كتبت النهار
لا نعلم مدى دقة ما تسرّب اخيراً عن اجتماع مسؤولين عن ثلاثة مصارف مع وفد صندوق النقد الدولي، وموافقة هؤلاء على مبدأ شطب الودائع التي تعود الى ما قبل العام 2019، والتي خضعت لأكبر عملية سطو عبر التاريخ، لم يحاكَم حتى اللحظة، المسؤول الاساسي عنها، الحاكم السابق رياض سلامة، الذي يمكن محاكمته على الأقل بتهمة الغش والكذب على اللبنانيين مفسحاً في المجال أمام سرقة مدخراتهم وجنى أعمارهم، وإنْ كان يمثل واجهة لطبقة الفاسدين والمفسدين، وقد رضي طوعاً أن يشكل سداً منيعاً لها.
ما سبق ذكره أولاً، دفع “مصادر مصرفية”، والأغلب انها تمثل جمعية مصارف لبنان التي لم تُدعَ الى الاجتماع، الى نفي الخبر المسرّب، واعتبار ان “ما تم تداوله أخيراً عن انقسام بين أعضاء في جمعية مصارف لبنان على خلفية لقاء عدد منهم بوفد صندوق النقد الدولي برئاسة السيد إرنستو راميريز ريغو، وما تناولته النقاشات حول آليات رد الودائع ما دون 100 ألف دولار وشطب تلك التي تتجاوز هذا المبلغ، يدخل في إطار حملات التضليل التي تتعرض لها المصارف، مؤكدة أن المصرفيين يعملون جميعاً لما يصب في مصلحة حماية الودائع وحق المودعين في استرجاعها. ودعت إلى ضرورة الحفاظ على وحدة الجمعية في الدفاع عن حقوق المصارف والمودعين على السواء”.
الخبر والنفي المتلازمان يدفعان الى جملة من التساؤلات لعل اهمها حقيقة الخبر، خصوصا اذا كان وفد صندوق النقد زار أحد المصارف والتقى مصرفيين، وهو أمر يخرج على المألوف لوفد دولي، ولا يراعي القواعد المهنية، اذ ان على الصندوق ان يبتعد عما يمكن اعتباره تضارباً في المصالح، خصوصا مع المصارف التي لم تلتزم حتى الساعة اعادة الهيكلة، ولم تتصدّ بشكل فعلي لعملية النهب التي طاولتها ايضا وفق ما تدّعي من قِبل مصرف لبنان ومن ورائه الدولة.
والمثير في هذا المجال ان المصارف التي تعاني من أسوأ وضع في تاريخها، انما تنقسم على ذاتها، بدل ان توحّد جهودها للخروج من المأزق، وانقاذ حياة مئات الآلاف معها. فالتفرد بالقرارات لا يجدي، وان كان حسن النية، لانه يبقى محدود الاثر الايجابي، وسيئا الى درجة كبيرة اذا كانت ثمة مصارف بدأت تحضِّر لشطب الودائع المشطوبة عملياً في ظل غياب الافق الواضح للاتجاه المعاكس، ما يعني انها قد تؤسس لكرة ثلج تكبر لتطيح بكل الوعود السابقة بإعادة تكوين الودائع، رغم ضبابية تلك الوعود وعدم واقعيتها.
لكن انقسام المصارف، إنْ كان واقعاً، لا يجدي نفعاً لانها ستصبح فرادى كالثور الابيض الذي أُكِل بمجرد تغاضيه عن موت الثور الاسود، وهذا الامر لا يدخل في مجال الدفاع عن المصارف ووحدتها، بل عن حقوقنا كلبنانيين، اذ رغم كل شيء، لا يزال كثيرون يأملون في ان تتوافر حلول مقبولة نسبياً، فلا يؤدي انقسام المصارف، واقعاً أو صورياً، الى ضياع كامل للحقوق.
يرى البعض ان الخبر والرد عليه، هما جزء من مشهدية مبرمجة لدفع اللبنانيين الى الدفاع عن خيار القبول بالمئة ألف دولار فقط، ولو بالتقسيط الطويل.
واذا كان الرئيس نجيب ميقاتي صرح مراراً بان الودائع ستعود الى اصحابها، من دون توضيح الوسائل، فان ثمة ما يدفع الى عكس ذلك، سواء من الوزراء والنواب الذين لم يقروا قوانين في هذا المجال، او من راغبين في اعلان افلاس المصارف لتأسيس مصارف بديلة، او من احزاب وجمعيات ساهمت في الانهيار ولا تزال تسعى الى تعميقه خدمة لمصالح وتنفيذاً لمؤامرات.