الراي الكويتية
-… هذه خطة واشنطن لـ «خفض تأثير إيران» في لبنان
– ماذا وراء استخدام نصرالله «لغة الأحجام» بوجه خصومه في الداخل؟
… ماذا بعد الارتقاء الأكبر الذي شهدتْه جبهة جنوب لبنان في الساعات الماضية في الوقت الذي تقف حرب غزة أمام مفترق جديد شكّله «مقترح بايدن» لوقفٍ مستدام لإطلاق النار وتبادُل الأسرى وإعادة الإعمار؟
سؤالٌ تردّد بقوّةٍ أمس على وقع دخول الـ «ميني حرب» المفتوحة جنوباً منذ نحو 8 أشهر منعطفاً جديداً يتم وضْعه بحدّه الأدنى في سياق ترسيمٍ مدوٍّ لـ «توازنِ تدميرٍ» يظهّره «حزب الله» بأوضح صورة وبـ «أثقل» الاستهدافات في الأرض والجو، وفي حدّه الأقصى على أنه «رياح تسخينية» سبّاقة لموجةِ تصعيد كبرى تُسابِق منذ 7 اكتوبر 2023 جهوداً ديبلوماسيةً وأكثر من «خط طوارئ» جرى مدّه – حتى بين قوى دولية وإقليمية على ضفتيْ نقيض – للإمساك بدفّة المواجهات وتَفادي تفلُّت الحدود اللبنانية – الإسرائيلية من «ضوابط ذاتية» تتشابك فيها اعتباراتُ أكلاف الانفجار الشامل مع ملامح «شبكة أمانٍ» نُسجتْ في الكواليس، وعلى طرفيْها كلٌّ من الولايات المتحدة وإيران.
فغداة ضرْب «حزب الله» ما أعلنتْ إسرائيل أنه «هدفٌ إستراتيجي خارج التوقّعات» جرى فرْضُ «رقابة عسكرية على طبيعته والأضرار التي وقعتْ فيه» وتوسيعه حزام النار ليطال المستوطنات التي لم يتمّ إخلاؤها في الجليل الغربي، بدا أن الحزبَ اختار «الردّ بالنار» على إعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أنه «أعطى تعليمات للجيش بتوسيع مستوى الضربات على لبنان»، فمضى في رفْع وتيرة استهدافاته وتطويرها كمّاً ونوعاً والتي كان أبرزها أمس استهداف مقر قيادة اللواء الشرفي 769 (معسكر جيبور) في مستوطنة كريات شمونة بصواريخ «بركان» الثقيلة ما تسبب بأضرار كبيرة فيه، وإسقاطه مسيّرة نوع «هيرمز 900»، التي تُعتبر من أكبر وأغلى الطائرات التي يملكها الجيش الإسرائيلي، بصاروخ أرض – جو، وهي شوهدت تهوي على أرض الجنوب محدثة حريقاً في المكان، وقد تمكن شاب من سحب جناح الطائرة قبل شن غارة إسرائيلية على بقاياها.
«اليوم التالي»!
وتمّ التعاطي مع هذه «النقلة» من «حزب الله» على أنها في سياق مزدوج:
– أوّله ملاقاة تَمادي تل أبيب في تَوَحُّشها الذي كان طاول الجمعة فريق إسعاف (تابعا للهيئة الصحية الإسلامية في «حزب الله») في بلدة الناقورة ما أدى إلى سقوط عنصر وجرْح آخَر، ومدنيين جُرحوا في بلدة عين قانا بغارةٍ أدت إلى مقتل عنصر في الحزب، وقبْلها اعتداء جوي على أطراف بلدة عدلون أدى إلى سقوط المواطنة أم مهدي عبود وإصابة عدد من الجرحى وتدمير المنزل المستهدَف، وعلى الخيام حيث تم ضرب سوبرماركت ما تسبّب في اندلاع حريق.
واستمرّ التصعيد الإسرائيلي أمس، بقصفٍ عنيف وواسع النطاق لعدد كبير من قرى الجنوب الأمامية واستئناف «اغتيالات الدراجات النارية» وضرب «بيك اب» عند أطراف بلدة صريفا – دير كيفا، وتحويل قرى في عينها هدفاً لضربات متسلسلة على غرار ما شهدته منطقة دردريه (الواقعة بين حومين الفوقا وعين قانا)، إلى جانب استهداف منطقة بين بلدتي حاروف وجبشيت في قضاء النبطية بغارة أدت الى وقوع إصابات.
– والثاني «ربْط نزاعٍ» في الميدان المشتعل مع الطروحات التي يُراد أن تكون بمثابةِ المَدرج لـ «هبوط آمِن» يَنقل جبهة الجنوب إلى كنفِ ترتيباتٍ أمنية تشتمّ منها «الممانعة» محاولة للحصول بالديبلوماسية على مكتسباتٍ لا تعبّر عن وقائع الأرض وموازينها، وذلك فقط على قاعدة أن إسرائيل لوّحت بالتصعيد و«بالضغط على الزناد» ما لم تتحقق رؤيتها للحلّ على حدودها الشمالية.
وكان الأكثر تعبيراً عما يُعدّ لـ«اليوم التالي» لبنانياً ما أعلنه الرئيس جو بايدن من أن «واشنطن ستساعد في صوغ حلّ على الحدود اللبنانية»، في الوقت الذي كان مستشاره لشؤون الطاقة آموس هوكشتاين، الذي يخوض مفاوضات مكوكية حول جبهة الجنوب، يكشف في مقابلة مع مؤسسة «كارنيغي» للسلام الدولي مرتكزات مسار مزدوج يعمل عليه بالتوازي منذ 7 أكتوبر ويقوم على:
– المدى الآني لجهة إبقاء الهجمات والردود بين إسرائيل وحزب الله، في نطاق لا يسمح لها بالانتشار بما يؤدي «إلى صراع أوسع وحرب نشطة كاملة بين إسرائيل ولبنان قد تمتد إلى أجزاء أخرى من الشرق الأوسط»، مع التحذير من «أن خطأ في الحساب أو حادثاً لصاروخ يخطئ الهدف فيصيب حافلة مليئة بالأطفال أو هدفاً مدنياً آخَر مثلاً، قد يجبر النظام السياسي في أي من البلدين على الرد بطريقة تؤدي بنا إلى الحرب. رغم أن كلا الجانبين ربما يَفهم أن حرباً أوسع أو أعمق ليست في مصلحة أي منهما».
– والمدى «المستدام» الذي يستند إلى «خريطة طريق» يعمل عليها بحيث يكون هناك «اتفاق جاهز» لإسقاطه على جبهة الجنوب، في اللحظة المناسبة «وقد يكون ذلك مرتبطاً بحرب غزة وربما لا، وذلك على قاعدة عودة الاسرائيليين بأمان إلى منازلهم في الشمال، وعودة سكان جنوب لبنان إلى مناطقهم واستعادة لبنان الازدهار الاقتصادي والأمني».
وبرز في هذا السياق تأكيد هوكشتاين أن أي اتفاقٍ لا بد ان يكون في اتجاه التطبيق الكامل للقرار 1701 ومع مراعاة عدم إمكان العودة إلى «ستاتيكو» 6 أكتوبر فـ«إسرائيل لن تسمح بذلك بسبب الواقع الجديد على الأرض» وهذا ما يستوجب «عقد اتفاق أوسع يتمّ على مراحل عدة، تنتهي بترسيم الحدود البرية بين لبنان إسرائيل».
وحرص الموفد الأميركي على تأكيد أن هذا المسار يقوم على «سيبة ثلاثية» لا يمكن عزل مرتكزاتها الأمنية والاقتصادية والسياسية، وتعبّر عنها المراحل الثلاث من الاتفاق المُراد بلوغه، و«ملحقه الرئاسي».
فـ «المرحلة الأولى أمنية وهي القيام بما يكفي للسماح للمجتمعات الشمالية في إسرائيل بالعودة إلى منازلهم، والمجتمعات الجنوبية في لبنان بالعودة إلى بيوتهم، مع رؤية للمستقبل تقوم على تعزيز القوات المسلحة اللبنانية (لنشرها جنوباً) وهذا يتطلب كمية هائلة من التدريب والتجهيز، وهذا يأخذ وقتاً. ولذا سنبدأ في إجراء تلك المحادثات قبل الوصول إلى اتفاق».
والثانية هي «حزمة اقتصادية للبنان تتعلق بضمان أن المجتمع الدولي يُظْهِر للشعب اللبناني أننا نستثمر فيهم لفتح فصل جديد (…) وقد وَضَعنا حزمة يمكن أن تؤمن 12 ساعة من الكهرباء للبنانيين في فترة قصيرة».
والثالثة هي الحدود البرية «والتأسيس، للمرة الأولى على الإطلاق، لحدود معترَف بها بين البلدين، وأعتقد أن ذلك سيساعد كثيراً»، متداركاً أنه «لا يتوقع سلاماً دائماً بين حزب الله وإسرائيل، ولا أعتقد أن هذا مطروح».
وفي موازاة ذلك، أكد هوكتشاين أنه «إذا لم يكن لدى لبنان العمود الفقري الاقتصادي للاستقرار والنمو، فسيسقط في الفوضى وسيقع تحت تأثير قوى إقليمية أخرى»، داعياً في الوقت نفسه إلى «مساعدة اللبنانيين على تطوير المساحة لاختيار رئيس للجمهورية، ثم دعْم الاقتصاد وجيش قوي، وعندها أعتقد أنك ستشاهد أن قدرة إيران أو أي شخص آخَر على التأثير على لبنان ستنخفض، بدل أن ترتفع».
«لغة العد»
ولم يكن عابراً بإزاء هذه «الخطة» الأميركية متعددة البُعد أن يقارب الأمين العام لـ «حزب الله» السيد نصرالله الأمر في إطلالته الجمعة، حيث تحدّث عن «إغراءات للبنان» بلسان بعض المسؤولين الأميركيين، وواحدة منها «أنه إذا ذهبنا باتجاه وقف الحرب وكذا، نعود لِنحرك قصة آبار النفط والاستخراج وموضوع الكهرباء»، معتبراً «أن هذا يجب أن يكشف للبنانيين أن الأميركي هو شريك في صنْع هذه المعاناة لأنه منع الغاز المصري والفيول الإيراني ومنع أي مساعدة وحتى عطّل من خلال الأكاذيب والنفاق الذي مارستْه بعض الشركات في موضوع حقول النفط في المياه اللبنانية».
وإذ جزم نصرالله بأن جبهة الجنوب تواصل عملها «وهي جزء من المعركة التي تصنع مصير فلسطين ولبنان والمنطقة»، برز توجّهه الى معارضي «حزب الله» الذين يعتبرون أن غالبية الشعب اللبناني لا تؤيد فتْح جبهة الجنوب بلغة «يا منرجع نعدّ يا كل واحد يعرف حجمه».
وتابع «على مدى أسابيع و في مناسبات عديدة كُنا نسمع بعض المرجعيات الدينية والسياسية والزعماء أو ما شاكل في لبنان، تقول: هذه المعركة لا يريدها كل الشعب اللبناني، لم يخترها الشعب اللبناني. وهذا غير صحيح (…) اسمحوا لي، لا اريد أن أتواضع فنحن نعتبر أنفسنا أكبر حزب في لبنان ونلنا أكثر أصوات تفضيلية ولدينا أكبر قاعدة شعبية في لبنان، لكن ولا يوم تحدثنا بلغة أكثرية الشعب اللبناني (…) وإذا قلْنا لنتحدّث أرقاماً، ما دامت القصة غالبية وأقلية، يقولون لنا، رجعتو تعدّو، فإما نعود إلى العدّ وإما كل واحد يعرف حجمه ويتحدّث عمّا وبما يمثّل».
وإذ عاد في ملف الانتخابات الرئاسية إلى «الفيتو الخارجي والتدخل الخارجي الذي يُقدّم نفسه بعنوان مُساعِد وهو ليس مساعداً، بل هو معرقل ومُعطِّل في كثير من الأحيان»، مؤكداً «أن لا علاقة للمعركة في الجنوب وفي غزة بانتخاب الرئاسة في لبنان»، اعتبر خصوم الحزب «أن لغة الأحجام» التي استخدمها نصرالله وإعلان «نحن الأقوى والأكبر» تنسف واقعياً كل الدعوات الى الحوار التي تتمسك بها «الممانعة» في ملف الرئاسة باعتبار أنه يجعل من خلالها أي نقاش محكوم من وجهة نظره بـ «موازين القوى» كما يفسّرها