوقعه من مثل ان يستفيق زعيم أو اكثر فجأة، ضمن المنتدى الخطابي، على ان “الرئيس العربي المسيحي” الوحيد الذي يُفترض ان تضمه القمة يغيب عنها للسنة الثانية … لكان ذلك أحدث دوّيا في القمة وأرجائها لا يقارنه دوّي أي موقف آخر. ولكن طموحات اللبنانيين تقف عند حدود أقل من واقعية، ولا مغالاة بالعتب لدى مَن يردد “زوروني كل سنة مرة”!